الصراع علي الأرض في السودان (10) والأخيرة

 


 

 

أولا: تابعنا في الحلقات الماضية تطور ملكية الأرض في السودان باعتبارها ركيزة العمل في الزراعة والرعي منذ قيام الممالك السودانية القديمة كما في : مملكة كرمة، نبتة مروي بعد تفكك الملكية القبلية الجماعية للارض، بظهور الدولة كنتاج لاتساع الفروق الاجتماعية وظهور الطبقات المالكة والملوك مثل ملوك نبتة الممثلين للاله آمون في الأرض الذين نظموا ملكية الأرض علي الرعايا وأخذ نصيبهم من عائدها، اضافة للأراضي الزراعية التي كان يملكها الكهنة والتي كانت تمد الدولة والمعابد بالاحتياجات، كان ذلك مع تطور آساليب وفنون الرعي وتربية الحيوانات، حيث ظهر اهتمام اكبر بالماشية وبناء الحفائر لتخزين المياه واستعمالها في فترات الشح، ودخول الساقية السودان في العهد المروي والتى احدثت تطوراً هائلاً في القوه المنتجة حيث حلت قوة الحيوان محل قوة الإنسان العضلية ، وتم إدخال زراعة محاصيل جديدة ، أصبحت هنالك اكثر من دورة زراعية واحدة، وأحدثت توسعا في الأراضي الزراعية.
ثانيا جاء التطور الجديد في ملكية في ممالك النوبة المسيحية التي كان فيها ملك النوبة يعتبر الأرض ملكه، ولا حق لرعاياه في ملكية خاصة لها أو التصرف فيها بالبيع أو الشراء أو غير ذلك، وكل رعاياه الذين يعملون في ضياع معينة يعتبرون عبيداً لملك النوبة. وأن تملكهم لهذه الضياع تملك العاملين فيها.
ثالثا : بعد قيام دولة الفونج ، وبعد تجريد النوبة من أراضيهم الخصبة ،وعلى نسق الأقطاع الشرقي أصبح السلطان هو المالك الأساسي لكل الأراضي ، وكان من وظائف السلطان أنه كان يقطع الأرض ويحدد كيفية استغلالها وكانت هذه الاقطاعات تهب لأعيان الدولة أو السلطان نفسه أو شيوخ الطرق الصوفية وفي كل حالة يحدد الخراج أو الإعفاء منه، كما جاء في وثائق الأرض التي نشرها محمد إبراهيم ابوسليم وج. . ل . سبولدنق، هذا اضافة لملكية القبائل الجماعية في اراضي المرعي والغابات والزراعة المعيشية.
وفي السنوات الأخيرة لسلطنة الفونج مع تطور اقتصاد السلعة والنقد بدأت تظهر الملكية الخاصة للارض بحجج معينة.
رابعا: في سلطنة دارفور كان السلطان سلمان سولونج هو أول سلطان من سلاطين دار فور يضع سياسة شاملة إزاء الأرض ، وقد اعتبر كل أراضى السلطنة ملكا خاصا له ، كما عمل السلطان موسى حسب رواية شقير، بالنظام المشهور في الشرق فيما يتعلق بملكية الأراضي ، فجعل البلاد كلها ملكا للسلطان ، وقسّم بلاد الحضر إلى حوا كير أو اقطاعات ، وزعها على أهله واخصائه وكبار قومه بحجج مختومة بختمه ، فعاشوا بريعها هم واهلها المزارعون ، وكذلك قسّم البادية وخص كل قبيلة بأمير من أبناء السلاطين ، أو بعين من الأعيان يجبى زكاتها ، وجمع السلطان نصيبه من الزكاة والفطرة والعشور حسبما يفرضه الشرع الإسلامي، كما أشار د . أبو سليم في كتابه ( الفور والأرض ) أن السلطان موسى هذا هو نفسه الذي ألغي نظام النواب من أهل البلاد وقد عين موسى أربعة مقاديم من اخصائه في أقاليم السلطنة الأربعة وجرد النواب من السلطنة ، أي انه جرّد هذه البقية الباقية من القوى المحلية من السلطة الإدارية ، كما جردها من القوى الاقتصادية بجعل ملكية الأرض والتصرف فيها في يده بعد أن كانت في يد هؤلاء ، فالتجريد الإداري واكبه تجريد اقتصادي.

