بكل الصراحة المُخلصة نقول إن هناك إشارات سالبة صدرت من السادة جبريل واركو مناوي وعقار نفسه..! وهي إشارات تبدو (غير مبلوعة) لدى الشعب الثائر الذي انتفض على حكم الإنقاذ المُجرم الذي تلطخت أيادي قادته وعناصره ومؤيديه بالدماء.. وما قاله الثوريون الثلاثة عن المصالحة مع فلول الإنقاذ يأتي على النقيض من أنفاس الثورة .. وهي إشارة مزعجة.. ومتى يحدث هذا..؟! يحدث بعد أيام قلائل من حضور هؤلاء القادة للخرطوم.. فهل هذه هي أولوياتهم وبُشرى قدومهم للبلد المثخن بالجراح والتي أرادوا عبرها أن يصدموا الشعب و(يقفلوا نفسه) وهم يستهلون وجودهم داخل البلاد والناس تفتح أياديها لتحيتهم وعناقهم بعد غربة أبلوا فيها على اختلاف الظروف والأوقات وناضلوا بدرجات متفاوتة ورؤى مختلفة كان بعضها عراكاً مسلحاً ضد الإنقاذ وبعضها عملاً من داخل نظامه ومؤسساته..! وكأنما يريدون تغيير رؤية الثورة وما تعاقد عليه الشعب وكأنهم يريدون إعادة تلقين الشعب من هم أصدقاؤه ومن هم أعداؤه..! لقد كانت تصرّفات بعض القادمين من الحركات المسلحة على غير انسجام مع آمال الثائرين في تقوية عضد الحكومة المدنية.. فقد سارع بعضه من أيام الثورة الأولى وبداية الفترة الانتقالية إلى الشق العسكري وتجاهل الحكومة المدنية.. ومن الأقوال العجيبة للقادة الثلاثة وخاصة مناوي قوله بعدم إقصاء (العقلاء) من الإنقاذيين..! فهل يستطيع أن يسمّى لنا عاقلاً واحداً في الإنقاذ (جفت الأقلام وطويت الصحف)..! من هو هذا العاقل الذي يشارك أو يوافق أو يصادق أو يسكت على قتل مئات الآلاف في دارفور وحرق القرى وطرد السكان واستقدام الأجانب إلى حواكيرهم..؟! وعلى قصف الأهالي وأطفالهم ببراميل النار والقار..وارتكاب المذابح الموزّعة على جغرافيا البلاد من العيلفون إلى شوارع الخرطوم إلى كجبار وبورتسودان إلى المقابر الجماعية..؟! من هم عقلاء الإنقاذ الذين يريدون مصالحة الشعب معهم ..؟! وهل ذهب هؤلاء الزعماء القادمون إلى القبور الجماعية أو إلى ساحة الاعتصام ليترّحموا على القتلى الذي دهستهم المجنزرات غدراً وهم نيام..أو ليسألوا عن المفقودين قبل أن ينتقلوا إلى ضفة النهر ليترّحموا على الشباب الذين قذفت بهم الإنقاذ إلى قاعه مقيدين إلى الصخور وهم أحياء ينظرون..!
لقد بدأ أحد هؤلاء العائدين العزاء والترّحم على الأموات في أيام الإنقاذ (بصورة مقلوبة).. ولا أحد يرفض أو يمنع استمطار الرحمة أو التعزية في الراحلين.. ولكن أن تكون الإشارة معكوسة بتجاهل الأحق بالترّحم بين (الضحية والجلاد) فذلك أمر آخر..! وعلى كل حال وفي هذه المرحلة المبكّرة من وصول الحركات المسلحة (سابقاً) إلى البلاد لا نريد استعداء أي من المكوّنات التي ناهضت الإنقاذ سلماً أو حرباً؛ ولكن مع الإيمان بضرورة المشاركة في السلطة لكل أطياف الشعب وقواه وأفراده من مختلف الأقاليم نقول عسى ألا يكون المحك في مناصرة الثورة هو المطالبة بالكوتات الوزارية والبرلمانية والسيادية ما دامت الفترة الانتقالية محكومة بالوثيقة الدستورية وبمهام محددة لا يتطلب تنفيذها العودة للمحاصصة و(الكجار).. والذي يناضل من اجل الوطن والشعب لا ينبغي أن ينتظر ثواباً أو منصباً أو مالاً على نضاله؛ فالتضحيات الصادقة (تغشى الوغى وتعف عند المغنم)..وهذه تميمة صادقة ننصح بها جميعاً أنفسنا...وبالله عليكم لا تحاولوا أن تعيدوا لنا شخوص الإنقاذ من الشباك بعد أن طردهم الشعب من الباب العريض بدماء غالية من شباب صوّحت أزهار شبيبتهم بأيدى الإنقاذ المُجرمة وقدمها الشهداء قرباناً لهذا الوطن العظيم...!
murtadamore@gmail.com