الطحالب (1): عايرة … وأدوها سوط !!

 


 

 

"عجيب المك يكشف عن عدد "البكاسي" التي سلمها حميدتي للإدارات الأهلية، ويدعو أهل السودان للزحف نحو الخرطوم".
طالعت عنوان الخبر بموقع صحيفة "الراكوبة" الرقمي، الصادرة بتاريخ 4 يناير 2023، نقلاً عن صحيفة "صوت الهامش".
ثم قرأت متن الخبر، فضحكتُّ. و( شر البلية ما يُضحِك) كما يقال، وهو (ضحك كالبكاء) الذي وصف به أبو الطيب المتنبي حال مصر. فقلت في نفسي: "عايرة .. وأدوها سوط." .. فعارت أكثر، وأمعنت عياراً !!.

2
- تساءلت: "من عجيب الهادي" هذا ؟. فعرفت من متن الخبر أنه "المك" عجيب رئيس الإدارة الأهلية بولاية الخرطوم!!.
- وتساءلتُّ: هل تمنحه الصفتان الحق القانوني لدعوة وتحريض "الإدارة الأهلية بجميع أنحاء البلاد للتحرك فورا نحو الخرطوم". ولأي غرض؟. هل لاحتلالها مثلاً؟.
بالنسبة لصفته "المكوكية" هذه: ألم تنهار مملكة سنار وزالت سلطتها على "المملوكي" محمد علي باشا حاكم مصر والمصريين، ولم يعد لها أثر، وأنها منذ عام 1822دخلت في ذاكرة ارشيف تاريخ السودان مع سلطنات سبقتها وأخرى عاصرتها؟، وأن أفراد أسر تلك السلطنات لم يعد لديهم أي صفات أو امتيازات رسمية دستورية أو قانونية استثنائية. وبالتالي، فإن ألقاباً مثل "المك" عجيب الهادي، أو "الأميرة" مريم الصادق، إنما هي مجرد عملة فاقدة اصلاحية في السوق السياسي والاجتماعي – فهي إن لم تكن مزيفة – فإنها، مثل "ورِق" أهل الكهف.

3
والعجيب في أمر "المك" عجيب أنه يتحدث بصفته "رئيس الإدارة الأهلية بولاية الخرطوم". وهذا يكشف لك عن غربته عن واقع المجتمع السوداني، وما أعترى كيان الدولة التي يعيش فيها من تطور وتغييرات شاملة عميقة. ألم يسمع بشيء اسمه البلديات والمحليات ولجان الأحياء الشعبية اطلاقاً ؟.
يا صديقنا "المك" ورهطه من الأمراء والشراتي والنُّظار والعمد:
الإدارة الأهلية نظام وضعه البريطانيون لسببين، أحدهما معلن ومبرر، على علاته. وسبب غير معلن ولكنه واضح الأهداف.
أما المعلن، فهو، أن السودان بلد واسع مترامي الأطراف تحتاج إدارته للعدد كبير من الإداريين البريطانيين وبتكلفة توظيف مكلفة، وتجربة الاستعمار التركي/ المصري أثبتت فشل الاستعانة بالموظفين المصريين، الذين كان أسلوب إدارتهم من العوامل التي تسببت في الثورة التي أطاحت بالحاكم الاستعماري، وبسبب قسوتهم وفظاظتهم سار المثل: "التركي ولا المتورك".
لذا تم لاستعانة بزعماء بعض القبائل، بدل "المتوركين" المصريين، حيث بدأت بمجالس كبار السن للبت في القضايا البسيطة، ثم تسارعت عملية نقل السلطة للإدارات الأهلية التي تعمل في المناطق الريفية والمجالس البلدية ومجالس المدن والمناطق الحضرية، كوكلاء للمستعمر في تلك المناطق، وإذا كان لبعض مناطق العاصمة "عمد" أحياء، فإن هذا الأمر لم يستمر طويلاَ إذ تحديث تقسيم مناطقها إدارياً. وبالتالي لم يعد للعمد وجود فيها.

4
أما السبب الواضح غير المصرح به، فهو أن قيامها كان رداً على نشوء حركة استقلالية تقودها القوى الحديثة، تتحدث عن "قومية" سودانية تتجاوز القبلية والطائفية.
وما يدلك على ذلك أن بداية انتقال السلطة للإدارات الأهلية التقليدية بدأت متدرجة منذ عام 1925، أي بعد عام فقط من زلزال القوى الحديثة في ثورة اللواء الأبيض (1924). فالإدارة الأهلية كانت بمثابة ذلك ترياقاَ مضاداً لحركة القوى الوطنية الحديثة، وكبحاً لجماح الوعي الجديد.
بمعنى أوضح: كانت الإدارة الأهلية عملاً ممنهجاً للحيلولة دون قيام دولة سودانية مستقلة حديثة.
وهي بذلك كياناً وظيفياً تستخدمه السلطة الأحادية المتسلطة – أجنبية سواء كانت أم محلية – لاستخدامه سياسياً لإجهاض حركة التحرر والوعي والاستنارة، وتأبيد سيطرته. ومثلما استخدم الاستعمار هذا الكيان الوظيفي الهلامي ضد القوى الاستقلالية الحديثة. استخدمت قيادات الأحزاب الطائفية والتقليدية (الاتحادي والأمة)، والحركة الإسلاموية (الانقاذ)، والقيادات العسكرية الانقلابية (بما فيها نسخة أكتوبر 2022 الأخيرة)، استخدمته في حروبها الدموية، وفي معاركها السياسية.
إلا أن ما هو مطلوب منها ككيان وظيفي أن تكون تحت سيطرة وأداة في خدمة السلطة، مدنية كانت أم عسكرية، أو حتى سلطة أجنبية استعمارية.