خامسا :جاءت فترة الاحتلال التركي التي ارتبط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي ، وعرف تشكيلة اجتماعية اقتصادية تابعة ، بمعني أن كل موارد السودان الاقتصادية والبشرية كانت موظفة لخدمة الطبقات الحاكمة والمالكة في مصر، وشهد السودان بذور نمط الإنتاج الرأسمالي والذي نشأ مع اتساع التعامل بالنقد والاتباط بالتجارة العالمية وتحول قوة العمل الي بضاعة ، واقتلاع الآف المزارعين من أراضيهم ، نتيجة للقهر والضرائب الباهظة ، واصبحوا لايملكون شيئا غير قوة عملهم.
كما تمت عملية نهب واسع للأراضي بعد اصدار الحكومة عام 1857 ( اللائحة السعيدية للاطيان) والتي نصت علي أن المزارع الذي يتروك أرضه ثلاث سنوات يسقط حقه فيها حسب الشريعة ويجوز العرف مدها سنتين ، وعليه فكل من يضع يده علي أرض لمدة خمس سنوات وأكثر ويدفع خراجا " للميري*" فلا تنزع ، ولا تسمع دعوة الشاكي.
وكانت الأراضي ملكا للدولة ، فهي تعطي منها مساحة للزراع في مقابل أن يدفعوا لها عشر محاصيلهم ، وجرت العادة في السودان أن يدفع هذا العشر نقدا لا عينا ، وفي والوثائق اشارة لنظام الخراج أو الأراضي الحكومية من ضمن الأطيان الميرية التي أخذها الأهالي بوضع اليد وظلوا يدفعون عليها خراجا سنويا للحكومة مقداره سبعمائة قرش عن الساقية.
كان من نتائج ذلك أن امتلك الاثرياء الاتراك والمصريون ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.أي تم التوسع في نظام الملكية الخاصة للارض مع ارتباط السودان بالسوق والنظام الراسمالي العالمي.
سادسا : ثم جاءت فترة المهدية التي ظهر فيها نظام جديد لملكية الأرض ، وإن كان لا يختلف كثيرا عن مفهوم ملكية الأرض الذي كان سائدا في صدر الدولة الإسلامية في عهد الرسول ( ص ) ودولة الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية والدولة العباسية وحتى الدولة العثمانية . ومضمون هذا المفهوم يقوم على أساس أن خليفة المسلمين أو الإمام هو الذي يتصرف في الأرض أو يحدد كيفية استغلالها ، ويصدر التشريعات التي تحافظ على حقوق المنتفعين وحقوق المسلمين عامة .
وكانت تشريعات الإمام المهدي حول الأرض علي النحو التالي:
أ – في أول منشور بعد بداية الثورة كان انحياز المهدي واضحا للفقراء والمعدمين من المزارعين الذين شكلوا العمود الفقري والسند الأساسي للثورة ، وبالتالي عبر التشريع عن مصالحهم
ب – في المنشور الثاني واجهت المهدي مسألة جديدة وهي الملكية الفردية بعد ازدياد وزن كبار الملاك في قيادة الثورة المهدية.
ج – في مرحلة ثالثة تظهر لنا مسألة أراضي الأجانب مثل النصارى والترك ويفتي المهدي بمصادرتها وضمها إلى ممتلكات بيت المال وتظهر هنا ملكية الدولة المباشرة لأراضي الأجانب والتي يكون عائدها لبيت المال، أي تم الغاء ملكية الأجانب للارض في السودان.
د – وفي مرحلة لاحقة من يونيو سنة 1884 م وحتى أخر منشور لمحمد الخير تلحظ انتصار وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة نهائيا في فكر الإمام المهدي وخاصة بعد ازدياد ثقل كبار ملاك الأراضي والأغنياء في التركيب القيادي للثورة المهدية ، ورغم استمرار صراع المهدي على الأقل في الجانب الأخلاقي بأن يكف المالكون وأصحاب الأراضي عن استغلال المزارعين (بالتكندي) لأن ما عند الله خير وأبقي. ويتأكد هذا الفهم في المناطق التى فيها ملكيات فردية راسخة وطرق ملتوية في الحفاظ على الملكية الفردية كمنطقة بربر ( أو منطقة الشمالية ) ويقر المهدي فيها بتأجير الأرض والموازنة بين مصالح الملاك والذين تم اغتصاب الأراضي منهم ، فلا يتم النظر إلا بعد سبع سنين .. ويطرح المهدي قاعدته المنهجية الهامة وهى أن (لكل حال وبلد وزمان ما يليق به) .
