الطائر الجريح … بقلم: احلام اسماعيل حسن

 


 

 

 

(2)

 

 

الآن أستلقى على السرير الأبيض يلفنى الفتور لأقصى حد جسدياً بينما أركض بخيال لا حدود له خلف سنين مضت وأيام خلت يوم كانت الدنيا وكنا فى عوالم أخرى ..... أحاول أن أقلب نظراتى بحثاً عن فلذتى محمد وعمرو ... أين هما الآن ... ماذا حدث لهما بعد فراقى لهما ...هذه هى المرة الأولى التى يفارقانى فيها ..... أكاد أجزم إستناداً على إحساس قلب الأم أنهما لم يستوعبا درساً واحداً خلال فترة غيابى ..... كنت اشعر بهما يرسلان كل وعيهم نحوى .... بقدر حزنى أستشعر أن الفرح قادم .... هذا الزمن الذى نحسه ونحسب دقائقه ونحن فى كامل الصحة والعافية هذا الزمن تختلف تفاصيله عندما يطرأ علينا ما يعكر صفاء النفس من مصائب ومن بينها الوعكات الصحية التى تغير طبيعة الروح البشرية فتقلب الوضع رأساً على عقب ... لن تستطيع أن تحسب الوقت كما كنت تحس به من قبل .... سيطول زمن وسيقصر آخر .... أحس مشاعراً كثيرة تتدافع نحو غرفتى تستفسر عن حالتى ... إن إستطعت لرددت على كل هذا السيل من المشاعر .... ترى هل أرهقت نفسى وأنا ما زلت على سريرى لم أغادره ؟؟؟؟ ..... هل لسياحة الخيال أن ترهق الجسد ؟؟.... يبدو أن هذا هو ما حدث لى ... فجأة وجدت أن عدد لا يستهان به من الممرضات والأطباء قد أحاطوا بى .... ياآآآ الله ... ماذا حدث ؟؟؟... صرت (أبحلق) فيهم أستجديهم أن يفصحوا عمـّا حدث ... كانت طريقة حركتهم توحى بأن أمرا خطيراً قد حدث ... بدأت أفقد الوعى رويدا رويدا .... سمعت أحد الأطباء يتحدث وكأنه يريد أن يـــُسمعنى الخبر بأن ضربات قلبى قد تسارعت حتى فاقت المائة وخمسون ضربة فى الدقيقة ...!!!! تشاور التيم المشرف على حالتى فى الوضع الحرج الذى وصلت إليه وبسرعة أحسست أن هنالك إسعافات سريعة تــُجرى لى وأن هنالك كمامة قد وضعت على أنفى .... وقتها شعرت أننى قد إنتقلت إلى عالم آخر .... كيف أصفه ..؟ هو بالطبع عالم آخر يختلف تماماً عن عالمنا الذى نعيشه الآن .... بالطبع لم يكن هو عالم البرزخ لأنه إن كان كذلك لما عدت للدنيا مرة أخرى لأكتب ذكرياتى .... لكنه هو عالم بين الحياة والموت ... لا أدرى إلى أيهما كان أقرب من الآخر .... أمواج ترتفع وأخرى تنخفض .... لآلىء ألوانها زاهية ..... أهذا هو اللؤلؤ والمرجان ؟؟؟ أسماك ومخلوقات أخرى عجيبة الشكل .... أصوات متناغمة تشكل ألحان كلاسيكية .... أين أنا الآن ... إلتفت فإذا بإمرأة بجوارى تمسك بيدى وتغوص بى فى جوف هذا الموج المتلاطم .... سألتها أين نحن ؟؟ قالت لى نحن فى العمق الثالث .... لغة غير مفهومة ... لكنها على كل حال أعماق غير تلك التى كنت أغوص فيها .... تشير المرأة لذلك القصر الرهيب الذى لم أرى مثله طيلة تنقلى فى بلدان العالم وعواصمها ..... هذا القصر لم أقرأ وصفاً له فى كل قراءاتى حتى لقصص الأساطير القديمة .... جذبتنى المرأة من يدى وأطبقت مسكتها لتطمئننى .... لا تخافى .... هذا القصر رغم جماله كان خاليا من الحياة .... هذا القصر ينعق فيه البوم .... كل حركة مهما كانت خافتة يتردد صداها فى أرجائه .... كل الغرف التى رأيتها يغطيها الغبار .. من الذى بنى هذا القصر .... من الذى سكنه ؟؟؟ لماذا هو مهجور الآن ؟؟؟ اسئلة كثيرة حائرة تزاحمنى .. انا أضطرب خوفا ... كيف الرجوع للدنيا من هذه الأعماق السحيقة ... فجأة سمعنا صوت بشرى يستغيث ... حاولنا أن نتجه إليه ... لكن الصدى الذى يتردد فى أرجاء القصر لم يمكننا من تحديد مصدر الصوت ... ركضنا يمنة ويسرة... قطعنا أشواطا للإمام وأخرى للوراء ... فجأة إصطدمنا بيد تمتد إلينا من خارج سور حديدى ... يد شاب وسيم .... يغطى جسده المنهك ببعض ملابس بالية .... إستجدانا ... بكى ... توسل بيديه ... ترجانا أن لا نتركه هنا وحيدا ... لابد من أن نأخذه معنا ... رغم حيرتنا لمعرفة طريق العودة إلا أننا أوحينا إليه أننا سنأخذه معنا .... لكن كيف له أن يخرج من هذا السياج الحديدى المقفل بإحكام .... قال لنا علينا أن نحضر مفتاح القفل الكبير لينفرج باب السور .... أين المفتاح ؟؟؟ قال المفتاح فى قاع المحيط الذى نحن الآن فى جوفه .... سألت نفسى وهل هناك عمق أبعد مما نحن فيه الآن .... كأنه فهم حيرتى .... قال سأشرح لكما كيف تجدون هذا المفتاح وكيف الطريق الذى يجب عليكما أن تسلكانه .... نظرت إلى المرأة التى ترافقنى .... شعرت أن الروؤيا باتت تضح قليلا قليلا ... بدأ الضؤ يغزو مساحات أمام عينى ... سمعت بعض الأصوات .... هل هذا حلم أم حقيقة .. ؟ فجأة أحسست بيد تربت على كتفى .... فتحت عينى ... رأيت السستر تبتسم ... تهنئنى أن ال 24 ساعة الحرجة التى حددها الطبيب قد مرت ...وأن الخطر الذى طرأ على حالتى قد زال تماماً ... رأيت كل من حولى يعبر بطريقته فرحا بى ... دموع فرح تختلط بإبتسامات ... بكيت عندما أمسك إبنى محمد بيدى اليسرى وإبنى عمرو بيدى اليمنى ... ووسط دمعات فرحهما وإبتسامة بريئة أسمعانى أحلى نغمة ... نحن بنحبك يا ماما .... بنحبك شديييد ...

AHLAM HASSAN [ahlamhassan@live.ca]

 

آراء