الصورة النمطية للسود في السينما المصرية (2)

 


 

 

د. أحمد جمعة صديق
للتصنيف النمطي جذور عميقة في السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
• السياق التاريخي:
- الأحداث التاريخية غالباً ما تشكل تصنيفات نمطية حول مجموعات معينة. على سبيل المثال، ساهمت الهجمة الاستعمارية والإمبريالية في تصنيفات نمطية حول الافتراض بتفوق الثقافات الغربية على الأخرى. وعليه فقد شهدت دول الجنوب هجمة استعمارية (مبررة) لان الاعتقاد السائد – وهو اعتقاد غير قابل المراجعة – ان الحضارة الغربية يجب ان تسود لايمانهم يتفوق الانسان الابيض، مما ساق المبرر الطبيعي في الادعاء حقاً أو زوراً في توصيل رسالتهم الى العالم الآخر طوعاً أو كرهاً. ونتيجة لهذا المفهوم ارست بريطانيا وفرنسا واسبانيا وبلجيكا والبرتغال وهولندا، الى حد ما – سيطرتها التامة على اراضي وشعوب أفريقيا وأسيا وأمريكا ايضأ.
- في الحرب العالمية الثانية، أعادت المحرقة تصنيفات نمطية حول الشعب اليهودي، بسبب تنميطهم بالجشع أو غير جديرين بالثقة، التي كانت قائمة منذ قرون ولكن تفاقمت بفضل الدعاية النازية وقد يكون الامر متعلقاً بحفنة من اليهود وبالتالي لا يصح التعميم على جميع اليهود. وقد شهد القرآن لسيدنا محمد صلى الله علي وسلم بأن لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، ولكن ثبت بالدليل العملي ان التعامل مع بعض اليهود لا ضرر منه اذا تعانقت المصالح، فقد مات الرسول صلى عليه وسلم ودرعه مرهونة ليهودي.
وقد حوى الادب الاوربي صوراً بجشع اليهود يتمثل في يهودي مالطا وتاجر البندقية. ف"يهودي مالطا" وهي مسرحية كتبها كريستوفر مارلو، ويعتقد أنها كتبت حوالي عام 1589-1592وتدور المسرحية حول شخصية باراباس، التاجر اليهودي الذي كان يعيش في مالطا، ويُصوَّر كشخص شرير ذكي ذي كيد. اذ يقوم باراباس بدافع الانتقام- بعد أن تمت سلب ثروته من قبل حاكم مالطا- باللجوء إلى التلاعب والخداع والقتل. ويعكس تصوير مارلو لباراباس الأحاسيس المعادية لليهود السائدة في إنجلترا في عصر اليزابيث، مما يواصل تعزيز الصور النمطية السلبية حول اليهود. أما "تاجر البندقية" فهي مسرحية كتبها وليام شكسبير، ويعتقد أنها كتبت بين عامي 1596 و 1599. وتحكي المسرحية قصة التاجر أنطونيو، الذي يقترض المال من مقرض مالي يهودي يُدعى شيلوك لمساعدة صديقه باسانيو في خطبة الوريثة الثرية بورشيا. يُصوَّر شيلوك كشخصية معقدة، وغالباً ما يوصف بأنه شرير بسبب إصراره على فرض بند يسمح باقتطاع رطل من لحم أنطونيو إذا فشل في سداد القرض. ومع ذلك، فإن شخصية شيلوك تثير أيضاً الشفقة حيث يواجه التمييز والمعاملة السيئة بسبب تراثه اليهودي. ف "تاجر البندقية" تستكشف مواضيع العنصرية والرحمة والعدالة وتعقيدات الطبيعة البشرية، مع شيلوك يكون محوراً لهذه المواضيع. وقد اثبتت بعض فئات اليهود مناصرتهم وتعاطفهم مع القضية الفسلطينية في محنة غزة الحالية- أقال الله عثرتها.
• السياق الثقافي:
قد تثبت المعتقدات والممارسات الثقافية التصنيفات النمطية، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تعزز اسقاطات وسائل الإعلام لبعض الجماعات العرقية التصنيفات النمطية. وكمثال لذلك، فإن تصوير افراد عرب أو مسلمين كإرهابيين في وسائل الإعلام الغربية، قد يثبت التصنيفات النمطية حول كل العرب وكل المسلمين بأنهم عنيفين أو متطرفين. وهذا الموضوع ما زال يثار بين الفينة والاخرى في المجتمعات الغربية في اوربا وامريكا الى اليوم. ويقع ضحايا من الجانبين بسبب هذا الاعتقاد غير الصحيح. ويمكن أن تؤدي التقاليد والقيم الثقافية أيضاً إلى التصنيف النمطي. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي الأدوار الجنسية (الجندر) المفروضة من قبل الثقافات التقليدية إلى تصنيفات نمطية حول القدرات والأدوار النمطية للرجل والمرأة.
• السياق الاجتماعي :
يمكن أن تؤكد الهياكل والمؤسسات الاجتماعية التصنيفات النمطية، ومثال لذلك، يمكن أن تؤكد نسبة استهداف ووضع الأفراد السود في السجون الامريكية، من قبل نظام العدالة الجنائية التصنيفات النمطية، حول الأفارقة السود بأن لديهم ميول طبيعي نحو الاجرام، مما يصنفهم دائماً كأشخاص خطرين بطبيعتهم. كما يمكن أيضاً أن تستمر التفاعلات الاجتماعية وديناميكيات المجموعات في تأكيد التصنيفات النمطية، اذ يمكن أن يؤكد الضغط من الأقران داخل المجموعات الاجتماعية التصنيفات النمطية حول بعض السلوكيات أو الخصائص كالحاق صفة من الصفات السالبة لفرد من افراد المجموعة لتصبح سمة (stigma) تلحق به طول حياته.