ه - وأخيرا جاءت فترة الخليفة عبد الله التعايشي ( 1885- 1898م) التى جري فيها تحول في ملكية الأراضي الزراعية لصالح الفئات الطبقية الجديدة التي كان يعبر عنها حكم الخليفة دون سند قانوني معلوم. وبالتالي استحوذ زعماء البقارة على أحسن وأجود الأراضي الزراعية .
سابعا : بعد إعادة إحتلال السودان عام 1898م جرى التوسع في إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان والزراعة الحديثة ، وكان من ضمن أهداف الاستعمار الإنجليزي تحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة تشكل مصدرا دائما ومستمرا لمصانع لانكشير من خامة القطن السوداني ، أي مصدر رخيص للمواد الخام وسوق لمنتجاتها الصناعية حسب قوانين التبادل غير المتكافئ ، ولتحقيق ذلك كان لابد تنظيم ملكية الأرض وإلغاء نظام الرق .
فيما يختض بتنظيم ملكية الأرض صدرت قوانين تنظيم الملكية وتسوية النزاع حول الأراضي والتي كان أهمها : :
قانون الحقوق على الأرض الزراعية لعام 1899 م،
- صدر قانون الغابات 1901 م ، قانون نزع الأراضي 1903 م. الذي يعطي الحكومة الحق في الاستيلاء علي أي أرض يمكن أن تحتاج اليها للصالح العام ، علي أن تعوض المالك بقطعة أخري بعد الاتفاق معه ، وقد صدر هذا القانون لأن الحكومة كانت بصدد مد خطوط السكة الحديد في بعض المناطق ، وستحتاج الي تلك الأراضي.
- صدر قانون تحديد الأراضي ومساحتها 1905 م الذي اصبحت بموجبه الحكومة المالك الشرعي لكل الأراضي الزراعية والغابات الخالية من الملكية الخاصة.
- في عام 1912 ، تم تسجيل كل الأراضي الزراعية ، وصدر قانون تقييد تصرف السودانيين في الأراضي 1918 م الذي يتضمن عدم جواز بيع أو رهن أو التصرف في اي أرض ما لم يكن بموافقة المديرية ، ماعدا في حالة الوصية أو الايجار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات ، وعندما يراد بيع الأرض تحصل المحكمة علي صورة مما هو مدون عنها في "تسجيل الضرائب"، وتطلب اذا لزم – شهادة الشيخ أو العمدة بأن الشخص المسجلة الأرض باسمه هو المالك الوحيد لها ( للمزيد من التفاصيل راجع، سعيد محمد أحمد المهدي ، قوانين السودان ، المجلد الأول ، 1901- 1925، دار جامعة الخرطوم للنشر 1975م) .
كان الهدف من صدور القوانين المقيدة لبيع الأراضي هو منع المضاربات وانتقال الأراضي للاجانب والمصريين ، ورغم صدور هذه القوانين ، فان عملية المسح والتسوية للاراضى لم تكن قد تمت نهائيا في أنحاء السودان .
من أهم القوانين التي أصدرتها إدارة الحكم الثنائي فيما يتعلق بالأراضي كان قانون تسوية الأراضي وتسجيلها عام 1925، والذي وضع القواعد الأساسية لتسوية وتسجيل الأراضي إذ ضمن وجود صاحب الأرض والمستند الدال على ملكيته، واعتبر الأراضي غير المشغولة ملكا للحكومة.
- في عام 1923 ادخل الاستعمار نظام الإدارة الأهلية ومعها نظام الحواكير التي يديرها نظار القبائل ، وتقسيم الأراضي القبلية ( الحواكير)، حواكير لمالكيها الأصليين ( الذين يستضيفون قبائل أخري دون أن يكون لهم الحق في النظارة ، والسماح لها بالاستفادة منها، باعتبارها مستضافة) وأصبح ناظر القبيلة مسؤولا عن إدارة الحواكير ، أي تمّ ربط الحاكورة بالقبيلة في المكان المحدد ، اضافة لسلطات ناظر القبيلة الادارية والمالية للحواكير.
