العسكر يقرأون من نفس الكتاب القديم والقوى المدنية لم تتعلم الدرس
صديق الزيلعي
30 June, 2024
30 June, 2024
صديق الزيلعي
تمر علينا اليوم ذكرى عظيمة من نضال شعبنا. يوم خالد هزم فيه شعبنا مخطط اللجنة الأمنية للانفراد بالسلطة، وهزيمة ثورتنا. علينا ان نفخر ونحتفل بهذه المناسبة التاريخية. وفي نفس الوقت ننظر لتقييم ما حدث. واصل عسكر بلادنا انتهاج نفس الأساليب والخدع لعسكر مايو، للتمسك بالسلطة السياسية، كحق مشروع لهم. وصاروا يكررون، نفس التكتيكات، للاستمرار في القيادة. الأمر الذي يؤكد انهم يقرأون من نفس كتاب تعليمات موحد، يتم الاحتفاظ به في القيادة العامة، كمرجع عند كل منحى سياسي. أما القوى السياسية والمدنية، رغم تاريخها الطويل، وصمودها امام آلة القمع العسكرية، الا انها، لا تنظر للوراء، للتعلم من تجاربها الثرة. وكلما تنسم جيل مدني جيد مواقع القيادة، ينشغل بالمعارك السياسية الآنية، ويخوضها بشجاعة، ولكن لا ينظر لتجارب الماضي، للاستفادة منها، بتطوير ايجابياتها، وتجنب اخطائها. واليوم نحاول النظر لأحد تلك الدروس، التي ستفيدنا، في معركتنا الحالية لإيقاف الحرب، ومعاركنا القادمة لتأسيس الحكم المدني الديمقراطي.
استطاعت ثورة ديسمبر العارمة أن تحاصر نظام الاسلامويين، وتجعل ظهره للحائط، فتفتق ذهن دهاقنة التآمر، على اتباع الخطة ب. وكانت تلك الخطة تكليف اللجنة الأمنية بإزاحة البشير شكليا، وتنصيب أبن عوف، مع الاحتفاظ بكل اركان النظام. صمود الشارع أفشل تلك الخطة. فلجأوا لتمثيلية اعلان انحيازهم للثورة، وكان ذلك منهج تقية الانحناء للعاصفة، وإفشال الثورة من داخلها، بالأساليب الناعمة والخشنة معا. وكانت ضربة البداية اعلان ما سمي بالمجلس العسكري الانتقالي، الذي سيحكم الفترة الانتقالية حتى قيام الانتخابات العامة. وفي نفس الوقت التمسك بإبعاد قوى الثورة عن مواقع السلطة. من الجانب الآخر استخدموا الأساليب العنيفة والمجرمة لفض اعتصام القيادة، وكانت مجزرة القيادة هي انقلاب كامل لإسكات الشعب. وهنا كانت هبة الثلاثين من يونيو الرد الشعبي الرافض لكل تآمر العسكر، فتراجعوا في ذعر، ولجأوا للأساليب الناعمة والخادعة مرة أخري. فتمت المفاوضات ولم تستمع بعض قوى الثورة لنصائح على محمود حسنين وصديق يوسف برفض الشراكة مع العسكر، وانخدعت بعض القوى السياسية والمدنية بالكلام المعسول للعسكر، وصدقت ان عسكر الاسلامويين هو شبيه لعسكر ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل. واستمرت المفاوضات، التي لعب فيها ود لبات دورا محوريا في تمكين العسكر. وفي النهاية انتجت المفاوضات الوثيقة الدستورية المعيبة، التي دفعنا ثمنا غاليا لها، وندفع حاليا مزيد من الاثمان بهذه الحرب اللعينة.
