العالم لا يحكمه فكياء وألف باء التعامل مع الدول الكبرى

 


 

 

sanous@yahoo.com

((2)) من ((9))

هيمنة الامبراطوريات هي من سنن الله في الأرض

الشخص الملم بقليل من تاريخ وجود الانسان على كوكب الأرض، سوف يلاحظ ان أحد سنن الله التي اوجدها في خلقه، هي العيش فى تراتبية هرمية تنظم مكانة الشخص في المجتمع . هذا الهرمية ضرورية لتحدد الحقوق و الواجبات وتقسيم الموارد ، وغرض ذلك هو تقوية المجتمع و تمكينه وتسهيل قيادته والتي بدورها تؤدى الى الاستمرار في الحياة وحفظ النوع . هذه الغريزة موجودة عند كل مخلوقات الله الحية ، ومنها الحشرات و الحيوان و الانسان . نواة التراتبية الهرمية عند البشر موجودة على مستوى الاسرة . تاريخيا الاسرة بدأت ككيان امومي ، و من ثم انقلب الى نظام أبوي او ذكوري ، على مدى عصور و بوتائر تختلف من منطقة لأخرى ومن مجتمع لآخر في العالم . من بعد الاسر تكونت المجموعات. المجموعات هي تجميع لعدد من الاسر ، ويمكن ان تكون امومية او ابوية ، حسب ثقافة وعصر المجتمع . من بعد المجموعات تكونت القبائل . القبيلة هي عبارة مجموعة او منظمة ، قد تكون او لا تكون من سلف واحد ، ذات ثقافة واحدة وما يجمعها هو مصلحة اقتصادية ووجودية واحدة ، حيث تتولى القبيلة مهمة الدفاع عن الافراد و الاسر و الأرض ، دفاعا جمعيا ، ضد خطر و تغول المجموعات او القبائل الأخرى . القبائل تكورت وتكونت منها الدول . النوى الأولى للدول تكونت من القبائل ، وقد تكون من قبيلة او قبلتين او اكثر . اهداف ودافع قيام الدول تتطابق واهداف ودوافع قيام القبائل . في كل هذه الكيانات كانت هنالك تراتبية هرمية . الاسرة لها رب او قائد ، و المجموعة لها رب او قائد ، والقبيلة لها رب او قائد ، والدولة لها ملك او رئيس او قائد ..و هكذا. هذه التراتبية غريزة عند الانسان و تعلم تكوينها وفق مهددات وجوده ، وتلك المهددات قد تكون من مجموعات بشرية أخرى ، او من عوامل الطبيعة ، مثل الكوارث الطبيعية و الحيوانات الضارية ..الخ. في تاريخ تطور البشر هذا ، لم يتخل للإنسان عن غريزة التكاثر( الهكم التكاثر حتى زرتم المقابر) ، اى التوسع في العدد و المقتنيات ، مثل الأرض و الحيوانات المدجنة و العدد الحربية و الطعام ..الخ . من بعد الدول تكونت الامبراطوريات . الإمبراطورية هي قمة التراتبية الهرمية لدى البشر ولن تختفي البتة الا بهد كامل الهرم ، من قاعدته وصاعدا. فما دامت هنالك اسر و مجموعات وقبائل ودول ، تبقى هنالك امبراطوريات. القاعدة الثابتة هذه هي أساس الاعتقاد في ان وجود الامبراطوريات هي احد سنن الله في خلقه و لا مبدل لسنته الا هو.

الإمبراطورية هي مجموعة كبيرة من الدول او الأقاليم والشعوب والتي تُحكم مركزيا من قبل شخص او هيئة او مجموعة مركزية . الدول و الأقاليم و الشعوب المكونة للإمبراطورية قد تكون او لا تكون من عرق واحد، او تكون ذات لغة واحدة ، او ذات ثقافة و احدة ، او ذات دين واحد او ذات مصلحة نهائية واحدة . كل ما يميز الامبراطوريات هي سيطرتها او تحكمها في دول ومساحات و أقاليم و شعوب عديدة ، جُمعت تحت علم الإمبراطورية قسرا ، وجزء منها طوعا ، وتحكم مركزيا ، و ان حظيت بعض مكونات الامبراطورية بحرية الإدارة و اتخاذ القرار محليا دون تضارب ذلك مع اهداف الإمبراطورية.