• السياق الاقتصادي :
يمكن أن تؤدي الفجوات الاقتصادية إلى تصنيفات نمطية حول بعض المجموعات الاجتماعية الاقتصادية، اذ يصنف الأشخاص الذين يعيشون في وضع الفقر بأنهم كسالى وغير منتجين بطبعهم . وكذلك يمكن وصفهم بأنهم ليس لديهم الحافز– بوضعهم العوائق النظامية- للانتقال والتبادل الاقتصادي لعدم وجود فرص للتعليم أو العمل والتاهيل للعب الادوار الاقتصادية في المجتمع الانساني. ويمكن أيضاً أن تسهم الاتجاهات الاقتصادية العالمية، مثل الهجرة، في التصنيفات النمطية، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تنشأ التصنيفات النمطية حول سرقة المهاجرين الوظائف أو كونهم عبء على موارد الدولة المضيفة.
وبصورة عامة، غالباً ما تكون التصنيفات النمطية متأصلة بعمق في المجتمعات ويمكن أن يتواصل الاعتقاد عبر مختلف الوسائل، بما في ذلك وسائل الإعلام والتعليم والتفاعلات الاجتماعية. ويتطلب معالجة التصنيفات النمطية فهم جذورها التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعمل على تفكيك التحيزات النظامية التي تدعمها.
• . الصورة النمطية للإنسان الأسود في الدراما المصرية
وفي هذه السياقات السابقة يمكننا ان نؤطر لهذا المقال في النظر الى الصورة النمطية للإنسان الأسود في الدراما المصرية. فقد تمثلت بشكل متنوع عبر السنوات، حيث تم التعبير عنها من خلال الأدب والسينما والمسرح وبطرق مختلفة. فتاريخياً، لم يكن التمثيل (representativeness) الانساني للافراد ذوي البشرة السمراء في الدراما المصرية محصوراً في إطار واحد، بل كان متغيراً ومتطوراً مع تطور الزمن وتغير الظروف الاجتماعية والثقافية. سأحاول في هذا النص استعراض بعض الجوانب الرئيسية لهذه الصورة النمطية مع إعطاء أمثلة من الأفلام التي تجسدت فيها الايجابية عن السود في السينما المصرية.
• الفترة الأولى:
في الفترة الأولى من تاريخ السينما المصرية، كانت الصورة النمطية للإنسان الأسود تتمثل بشكل رئيسي في العبيد والخدم، حيث كان يُصوّر الأفراد ذوي البشرة السمراء عادةً في أدوار مهينة ومنخفضة القيمة. على سبيل المثال، في فيلم "السيدة العربية" من إنتاج عام 1942، تمثلت الشخصية السوداء في دور عبد الحميد الخادم الخاص للبطلة. ومع تطور الوعي الاجتماعي والسياسي في مصر، بدأت تتغير صورة الإنسان الأسود في الدراما المصرية. زاد الاهتمام بتمثيلهم بشكل أكثر تنوعاً وإنسانية، وبدأوا يظهرون في أدوار أكثر قوة وأهمية. فقدظهرت بعض الأعمال التي قدمت صورة إيجابية للإنسان الأسود في المجتمع المصري، حيث تم تمثيلهم كشخصيات ذات طابع قوي وشخصيات مؤثرة. مثال على ذلك فيلم "مسيو خضرة" الذي عُرِضَ عام 1958 والذي يتناول قصة رجل أسود يقوم بدور بطولي في محاولة للتغلب على الصعوبات التي تواجهه في المجتمع. ثم فيلم "الرجل الأسود (1945):. وفي هذا الفيلم يتناول قصة فتاة تقع في حب رجل أسود وتواجه المعارضة الاجتماعية والعرقية. تمثل هذه القصة محاولة نادرة في السينما المصرية في ذلك الوقت لاستكشاف قضايا العنصرية. ام في حريم كاريوكا (1999): فيعد هذا الفيلم من الكوميديا الموسيقية، من الأفلام النادرة التي قدمت صورة إيجابية للإنسان الأسود في المجتمع المصري، حيث قدمت شخصية "أبو سنت" التي تمثل الطابع الكوميدي دون اللجوء إلى التمييز العنصري. كذلك إنت "الكل في واحد" (2001): ويمثل هذا الفيلم قصة رحلة فتاة شابة تعيش في مجتمع متعدد الثقافات وتتعرض لتحديات ومواقف مختلفة بسبب بشرتها السمراء. تسلط الفيلم الضوء على التحديات التي تواجهها الفتيات ذوات البشرة السمراء في المجتمع المصري. (انترنت AI)
تمثل صورة الإنسان الأسود في الدراما المصرية تطوراً ملحوظاً عبر السنوات، حيث تغيرت من تمثيل محدود ونمطي في البداية إلى تمثيل يتسم بالتنوع والإنسانية. على الرغم من ذلك، لكن لا تزال هناك بعض الأعمال التي تستخدم صورة نمطية للإنسان الأسود، مما يشير إلى أهمية استمرار النقاش والتوعية حول قضايا التمثيل والتنوع الثقافي في الدراما المصرية والعالمية بشكل عام.

هذا ما نراه في الحلقة القادمة في استعراض الجوانب السلبية في عرض السينما المصرية للسود.


aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء