الطيور الما بتعرف ليها خرطة !

 


 

 

 

كعادتنا نتجاهل وننسى صاحب المجهود الأكبر في الإبداع وكتابة كلمات الأغنيات، ثم نتناسى صاحب الإبداع الأكبر في وضع الألحان والتوزيع الموسيقي، ولا نهتم إلا بالحلقة الأخيرة الظاهرة التي تغني، ثم يظل المدح ممتدا للفنان في حياته وبعد مماته.

ولكن هناك من الفنانين الحقيقيين أصحاب إبداع ذهني بالتأليف وإبداع وجداني بالتلحين ثم إبداع صوتي وجسدي بالأداء الذي تتمايل له عقول وقلوب وأجساد الجماهير !
أبدع الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد في أغنية (مع الطيور) التي يقول في مطلعها وختامها بالعامية السودانية: والله نحنا مع الطيور، الما بتعرف ليها خرطة، ولا فى إيدها جواز سفر ..
كلمات الأغنية موازية في معناها للآية الكريمة التي يتصدر بها كل كاتب في شؤون التخطيط الاستراتيجي لدينا، وتجدها في مفتتح كل كتيب استراتيجي في السنوات العشرين الماضية: (أفمن يمشي مُكِبا على وجهه أهدى، أمّن يمشي سويا على صراطٍ مستقيم).

أعتقد أن المرحوم مصطفى سيد أحمد كان هو شاعر الرثاء الرمزي الأول لدينا، فأول قصائده الكاملة كانت في رثاء أخيه، وتبعها عدد من القصائد والأغنيات التي يبدو فيها أنه يرثي شيئا ما في كل مرة، ويغلف ذلك بالرمزيات الفنية التي تجعل المستمع في حالة شد وجذب وجداني ما بين رثاء الماضي والأمل في المستقبل، فكان مثلا في نفس أغنية الطيور التائهة هذه بدون خارطة طريق، مقطع يقول فيه: (والله باكر يا حليوة، لما أولادنا السمر، يبقوا أفراحنا البنمسح بيها، أحزان العمر) ..

عندما أنظر لتشكيلة بعض الوفود الحكومية الطائرة من بلادنا نحو بلاد العالم، أرثي الحاضر ويأتيني السؤال الدائم: هل نحن مع الطيور التي لا تملك خارطة في يدها ؟ وعندما كنت جزءا من تلك الوفود، كنت أسأل نفسي: كيف أحلل هذا المال، فلا أعود من السفر إلا وقد أنجزت شيئا ولو واحداً ذا قيمةٍ متعلقاً بمهامي واختصاصاتي.

الناظر للناتج من الوفود بما فيها وفود وزارة الخارجية (الكثيرة جدا) في السنوات القليلة الماضية، يجعل السؤال فرض عين على المسؤولين، وليس فرض كفاية: ما الذي أنجزته تلك الوفود لصالح السودان ؟ وهل الصرف عليها يوازي العائد منها، سواء في الحاضر أو في آفاق المستقبل ؟ هل نجحنا في صنع (لوبيات) تعمل لصالح دولة السودان في افريقيا قبل آسيا وأوروبا وأمريكا ؟ ما هي الدول التي أصلحنا علاقتنا معها لدرجة الشراكة الحقيقية ؟ ومتى سننجح في أن نكون جزءا من حلف استراتيجي يأتي بالخير على البلاد وشعبها ! فلا زال البحث عن حليف حقيقي في عهد التحالفات الدولية، مهمة تستدعي مزيدا من التخطيط العميق والتنفيذ الذي يحتاج الاستفادة من جميع كوادر الوطن، بما فيها المعارضة كذلك..

وعلى كل من يكون جزءا من تشكيلة وفودنا التي تسافر خارج البلاد، أن يضع خارطة الطيران والطريق واضحة أمامه قبل السفر، فيعرف ما سبب ضمه للوفد، وما هو المطلوب منه في (كل سفرية) على حدة، وهل هناك فرص يمكن صنعها في حال عدم وجود فرص جاهزة لاستغلالها إيجابيا، ثم يقوم بعد عودته بسؤال نفسه في حال لم يسأله أحد، عن جدوى السفر وهل كان العائد مثل المتوقع منه ؟ وكيف يطور ذلك في الرحلة التالية...
وذلك كيلا يكون الأمر فيه صرف لأموال الدولة دون أي عائد ملموس أو محسوس، وكيلا تكون الزيارة له مجرد سياحة بدون خارطة، فحتى الطيور التي لا تحمل الخارطة في مخالبها أو منقارها، تجدها مبرمجةً داخل عقلها على اتباع إحدى الخرائط، فلا يكون بعضنا إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا.

Obay.Alakhbar@gmail.com

 

آراء