على مر العصور ، لم يقتصر نفوذ الإمبراطوريات على الرقع الجغرافية و الشعوب والدول التي تهيمن عليها ، بل امتد نفوذ الامبراطوريات الى خارج حيزها الجغرافي ، حيث شمل نفوذها مجتمعات ودول الجوار ، بمستويات متفاوتة ، في عصر كل امبراطورية. ففي العصور الأولى اقتصر نفوذ الامبراطوريات على المناطق المتاخمة والمجاورة لها و تلك التي تقع في طرق جيوشها و تجارتها. اما في العصر الحديث فان نفوذ الامبراطوريات قد شمل وامتد الى كل بقاع الأرض ، ما لم تكن هنالك امبراطوريات أخرى في تلك البقاع. تحديدا ، ومنذ عام 1801م ، بالتقريب ، لم تبقى بقعة في الأرض الا وهى من ضمن ارضى امبراطورية ما او تحت نفوذ امبراطورية ما.
سجلات التاريخ تقول ان اول إمبراطورية في الأرض هي الإمبراطورية الأكادية و التى قامت في حوالي 2300 قبل الميلاد. تلك الإمبراطورية تمركزت فى العراق و شملت أراضي العراق الحالي و الاناضول و سوريا و لبنان و فلسطين والاردن و شبة الجزيرة العربية والتي الان بها المملكة العربية السعودية و الكويت و الامارات و عمان والبحرين وقطر واليمن. الامبراطوريات تفاوتت من حيث تاريخ القيام والاضمحلال و كذلك تفاوتت من حيث الرقع الجغرافية و عدد البشر الذين حكمتهم او الذين تحت في نفوذها. فالإمبراطورية البريطانية حكمت حوالى 26% من مساحة الأرض ، و المغولي 18% و الاسبانية 10% واليابانية 6%..الخ. مع العلم ان وسائل تحكم تلك الامبراطوريات في أراضيها و شعوبها ، في تلك العصور ، كان يعتمد على القوة و الالة العسكرية بصورة رئيسية. اما في هذا العصر ، عصر التكنلوجيا المتقدمة ، فقد تغيرت أساليب تحكم الامبراطوريات في الأراضي و الشعوب الأخرى و لم تعد مساهمة القوة و الالة العسكرية هي الوسيلة الانجع ، بالرغم من ضرورة وجود القوة القاهرة لحماية نفوذ و تحكم تلك الامبراطوريات. كما ان القيم الإنسانية المستحدثة واقتصاديات التحكم ، لم تسمح باستعمال الامبراطوريات لقواها العسكرية لفرض نفوذها ، في كل الأوقات.

وكما قلنا ، فاليوم لا توجد بقعة في الأرض الا وهى من ضمن ارضى امبراطورية ما او تحت نفوذ امبراطورية ما. و من عام 1501م ، والى اخر يوم لآخر انسان على سطح الارض ، فان وجود و نفوذ الامبراطوريات يبقي ملازما لوجود الانسان . فان سقطت الإمبراطورية الروسية و الامريكية و الصينية الحالية ، فقد تظهر امبراطورية مدغشقر او بنغلاديش او الصومال او السودانية و الكولومبية و السويسرية ..الخ.
الامبراطوريات ، ان تزامنت في الوجود ، ، فان وجودها مثل تواجد اعداد من الضباع و الأسود والنمور في أراضي برية متجاورة و كل يحاول ان يطرد الاخر من جواره حتي يتسنى له بالاستلاء على كل الأرض . الإمبراطورية لا يوقف زحفها الا امبراطورية أخرى او عوامل قاهرة تجعل من تمددها خاسرا ماديا. فلو رجعنا للقران ، سوف نجد ان الله قد وعد نبيه و المؤمنون ، بان الدين سوف يبصر النور و يتم و ينتشر و بالرغم من وجود امبراطورتين عملاقتين في زمن رسالة النبي ، صلى الله عليه وسلم . الامبراطوريتان كانتا امبراطورية الروم و امبراطورية الفرس . الامبراطوريات لا تقبل ظهور أي دين داخلها ولذلك ان من تقدير العزيز الحكيم ، هو ظهور الدين في بقعة قصية ليس للإمبراطوريات أطماع فيها في ذلك الوقت. ولتبديد اى شك قد يدخل بعض المعتنقون الأوائل للدين الإسلامي و حسم امر اتام نور الله ، في وجود الامبراطوريات العملاقة ، نزلت السورة الكريمة و التي بأولها ( الم * غلبت الروم* في ادنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) ، فباي قراءة تقرأ هذه الآيات الكريمة ، بضم الثلاثة غين او بفتحها ، فان النتيجة واحدة. النتيجة هي ان الامبراطوريتان قد سلطهما الله تعالى على بعض ليرهقا بعضهما البعض و دبر الله الامر في ان يشع نور الله خلال فترة التطاحن ..,قد كان ، اعتنقت الإمبراطورية الفارسية الإسلام ودخلت الإمبراطورية الرومانية في حالة سبات خارجي و تطاحن داخلي ، حتى طرق الإسلام أبواب باريس و فينا ووارسو .

