العبادي: مولاي كفانا كفانا !!

 


 

 

اليوم الخميس.. وللعبادي ثلاث ملاحم “غير حفلة بشير الشيخ” في أعقاب إضراب الطنابرة..(حفلة بشير ما أعجبا..لي سرورنا أسفر حاجبا) وان كانت اقصر من ملاحم هوميروس (الالياذة والاوديسا)..ولكنها مصوّبة لوصف حفلات زواج خالدة كانت صورة لمحافل لذلك العصر التي تعكس الاحتفاء بالحياة..! امتاز فيها العبادي كعادته و(ماركته المسجلة) بالوصف الدقيق للمناخ العام مع وحِسان الحفلة ووضع العريس وأهل المحفل في الصدارة.. مع الإشارة إلى (زولتو) بين الحاضرين في لمحة خاصة و(مسارقة نظر)…! كل ذلك مع روح من الطرافة والحميمية والتصرّف الذكي البليغ في اللغة والاستشهادات التي توضّح ثقافته العامة والشعبية..! والايقونات الثلاث هي (شيخ ريا) و(حفلة خضر) “جيبوولي بس قلبي الودر…ياخوانا في حفلة خِدِر”.. ثم حفلة إبراهيم صالح جبريل..ولا تسمح السانحة بالتفصيل..ففي مقاطع من شيخ ريا يقول: (ساعات سرور ما اقصرا/ مرّت كأن لم نَبصرا/ يا ربي خدّر عُنصرا/ وانصر جيوش بُختنصرا..) “وبُختنُصر هو الفارس البابلي التاريخي صاحب الفتوحات الباهرة”..! والقصيدة مليئة بالإشارات الطريفة والتجسيد الحي وفيها جناس يتعدى الكلمة الواحدة إلى ربطها مع اسم إشارة ليكتمل الجناس: (اذكر ليالي العاصمة/ المِن سوء إلهك عاصما/ هي جنة شرطاً “عاصي ما”.. يمسك بنان في معاصما)..! ومن روح الدعابة (لو شفتهن تحت القصُر/ حاملات نياشين النصُر/ خِلتَ البدور مرقن عصُر/ أو در تناثر “خُم وصُر”)..ثم يذكر أن الحفلة يشدو فيها سرور والأمين برهان: (صيّح سرور وتلا الأمين/ضّلت قلوب العالمين/عاقلنا يلزمني اليمين/ ما عِرف شمالو من اليمين..)..! ثم تركيز على جوهرة الحفلة (عمل القلوب كورة قدم/يلعب بها وهي في العدم/ كهربنا والصف انهزم/ تلقانا قُتلا وما في دم..)..! وهكذا تمضي الملحمة..!
حفلة “خدر” يستهلها بالوصف (إزهار ربيع كان بُسطها/ والنور يبق من وسطها/أرواحنا نالت قسطها/ بلغت نهاية بسطها)..( بي روقة ما متهبلين/ وعلى سُرر متقابلين)ومن إبداعات العبادي التشبيه بأعمال الكونكريت ووصف الرشمة برسم الحروف (فرع النقا المال وانّصب/ لي عيونا بالرشرش حصَب/ شلخو التقول صابنو صب/ والرشمه آه قطعه ونَصَبْ) ثم وصف الراقصة (شالت قناعا وأسبغت/ بعد النشِر اتطبقت/ الحفلة بالطيب عبّقت/ وأرواحنا في الطقاق بقت)..! وفي الختام (الحفلة كانت حاجة “بون”/ شيكات ألوفات ما “كبون”/ اشياء عزيزة على الجبون/ بي روحك اقرب يا زبون)..!
الصورة الفيلمية التي تنقل أجواء زواج إبراهيم صالح جبريل نقلتها (كاميرا العبادي) مشبعة بالمناخ الاحتفالي البهيج في لوحات متحركة مبهرة للكرنفال الكبير: (كانت ليلة في غاية الكمال والصولة/ كرّات العريس طرتنا سيف الدوله/ يبشّر والحواري يزغردن..لا حوله/ يات من كان فقد لشعورو من باب أولى) وفيها يقول: (صنفين الخيول تسحب كتيبه كتيبه/”جبريل” قايدا وحافظ كيان ترتيبا/ مبسوطة الوجوه زال باتفاق تقطيبا/ والموسيقى يصدح بالتهاني خطيبه) وفي زخم وصف الحسان في الحفل تتجلي ثقافة العبادي بذكر ملوك الحيرة و”الراهب بحيرة ” الذي تنبأ وأقر بنبوة رسول الإسلام قبل البعثة (جلسن وبهرجن صار الجميع في حيره/ و”النور” انبهر فد كلمه غلبوا يحيرا/ ليهن جبره أشبه بي ملوك الحِيره/ ومن العين حوى الآمنبو قبلي بحيره)…!! أيضاً يعود العبادي إلى الجناس الكامل ولكن هذه المرة في إبداع بين معنى “ضاع العطر” بمعني انتشر و”ضاع الشيء” بمعنى الفقد…ويقول إن حسان الحفلة أشبه بالحور اللواتي هربن خلسة من حارس الجنة (نور إيه دا السطع جهر العيون بشعاعو/ ونغم إيه دا الرخيم خفض الموسيقى سماعو/ طيب الجنة مين الفي الشوارع ضاعو/ يبقى حواري من رضوان تسللوا ضاعوا)..؟؟ ثم يذكر العبادي ضمناً توفيق صالح جبريل شقيق العريس (“توفيق” ربي بي طالع السعود وافانا/ من كدر الهموم والموبقات صفّانا/ في روضة نعيم لطفو الكريم حفّانا/ صحنا من السرور: مولاي كفانا.. كفانا.).!؟!
إشارات ذكية ووصف بنقاء التصوير (الديجيتال).. ولكنه تصوير حي نابض ينقلك إلى قلب المحفل وكأنك من شهوده.. وهذه الاجتزاءات التي ذكرناها قد تفسد وحدة الوصف وتداعي الانفعالات… لكن ما باليد حيلة..!

 

آراء