الصحافة الإلكترونية: مكملة أم بديل للصحافة الورقية

 


 

 


كل صباح جديد تطل علينا تقنية جديدة تحاول أن تسبق وتجمع حولها أكبر عدد من المستخدمين، وقد صار للتقنية مدمنوها كما لغيرها ، ونشهد كل حين افتتاح أو حفل لتدشين نوع متطور من التقنيات الحديثة، ومجال الإعلام يعتبر من أكبر المجالات التي تتسابق فيها الشركات لطرح أحدث تقنياتها، لكن ما يميز هذا المجال أن نشأة أي وسيلة إعلامية جديدة لا تلغي ما سبقها من وسائل ، فالصحيفة لم تلغ الأخبار الشفهية أو التي تنتقل عبر الرسائل التقليدية باعتبارها من الوسائل الإعلامية القديمة والأولي، والمذياع لم يلغ الصحيفة والتلفاز لم يلغ المذياع كما لم يلغ الإنترنت الفضائيات، وهكذا، ولكن الملاحظ أن كل طرق الإعلام المستحدثة يخصم الكثير من جمهور الطرق القديمة ويغير أنماط الاستخدام وفقاً لإمكانيات الوسيلة الجديدة . لذا لجأت أغلب وسائل الإعلام التقليدية إلي التطور مع الإعلام الجديد، وأصبح إن لم يكن للجميع فعلي الأقل للغالبية العظمي من وسائل الإعلام التقليدية مواقع إلكترونية مكملة لرسالتها من الإذاعات والقنوات الفضائية ولزيادة الإهتمام المتعاظم بالجانب الإلكتروني جعلت أغلب القنوات والإذاعات المشهورة من البث الحي مكاناً خاصاً علي مواقعها والأمثلة كثيرة منها قناة الجزيرة وإذاعة وقناة البي بي سي حتي قنواتنا المحلية وإذاعاتنا تنافست علي ذلك، فعلي سبيل المثال تميزت قناة الشروق محلياً بالبث الحي في موقعها وكذلك اجتهد تلفزيون السودان والإذاعة القومية، وهذا مما يدلل علي قوة الأثر لهذه المواقع والتي يتدافع إليها الملايين بصورة يومية يتلقون منها المعلومة ويقدمون أيضاً ما لديهم من تعليقات علي المساحات المخصصة أسفل الأخبار والتقارير، أو يتفاعلون عبرها بمختلف أنواع التفاعل
دخل مفهوم الصحافة الإلكترونية مؤخراً نتيجة التطور الهائل الذي لحق بوسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، واكتسب هذا النوع الجديد من الصحافة أهمية بالغة منذ ظهوره أوائل التسعينات من القرن الماضي، وتزايدت أهمية الصحافة الإلكترونية مع توالي الأعوام وانتشار الإنترنت وتضاعف أعداد مستخدميه فأصبحت غالب المؤسسات الصحفية تمتلك مواقع إلكترونية لمطبوعاتها الورقية ، وبالرغم من أن العديد من الصحف المحلية والعربية إتجهت إلي اصدار نسخ إلكترونية لها لكن أغلبها لا يقدم كل المعلومات علي النسخة الإلكترونية وذلك حتي لا تقل مبيعات النسخ الورقية باعتبارها ما زالت الطريقة المتوفرة لجني الأموال عبر الإعلان ، بعكس الصحف الغربية والأمريكية فقد تحولت من الشكل التقليدي إلى الإعلام الإلكتروني، وخاصة في ظل الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عامي 2008 و2009 والتي ولدت أزمات مالية لكثير من جوانب الاقتصاد بما فيها المؤسسات الصحفية التي تعمل على أنها مؤسسة ربحية تصرف من مداخيلها. لكنها استطاعت توفير إعلانات في نسخها الإلكترونية فالمتلقي في الغرب يميل أكثر إلي النسخة الإلكترونية منها إلي الورقية. ويعود صدور أول نسخة إلكترونية في العالم إلى عام 1993م ، بحسب ما أوردته جريدة النهار 24/5/2009، مقال الصحافة الورقية وهاجس الانقراض - حيث أطلقت صحيفة سان جوزيه ميركوري الأمريكية نسختها الإلكترونية، تلاها تدشين صحيفتا ديلي تليجراف والتايمز البريطانيتين لنسختهما الإلكترونية عام 1994م، وعربياً أصدرت أول صحيفة عربية نسختها الإلكترونية منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة وهي صحيفة الشرق الأوسط الصادرة من لندن و تزامن معها إصدار النسخة الإلكترونية لصحيفة النهار اللبنانية.
لكن الجديد هو ظهور نوع جديد من الصحف غير التقليدية وهو ما يعرف بـ "الصحف الإلكترونية" والتي يقتصر إصدارها على النسخة الإلكترونية دون المطبوعة، ومنها علي سبيل المثال قبل أكثر من عشر سنوات صحيفة سودانايل كأول صحيفة إلكترونية تصدر من داخل الخرطوم وتلتها عدد من الصحف الإلكترونية أو المواقع المهتمة بالخدمات الصحفية
وقد أثبت الإعلام الإلكتروني في سنوات عمره القليلة أنه أكثر جدوى في الوصول إلى الجمهور من الوسائل التقليدية، وكثيرا ما يلبي احتياجات قراء الصحف ومشاهدي التلفزيون ومستمعي الإذاعة في آن واحد، كما تعد هذه الوسيلة الإعلامية ثورة في مجال التفاعل مع الجمهور، إذ أثبتت قدرة هائلة على تقديم مواد تفاعلية لم يسبق أن قدم التاريخ مثيلا لها حتى في التواصل المباشر بين الأشخاص وتحول المتلقي للرسالة في الإعلام التقليدي إلي مشارك في الرسالة وأحيانا مرسلاً لها.
وظهرت في الآونة الأخيرة المواقع الإلكترونية الإخبارية كمؤسسات إعلامية عملاقة سواء كانت تابعة لمؤسسة كالـBBC  أو الجزيرة واستقلت في إدارتها وتم تخصيص مراسلين لها بكل بقاع العالم كما صارت مصادر معتمدة للأخبار ، أو كانت مواقع مستقلة ظهرت بقوة وصنعت ضجة لأهمية أوحساسية المعلومات المنشورة كموقع ويكيليكس وموقع TRANSPARENCY التابع لقناة الجزيرة ، وربما قريباً نسمع عن تقنيات إلكترونية جديده ربما لن تلغي المواقع الإلكترونية لكنها قد تخصم عدداً مقدراً من جمهورها .
وأختم بمقولة لصحفي عربي في حديث له عن الصحافة الإلكترونية أنهم ظلوا يناضلوا لرفع سقف الحريات ولو مقدار شبر، فجاءت الصحافة الإلكترونية لتجعل حرية الصحافة بلا سقف.
ahmed karuri [ahmedkaruri@gmail.com]

 

آراء