اثناء تصاعد انتفاضة مارس ابريل، التي وصلت أوجها في موكب 3 أبريل، كان صغار ضباط الجيش يجتمعون ويضغطوا قيادة الجيش لكي تنحاز للثورة. كان سوار الدهب يصر على الولاء لنظام نميري، لأنه اقسم على ذلك. وعندما تصاعد ضغط صغار الضباط وتهديدهم باتخاذ موقف منفرد، انصاع سوار الدهب وبقية القادة، فأعلنوا إزاحة نميري وتسنم السلطة لأنفسهم تحت مسمى المجلس العسكري الانتقالي، وابعدوا صغار الضباط، صناع التغيير. لكن وحدة قوي الانتفاضة ووعي قادتها لم ينخدع بادعاءات العسكر وفرض وجود مجلس وزراء مدني كامل. ورغم تقاسم السلطة الا ان المجلس العسكري كان يتفاوض مع الاسلامويين من خلف ظهر قوي الانتفاضة. كما لعب دورا أساسيا في الحفاظ على مؤسسات النظام القديم وتعطيل انجاز اهداف الانتفاضة. وكان أوضح مثال لذلك قانون الانتخابات الذي صمم بشكل يدعم طموحات الاسلامويين بالوصول للسلطة.
إذا قارنا ذلك بما قام به عسكر اللجنة الأمنية للبشير، نجد انهم قرأوا نفس الكتاب، وعملوا على السير في نفس الطريق، رغم ان امكانياتهم وقواهم كانت أكبر من عسكر مايو. وفي الجانب الآخر لم تستوعب القوي السياسية والمدنية درس الانتفاضة ودور عسكر مايو في تخريبها. وبلعوا طعم ادعاء اللجنة الامنية الانحياز لثورة ديسمبر، بينما كانت تنفذ في الخطة ب للاسلامويين.
كتبت اليوم، باختصار عن التجربتين (انتفاضة 1985 وثورة 2019) ودور العسكر والقوى المنية خلالهما. الآن يجب ان نستوعب الدرس بعد انهاء هذه الحرب الكارثية. وان يكون لدينا وضوح تام بالا مكان للعسكر في السلطة السياسية أو اقتصاد البلاد. واتن انشاء جيش مهني هدف أساسي لاستقرار النظام الديمقراطي.
siddigelzailaee@gmail.com
تمر علينا اليوم ذكرى عظيمة من نضال شعبنا. يوم خالد هزم فيه شعبنا مخطط اللجنة الأمنية للانفراد بالسلطة، وهزيمة ثورتنا. علينا ان نفخر ونحتفل بهذه المناسبة التاريخية. وفي نفس الوقت ننظر لتقييم ما حدث. واصل عسكر بلادنا انتهاج نفس الأساليب والخدع لعسكر مايو، للتمسك بالسلطة السياسية، كحق مشروع لهم. وصاروا يكررون، نفس التكتيكات، للاستمرار في القيادة. الأمر الذي يؤكد انهم يقرأون من نفس كتاب تعليمات موحد، يتم الاحتفاظ به في القيادة العامة، كمرجع عند كل منحى سياسي. أما القوى السياسية والمدنية، رغم تاريخها الطويل، وصمودها امام آلة القمع العسكرية، الا انها، لا تنظر للوراء، للتعلم من تجاربها الثرة. وكلما تنسم جيل مدني جيد مواقع القيادة، ينشغل بالمعارك السياسية الآنية، ويخوضها بشجاعة، ولكن لا ينظر لتجارب الماضي، للاستفادة منها، بتطوير ايجابياتها، وتجنب اخطائها. واليوم نحاول النظر لأحد تلك الدروس، التي ستفيدنا، في معركتنا الحالية لإيقاف الحرب، ومعاركنا القادمة لتأسيس الحكم المدني الديمقراطي.