فى عام 1930 م صدر قانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام وذلك بنزع ملكيتها.
وهنا نلاحظ التوسع في تطور حق الملكية الخاصة للأراضى الذي يعنى الاستعمال والاستغلال والتصرف ، فحسب ما ورد في قانون الأراضي وتسجيلها 1925 م عن التصرف في الأرض بأنه كل ما يرهن أو ينقل من شخص لاخر بفعل الأطراف ، أو بأمر محكمة ، وان أيلولة الأرض أو الرهن تعنى نقلها من شخص لاخر بالميراث أو أي طريقة قانونية أخرى.
كما ابقت الإدارة البريطانية علي تشريعات الامام المهدي التي حرمت ملكية الأجانب للاراضي ، وضمت كل اراضي الأجانب التي صادرتها المهدية من الأجانب للدولة.
هذا اضافة الي أن قوانين الأراضي لم تمس من الناحية الفعلية الحقوق العينية التقليدية المعروفة والمسلم بها للأفراد والقبائل والجماعات..
وبصدور هذا القانون 1930 م الخاص بقانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام ، وذلك بنزع ملكيتها ، تكون الإدارة الاستعمارية قد استكملت قبضتها على ملكية الأرض ، وقننت كل الخطوات التي اتخذتها منذ بداية حكمها والتي مهدت بشكل أساسي لإدخال زراعة القطن والذي كان من أهداف احتلالها للسودان .
ثامنا : بعد الاستقلال سارت البلاد في طريق التنمية الرأسمالية واستمر التطور غير المتكافئ السودان مصدرا للسلع الأولية ومستوردا للسلع الرأسمالية ، وتمّ التوسع في الاراضي الزراعية كما في مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الحكومية، ومشاريع القطاع الخاص و مشاريع الزراعة الآلية، كما صدرقانون الزراعة المطرية لعام 1959م لتنظيمها والاشراف عليها
في فترة الحكم العسكري الأول الاقتصاد السوداني بمشاريع المعونة الأمريكية التي قامت علي قروض من أمريكا وبقية الدول الرأسمالية الغربية ، وزادت مساحة الأراضي المزروعة بقيام مشاريع مثل: مشروع المناقل وخزان الروصيرص وخشم القربة ، فخزان الروصيرص اعتمد في قيامه علي قرض جملته 18 مليون جنية من البنك الدولي بالاضافة الي القرضين من المانيا الغربية ومؤسسة التنمية العالمية.

- كما شهدت فترة الحكم العسكري الأول فقدان جزء من اراضي السودان باغراق مدينة حلفا التاريخية وضياع كنوزها الأثرية بعد قيام السد العالي ، وبتعويضات بخسة وفساد لازم عملية التهجير الي منطقة خشم القربة.
كان التوسع في الزراعة الآلية لمصلحة التراكم الرأسمالي للقطاع الخاص ، والذين دخلوا الزراعة الآلية: كبار موطفي الخدمة المدنية وضباط الجيش المتقاعدين الذين استغلوا مواقعهم السابقة في جهاز الدولة للحصول علي تسهيلات لتمويل نشاطهم الزراعي، وعلي تسهيلات حكومية. اضافة لتهريبهم الارباح خارج الأسواق الرسمية للتهرب من الضرائب والرسوم وللبيع بأسعار أعلى ، أو التهريب لللبلدان المجاورة.
في بداية انقلاب مايو 1969صدر قانون الأراضي غير المسجلة لسنة 1970 ، الذي تزامن
مع إلغاء نظام الإدارة الأهلية، والتي كانت مؤسسة هامة من حيث تنظيم الأراضي والتعامل مع النزاعات التي لا مفر من حدوثها بين ماكي الديار والحواكير، أو حتى بين أولئك الذين لا يملكون أي من هذه العناصر. ومع أنه تم إعادة نظام الحكم المحلي، إلا أنه أصبح أضعف بشكل كبير، إضافة إلى أنه فقد مصداقيته، كما مكن قانون 1970 الحكومة أيضا من تنفيذ سياسة تنمية مبنية على توسيع القطاع الزراعي، خاصة الزراعة الآلية، حيث زادت نسبة الأراضي التي خضعت لسياسة الزراعة الآلية، وبعد صدورقانون 1970 ، زادت مساحات الأراضي المزروعة بقيام مشاريع زراعية جديدة مثل: مشروع السوكي الزراعي ، مشروع الرهد الزراعي، مشروع كلي ، ومشروع السيال. الخ.
