العقلية الأمريكية المتجددة … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

 

 

ما يميز النظام الامريكي و نظام الرأسمالية المتبع هناك هو حيوية ذلك النظام و مقدرته علي تجديد نفسه. هنا يكمن سر الإبداع الأمريكي و إمكانية تجاوز ذلك البلد لجميع تناقضاته و الخروج من أزماته مهما كبرت و ارتفعت خسائرها بسلام و بقوة دفع اكبر تجعل المجتمع يصعد الي درجة ارقي بدلا عن التداعي و الانهيار. ليس هذا تغزلا في امريكا و لا انبهار بها و انما تسجيل للحقائق و إبداء الرأي حولها. يمكن ملاحظة هذا التوجه من خلال انتخاب باراك اوباما رئيسا لامريكا. بالتأكيد ان صعود اوباما و صناعة مجده و إخراج الماكينة التي قادته الي سدة الرئاسة لم يكن وليد الصدفة و لا هو عائد الي قدرات اوباما ، المذهلة فقط ، و إنما ايضا نتيجة لقرار اتخذ في مطابخ اتخاذ القرار الامريكي و تم تكوين رؤية محددة استدعت تغيير الاستراتيجيات السائدة و الانتقال الي مرحلة جديدة من صناعة التاريخ الامريكي. كان باراك اوباما في رأي هو رجل المرحلة المناسب لما يراد إدخاله من تعديلات لذلك تمت صياغة برنامجه في كلمة واحدة معبرة عن معاني لا حصر لها هي ( التغيير - Change ). بهذا الشكل لم يكن برنامج الرعاية الصحية و لا قانون الاستقرار المالي وليدة للصدفة او من بنات أفكار السيد الرئيس.

  جاءت بعد ذلك الإستراتيجية الجديدة الشاملة لجميع السياسات و برامج العمل التي سيتم إتباعها في في المرحلة القادمة من المسار الامريكي الظافر في اتجاه صناعة التاريخ. وضعت الإستراتيجية الجديدة عقيدة جديدة للعمل في المجالات العسكرية – الأمنية و في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و في المدلول الثقافة و ارتباطه بحقوق الانسان. في تقرير صادر عن البيت الأبيض حصلت عليه بطريقة خاصة جاء تلخيص لرؤية منسوبة للرئيس الامريكي يتعرض فيها لفهمه او لشرحه او لرأيه في الإستراتيجية الجديدة لان ما ورد حمال اوجه و لكن جوهره واحد. يقول التقرير علي لسان الرئيس اوباما ( اننا نعيش في وقت من التغيير الشامل) و يشرح ذلك المفهوم في علاقته بالعولمة ، انفتاح الأسواق و التقدم الاجتماعي خلال العقود الأخيرة الأمر الذي وسع من انتشار الديمقراطية و جعل السلام ممكنا بين الأمم ألكبري. في نفس الوقت تمت الإشارة الي ان العولمة زادت من الأخطار التي تواجه العالم و أهمها الإرهاب العالمي وانتشار التقنيات الفتاكة وصولا الي الاضطرابات الاقتصادية و التغيرات المناخية..

كل تلك التحديات خلقت واقعا جديدا استدعت مواجهته صياغة إستراتيجية جديدة . تبدأ تلك الإستراتيجية حسب القول المنسوب للرئيس اوباما ب " إدراك قوتنا و نفوذنا في الخارج التي تبدأ بالخطوات التي نتخذها في وطننا". لكن ماهي الخطوات الواجبة الاتخاذ في الوطن و التي تشكل مربط الفرس : انها ( .. ان ننمي اقتصادنا و ان نخفض عجز موازنتنا . يجب ان نعلم أبناءنا التنافس في عالم تكون فيه المعرفة هي رأس المال) ، اذن المعرفة في امريكا هي راس المال الحقيقي!. تاتي بعد ذلك مجموعة من الأهداف منها الطاقة النظيفة التي تحلهم من الارتباط بالبترول الخارجي و تصون ( كوكبنا). يقول الحديث لاحقا امرا مهما يجب الانتباه إليه لأنه غائب عندنا و سيظل يسجل غيابا لفترة طويلة قادمة ذلك هو ( ينبغي علينا ان نطلب العلم و الأبحاث التي تمكن من الاكتشافات و تطلق العنان لعجائب غير متوقعة الآن ، مثلما كان سطح القمر و الشريحة الالكترونية متناهية الصغر يبدوان لنا قبل قرن مضي) ، بالتأكيد المقارنة بين بلدنا و بلد مثل امريكا في مجالات المعرفة و الاقتصاد منعدمة ، لكن المؤكد هو ان حاجتنا للتعلم و الأبحاث و الاكتشافات اكبر بما لا يقاس من حاجتهم لها ان أردنا ان نسير أي خطوة للأمام. لذلك يقول الرئيس الأمريكي ، في الحديث المنسوب اليه ، ( اننا يجب ان ننظر للابتكارات الأمريكية كأساس لقوة أمريكا)، هنا اذن تكمن قوة امريكا و ليس في أي مكان أخر ، الكثير من العقلاء يتفقون تماما مع هذه المقولة.