5
إلا ن "المك" (عفى الله عنه) يريد منها ن تكون، ولأول مرة أداة في خدمة أجندة قوى معارضة السلطة/ الدولة (حتى لو كانت سلطة أمر واقع كسلطة الانقلاب)، حيث (وعلى ذمة الخبر): " أعلن رئيس الإدارة الأهلية بولاية الخرطوم "رفضهم" للاتفاق الإطاري بين "العسكر" وقوي الثورة وقال ان اعتراف بعض الإدارات الأهلية به لا يعني اعتراف للجميع.
"وأكد أنهم في الإدارة الأهلية ضد الاتفاق وفولكر. مشيرا إلى أن الإدارة الأهلية ترتب لتنظيم مؤتمر حاشد بالخرطوم في غضون الأيام القادمة".
(شوفتو كيف القوة والمقدرة ؟!!).
وهكذا في عصر السودان الرمادي هذا صارت الإدارة الأهلية، ولأول مرة في تاريخها لاعباً سياسياً نشطاً ومبادراً "ضد السلطة"، وهي التي لم نشهد لها وجوداً أو نسمع لها حِساً ولا خبراً في مقاومة الاحتلال الأجنبي ولا في مقاومة الديكتاتوريات العسكرية السابقة (عبود ونميري) ولا في معارضة سلطة تحالف "العسكر والحرامية" التي عاست فسادا لثلاث عقود حسوماً. لصالح من؟، وما الضرر الذي يلحقها إذا تم الانتقال لسلطة الشعب ؟!.

6
وسواء كانت "الإدارة الأهلية بالعاصمة كياناً حقيقياً، أو كانت مجرد لافتة مصطنعة ومزيفة، لا تثريب على السيد "المك" عجيب الهادي. فهو ليس أول من ابتدر الفوضى في كيان الدولة وسخر منها، وهو لن يكون آخرهم. فقد سبقه أمثال الصوارمي الذي ناطقاً رسمياً باسم القوات المسلحة القومية الرسمية، ثم آثر أن يؤسس جيشاً (أهلياً) موازياً، وترك الذي ...، والشيبة، و"قوات درع السودان" التي أعلنت عن نفسها في ديسمبر الماضي بأزائها العسكرية مستعرضة قوتها بعرض عسكري في منطقة "جبال الغر" بسهل البطانة بقيادة اللواء ابوعاقلة كيكل الذي نصب نفسه قائدا للقوات. ومادبو، الذي أعلن ملء عقيرته محذراً بأن "حميدتي خط أحمر"، وأفراد من أمثال من أمثال الساذج التوم هجو و المنافق علي عسكوري والانتهازي مبارك اردول ومبارك الفاضل .. الخ وغيرهم كثير من الطحالب التي تطفو الآن على سطح الحياة السياسية والاجتماعية تسممها وتزيدها كدراً وطيناً وتزيد المشهد لخبطة وإرباكاُ، تدفعهم وترفعهم للسطح وتدعمهم (ولا تعجب) نفس القوى التي تحكم الآن !!.
(هل سمعت من قبل بمن يؤجر ويدفع حوافزاً لمن يخرب بيته ... ؟!! )

7
نكتة الخبر:
" طالب رئيس الإدارة الأهلية بولاية الخرطوم المك عجيب الهادي الادارات الأهلية في جميع أنحاء البلاد بإرجاع السيارات و المركبات التي سلمها قائد قوات الدعم السريع للشيوخ والنظار والعمد في الفترة الماضية.
"وكشف عجيب الهادي أن عدد السيارات التي سلمها حميدتي لقيادات الإدارات الأهلية في الفترة الماضية تتجاوز الفي “بوكسي” وأكد أن قرار ارجاعه للسيارة نهائي ولن يتراجع عنه".
علق أحد القراء يخاطب "المك":
"اكيد حميتي همشك لأنه عارف ما عندك شعبية ... معقولة حد يدوه بكس يرجعوا ؟!.
وانت مين نصبك رئيس؟
عجايب!!!
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ضحكت. و( شر البلية ما يُضحِك) كما يقال، وهو (ضحك كالبكاء) الذي وصف به أبو الطيب المتنبي حال مصر. فقلت في نفسي:
"عايرة .. وأدوها سوط." .. فعارت أكثر وأمعنت عياراً !!.

izzeddin9@gmail.com

 

آراء