كما صدر قانون تنمية الاستثمار الزراعي لعام 1976 الذي يهدف الي تشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار في الزراعة.
كما زاد التوسع في الزراعة الآلية وقيام مؤسسات زراعية مثل: المؤسسة العامة للزراعة الآلية التي تضم : مؤسسات الدمازين والقضارف ، والدلنج، الرنك ، اقليم كوستي ، نيرتتي وأم عجاج ، والتي تقوم بإنتاج الذرة والسمسم والقطن والدخن. الخ، كما خُصصت مليون ونصف فدان لشركة ترياد الأمريكية (مليون فدان) وشركة الدمازين الزراعية (نصف مليون فدان)، اضافة لمشاريع الزراعة الآلية
رغم تلك المشاريع للزراعة الآلية والمشاريع المروية والمساحات الكبيرة التي كان من المزمع زراعتها قطنا وقمحا وسمسما ودرة ودخنا .الخ ، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وفيما كان يُقال سوف يصبح السودان سلة غذاء العالم ، فان الإنتاج الزراعي ظل يتدهور من عام لآخر خلال هذه الفترة ، حتى اجتاحت البلاد المجاعة عام 1983/1984 ، بعد الجفاف والتصحر الذي حدث بسبب الهجوم علي الغابات من الزراعة الآلية وتدمير البيئة، وعدم تحوط الحكومة للكوارث الطبيعية مثل : هجوم الحيوانات والآفات والجراد والحشرات والفئران .الخ، والاستعداد الكافي لها .
أدي تدهور القطاع الزراعي، لفقدان أعداد كبيرة من اشجار الهشاب والطلح مما أثرفي إنتاج البلاد من الصمغ الذي يدر عملة صعبة ، والجفاف والتصحر الذي أدي للمجاعة ، وعدم تجديد الثروة الشجرية الذي قلص مساحات الغابات، وتدهور ثروات البلاد من الحيوانات الوحشية نتيجة لتغول الزراعة الآلية في مناطق الثروات الوحشية، وتقلص مساحات المرعي الطبيعي مما أدي للصدامات القبلية أو فقدان ثروات حيوانية كبيرة نتيجة لدخول أعداد كبيرة من الرعاة بحيواناتهم للدول المجاورة لمناطق الرعي الطبيعي، اضافة لتخلف القوي المنتجة في الزراعة، والتخلف العلمي والتكنولوجي..
رغم الضجيج الذي كنا نسمعه في السبعينيات عن الاهتمام بالقطاع الزراعي ومشاريع التنمية الزراعية ، الا أن الواقع الفعلي يشير الي أن نسبة الاستثمارات التي كانت موجهة للقطاع الزراعي لا تتجاوز 22% من جملة الاستثمارات رغم أنه كان المصدر الرئيسي للفائض الاقتصادي في السودان( العرض الاقتصادي 78/ 1978).
5 وفي فترة الديمقراطية الثالثة صدر قانون التصرف في الأراضي لسنة 1986 الذي أشار في المادة (9): "إذا عجز مستأجر الأرض أو المنفعة عن تعمير قطعة الأرض المؤجرة له خلال المدة الابتدائية أو أي امتداد لها دون إبداء أسباب معقولة فيجوز للسلطات المختصة إلغاء عقد الإيجار واسترداد قطعة الأرض منه وإعادة التصرف فيها"، وفي المادة (10): "يجب على المستأجر أو المنتفع أن يلتزم بشروط عقد الإيجار أو المنفعة وألا يستثمر الأرض المؤجرة دون الحصول على إذن من سلطات الأراضي وسلطات التخطيط العمراني، إلى للغرض المخصصة له والمبين في عقد الإيجار أو أمر التخصيص النهائي أو المؤقت".