  يمضي الحديث في نفس الاتجاه ليصل الي مطلب اخر مهم هو (يجب ايضا ان نبني مجتمع القدرات التي يمكن ان تعزز مصالحنا و المصالح المشتركة مع الدول و الشعوب الاخري) و هذه مقولة في اتجاه ان " الخير يعم". يذهب الرئيس الامريكي حسب التقرير المستند الي مصادر من البيت الأبيض الي القول بضرورة الاعتماد علي ( .. خبراء التنمية الذين يستطيعون تعزيز الحكم الرشيد و مناصرة الكرامة الإنسانية ..) ، اذن الحكم الرشيد و و مناصرة الكرامة الإنسانية يتم بالتنمية و يعزز ذلك القول ب " مساعدة الشعوب علي إطعام نفسها و العناية بمرضاها" انظروا جيدا كيف يتطابق ذلك مع القيم الدينية و الإنسانية الخاصة بالإطعام من الجوع و الأمن من الخوف و العلاج من المرض.لا يقف الأمر عند هذا الحد و انما يمضي ابعد من ذلك ليصل الي ( و التزامنا بكرامة الإنسان يتضمن دعم التنمية و لهذا السبب نحن نكافح الفقر و الفساد ونحن نرفض فكرة ان ديمومة الأمن و الرخاء تتحقق بالتخلي عن الحقوق العالمية – فالديمقراطية لا تمثل أنبل ما فينا فحسب بل تقف ايضا سدا في وجه العدوان و الظلم و مساندتنا للحقوق العالمية جوهرية للقيادة الأمريكية و مصدر لقوتنا في أرجاء العالم) ، يا لها من إستراتيجية عظيمة و بناءة و محكمة من حيث المبدأ.

 نختم القول بالإشارة الي عبارة مهمة وردت في ما نسب لخطاب الرئيس الامريكي و هي ( . أمننا علي المدي الطويل لن يتأتي من قدرتنا علي زرع الخوف في قلوب الاخرين ، بل من  خلال قدرتنا علي ان نخاطب آمالهم ) ، هذه العبارة الاخيرة مفترض ان توضع في "حجاب ن او تميمه " يتم تعليقه\ها ، علي أعناق المسئولين وصناع القرار في بلداننا ، علي الأقل إذا لم يروا " حكامنا و المسئولين لدينا" ضرورة في ان يسود ذلك المبدأ علي مستوي العالم فاضعف الإيمان ان يحاولوا تطبقه علي مواطنيهم. هذه رؤية تجديدية تدعم فرضية ان وصول اوباما الي الحكم كان مدفوعا برغبة حقيقية في التغيير نحو الأفضل، للمجتمع الامريكي و المضي به قدما في ريادة العالم ، في هذا السياق يقول الخطاب ( اننا نعاني الان من ازمة اقتصادية مدمرة ، ونحن مصممون علي ان تكون تركتها أساسا جديدا للازدهار ، و نحن ملتزمون بعقيدة كانت نبراسا في الوطن و منارة يهتدي بها العالم كله) ، هل سمعتم يوما مسئولا في دولنا يقول اننا نعاني من ازمة ، ناهيك عن ازمة مدمرة ، ذلك واحدا من أهم أوجه الاختلاف بيننا و بينهم فما بالكم بالاختلاف في الاستراتيجيات؟

 

Dr.Hassan.

 

آراء