استطاعت ثورة ديسمبر العارمة أن تحاصر نظام الاسلامويين، وتجعل ظهره للحائط، فتفتق ذهن دهاقنة التآمر، على اتباع الخطة ب. وكانت تلك الخطة تكليف اللجنة الأمنية بإزاحة البشير شكليا، وتنصيب أبن عوف، مع الاحتفاظ بكل اركان النظام. صمود الشارع أفشل تلك الخطة. فلجأوا لتمثيلية اعلان انحيازهم للثورة، وكان ذلك منهج تقية الانحناء للعاصفة، وإفشال الثورة من داخلها، بالأساليب الناعمة والخشنة معا. وكانت ضربة البداية اعلان ما سمي بالمجلس العسكري الانتقالي، الذي سيحكم الفترة الانتقالية حتى قيام الانتخابات العامة. وفي نفس الوقت التمسك بإبعاد قوى الثورة عن مواقع السلطة. من الجانب الآخر استخدموا الأساليب العنيفة والمجرمة لفض اعتصام القيادة، وكانت مجزرة القيادة هي انقلاب كامل لإسكات الشعب. وهنا كانت هبة الثلاثين من يونيو الرد الشعبي الرافض لكل تآمر العسكر، فتراجعوا في ذعر، ولجأوا للأساليب الناعمة والخادعة مرة أخري. فتمت المفاوضات ولم تستمع بعض قوى الثورة لنصائح على محمود حسنين وصديق يوسف برفض الشراكة مع العسكر، وانخدعت بعض القوى السياسية والمدنية بالكلام المعسول للعسكر، وصدقت ان عسكر الاسلامويين هو شبيه لعسكر ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل. واستمرت المفاوضات، التي لعب فيها ود لبات دورا محوريا في تمكين العسكر. وفي النهاية انتجت المفاوضات الوثيقة الدستورية المعيبة، التي دفعنا ثمنا غاليا لها، وندفع حاليا مزيد من الاثمان بهذه الحرب اللعينة.
اثناء تصاعد انتفاضة مارس ابريل، التي وصلت أوجها في موكب 3 أبريل، كان صغار ضباط الجيش يجتمعون ويضغطوا قيادة الجيش لكي تنحاز للثورة. كان سوار الدهب يصر على الولاء لنظام نميري، لأنه اقسم على ذلك. وعندما تصاعد ضغط صغار الضباط وتهديدهم باتخاذ موقف منفرد، انصاع سوار الدهب وبقية القادة، فأعلنوا إزاحة نميري وتسنم السلطة لأنفسهم تحت مسمى المجلس العسكري الانتقالي، وابعدوا صغار الضباط، صناع التغيير. لكن وحدة قوي الانتفاضة ووعي قادتها لم ينخدع بادعاءات العسكر وفرض وجود مجلس وزراء مدني كامل. ورغم تقاسم السلطة الا ان المجلس العسكري كان يتفاوض مع الاسلامويين من خلف ظهر قوي الانتفاضة. كما لعب دورا أساسيا في الحفاظ على مؤسسات النظام القديم وتعطيل انجاز اهداف الانتفاضة. وكان أوضح مثال لذلك قانون الانتخابات الذي صمم بشكل يدعم طموحات الاسلامويين بالوصول للسلطة.
إذا قارنا ذلك بما قام به عسكر اللجنة الأمنية للبشير، نجد انهم قرأوا نفس الكتاب، وعملوا على السير في نفس الطريق، رغم ان امكانياتهم وقواهم كانت أكبر من عسكر مايو. وفي الجانب الآخر لم تستوعب القوي السياسية والمدنية درس الانتفاضة ودور عسكر مايو في تخريبها. وبلعوا طعم ادعاء اللجنة الامنية الانحياز لثورة ديسمبر، بينما كانت تنفذ في الخطة ب للاسلامويين.
كتبت اليوم، باختصار عن التجربتين (انتفاضة 1985 وثورة 2019) ودور العسكر والقوى المنية خلالهما. الآن يجب ان نستوعب الدرس بعد انهاء هذه الحرب الكارثية. وان يكون لدينا وضوح تام بالا مكان للعسكر في السلطة السياسية أو اقتصاد البلاد. واتن انشاء جيش مهني هدف أساسي لاستقرار النظام الديمقراطي.
siddigelzailaee@gmail.com