القائمة ادناه توضح الامبراطوريات التي هيمنت على كوكب الارض خلال الخمسمائة وخمسون عام التي مضت

الإمبراطورية البرتغالية – 1450م و حتى عام 1975م
الإمبراطورية الاسبانية – 1492م و حتى عام 1898م
الإمبراطورية الروسية ما قبل الحالية – 1552م و حتى عام 1991م
الإمبراطورية السويدية – 1560م و حتى عام 1660م
الإمبراطورية الهولندية – 1660م و حتى عام 1962م
الإمبراطورية البريطانية – 1607م و حتى عام 1980م
الإمبراطورية الفرنسية – 1611م و حتى عام 1980م
الإمبراطورية الصينية ما قبل الحالية – 1644م و حتى عام 1911م
الإمبراطورية النمساوية - المجرية – 1700م و حتى عام 1918م
الإمبراطورية الألمانية الاخيرة – 1871م و حتى عام 1918م و 1939م وحتى 1945م
الإمبراطورية اليابانية – 1871م و حتى عام 1945م

الامبراطوريات في هذا العصر لها مصالح شتى ، ولها وسائل تحكم شتى ، وتدافع عن تلك المصالح بشتى السبل ، منها العسكرية و الاقتصادية و المالية و بحجب التكنلوجيا و المقاطعة وبالقوانين الداخلية للإمبراطوريات و بالقوانين الدولية التي شرعت لحماية الأقوياء و بعض من الضعفاء .
في العصور التي سبقت الحرب العالمية الثانية ، كانت القوة العسكرية و الوجود العسكري للإمبراطورية هما الدليلان الحاسمان بوجود الإمبراطورية ومعرفة الحدود الجغرافية لنفوذها . فاذا ما دققنا جيدا في التاريخ سوف نجد ان القوة العسكرية والوجود العسكري في البقية المحددة هما ما يمكنان الإمبراطورية بممارسة نفوذها وبسط سيطرتها على الرقعة الجغرافية . الهدف من ذلك النفوذ هو تحويل جزء كبيرا من الخيرات المادية وغير المادية من المنطقة المهيمن عليها الى للإمبراطورية و تحديدا لمصلحة القائمين عليها . وبما ان خلاصة الهدف من وجود الإمبراطورية هو الاستيلاء على موارد الغير عبر ممارسة النفوذ عليهم ، بوسائل عسكرية ام غير عسكرية ، فأننا يمكننا القول ان الإمبراطورية تعرف بنفوذها وقوته وسيطرتها و ليس بالرقعة الجغرافية التي تحتلها. هذا التعريف جعل من وجود الإمبراطورية في العصر الحديث يختلف عن وجود الإمبراطورية في العصور السابقة ، لان وسائل السيطرة و بسط النفوذ تغيرت بتغير الزمن. فالصين مثلا ، ليس لها جيوش في جوارها ، ومع ذلك هي المسيطرة على جوارها و لا تجرؤ الدول التابعة لها من مخالفة اى امر لا تريده الصين.

فوفق التعريف أعلاه ، يمكننا القول ان الكرة الأرضية اليوم تسودها ثلاثة امبراطوريات بارزة.
الإمبراطورية الامريكية : من 1776م و الي اليوم
الإمبراطورية الروسية المعاصرة ، من 1991م و الى اليوم
الإمبراطورية الصينية المعاصرة من عام 1971م والى اليوم

كل من الإمبراطوريات أعلاه لها جنود كبار واقوياء من الدول الاضعف ، يساعدها وتلتقي مصالحها مع مصالح الامبراطورية ، في بعض الأحيان ، ولكن في كل الأحوال ، فان مصالح الإمبراطورية هي التي تطغى ، اذا ما استدعت الحاجة. علاقة بيرطانيا و فرنسا و استراليا واوربا الغربية مع الولايات المتحدة ، هي من هذا النوع من العلاقات و علاقة روسيا مع روسيا البيضاء والجمهوريات المنضوية تحت الفدرالية الروسية و الكومنويلث الروسي هي أيضا من هذا النوع و علاقة الصين بكوريا الشمالية وببورما وفيتنام ومنغوليا والفلبين ، هي ايضا من هذا النوع ..الخ.

سيادة الامبراطوريات على كوكب الأرض هي من سنن الله في خلقه ، ولا يستطيع أحدا ان يجد لسنة الله تبديلا. فانا أحيانا استغرب من دعاء بعض من ائمتنا بان يخسف الله الأرض بالإمبراطوريات ويهلكها ويحصى شعبها عددا و يقتلهم بددا ولا يغادر منهم أحدا. الذين يرفعون هذا الدعاء العجيب ، اذا ما تمعنوا قليلا، فسوف يعرفون انهم يدعون الله ان يبدل سنته في خلقه ، وهو امر قد لا يحدث وبذلك لن تجد ادعيتهم اى استجابة. المتمعن ، بحكمة ، في امر الكون ، قد يرفع دعاء اخرا ، وهو ، اللهم لا نسالك رد القضاء ، ولكن نسالك اللطف فيه... وبذلك سوف تكون حلقتنا رقم 3 ، عن كيفية التعايش مع الامبراطوريات القائمة

السنوسي أبو وليد
6 أكتوبر 2022م
/////////////////////////

 

آراء