في بداية فترة حكم الانقاذ صدر قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة 1994 الذي أشار في المادة (13) " يجوز نزع ملكية الأرض للمصلحة العامة بموجب أحكام قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930 عند ممارسة الوزير لسلطاته بموجب أحكام المادة 9(ج) ، (ه) ، (و)، كما أشار في المادة (14) الي نزع ملكية الأرض التي لم تُعمر.
هذا القانون مع الإجراءات الأخري بعد انقلاب الانقاذ في 30 يونيو 1989 و استيلاء الإسلامويين علي السلطة، مكن لهم في نهب الأراضي:
كما تقلصت اراضي السودان ، وكان من اكبر الخسائر في هذه الفترة انفصال جنوب السودان ، وتقلص مساحة أراضي السودان بفقدان 28% منها ،وفقدان 70% من الغطاء الغابي ، 75% من ثروة النفط ،، وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة من 200 مليون فدان الي 160 مليون فدان،اضافة لفقدان ثروات معدنية ،ومياة عذبة وثروة حيوانية ووحشية وسمكية.
كذلك تمّ احتلال مصر لحلايب وشلاتين وابورماد ونتوءات وادي حلفا الأخيرة . الخ، واحتلال اثيوبيا للفشقة، وتأجير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة لدول الخليج وغيرها لمدة تصل ( 33- 99 عاما) دون مراعاة مصالح الأجيال القادمة، والحفاظ علي المياه الجوفية الناضبة.
كما صدر قانون الاستثمار بتاريخ 31 يناير 2013 الذي ضمن للمستثمر استئجار الأرض لمدة تصل الي 99عاما، كما ضمن القانون للمستثمر تصدير كل منتجاته بلا رسوم جمركية أو اجراءات إدارية كتفتيش البضائع المراد تصديرها.
كما تمّ تجاوز ما كان ساريا ما اشرنا اليه سابقا حول قوانين تنظيم ملكية الأرض في فترة الحكم الانجليزي من تحريم تمليك الأرض في السودان للاجانب، ومن حماية لاصحاب الأرض الاصليين.
في هذا الفترة تمت أكبر هجمة علي اراضي السودان الزراعية أدت لصراعات طبقية وقبلية وحروب، كما في الآتي:
- - انتزاع اراضي أو الحواكير في دارفور علي أساس أن " الأرض لله" ، وتمت الابادة الجماعية في دارفور وحرق الاف القري والتي أدت في العام 2003 حسب احصائية الأمم المتحدة الي مقتل300 ألف مواطن " حاليا وصلت الي 500 الف" ونزوح أكثر من2,5 مليون " حاليا تجاوز 3 مليون مازح"، واحلال مستوطنين من الدول المجاورة في اراضيهم، والاسستيلاء علي اراضي قبائل الفور، ،. الخ الخصبة، ومناجم الذهب كما في جبل عامر وغيره، مما أدي ليكون البشير ومن معه مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية.
- - في الفترة:" 2008- 2018 " ، وبعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008 ، وخاصة بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد ل 75% من عائد النفط ، واحتياج حكومة البشيرلتهب موارد جدية ، منح السودان ملايين الأفدانة لمستثمرين من السعودية والامارات وتركيا والصين والأردن، قطر،مصر ،لبنان، الكويت ، وسوريا، والتي استحوذت على مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاج المحاصيل الغذائية والأعلاف الحيوانية مثل البرسيم ، والوقود الحيوي، فضلا عن تقلص مواردنا المائية..
وهي في الواقع عملية نهب للاراضي لأنها تستنزف خصوبة التربة والمياه الجوفية في سلب واضح لحقوق المجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض في الرعي الزراعة للاكتفاء من الغذاء، رغم طلب الحكومة بتخصيص 25% من أراضي الاستثمار للمجتمعات المحلية الا أن ذلك لم يتم بالشكل المطلوب ، واستمر نهب أراضي السكان المحليين وطردهم من اراضيهم.
كما واصلت السلطة في السياسة نفسها بعد انقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019 ، كما في إعلان البرهان منح تركيا 100 الف هكتار للاستثمار في السودان.
مما يتطلب استكمال مهام الثورة يتحسين شروط الاستثمار، ومراجعة كل العقود التي تصل مدة ايجارها 99 عاما.

alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////////

 

آراء