العقل العاطفي …الى أين يقودنا (1)

 


 

مجدي إسحق
26 January, 2023

 

يؤكد لنا علم النفس السياسي بأن أزمة التغيير هو غياب الوعي الثوري وإنحسار العقل المنطقي الموضوعي..وأكبر آفاته هو سيادة الوعي المأزوم وسيطرة العقل العاطفي.
إن العقل الموضوعي هو الذي يضعنا في الطريق الصحيح لانه محايد ومرن يعتمد على الوقائع والمعطيات يقرأ قوانين التغيير بحثا عن أفضل الطرق للوصول للهدف.بينما العقل العاطفي ذاتي جامد لا يتعمق في المعطيات تسيطر عليه العواطف
يسعى لإرضائها وتخفيف توترها فيظن واهما أنه وصل للحقيقه. فالطفل الذي يؤمن بان الدواء سيء كراهية لطعمه أو الذي يشتري عربة إعجابا بلونها خير مثال للعقل العاطفي الذي تحكمه المشاعر ويغيب عنه المنطق وتغليب قوانين الظاهره.
إن من جراثيم العقل العاطفي الإكتفاء بالقراءه المنطقيه لجزء من الموضوع والتوهم بأن ذلك يكفي لكي يقودنا للحقيقه والنتائج وخير مثال للطفل الذي يقبل بضرورة أخد الدواء ويفهم الأسباب لذلك ويسيطر على مشاعر الكراهية له ولكن لا يأخذه بإنتظام أو الذي يختار عربة استنادا على مواصفاتها العلميه ويسيطر على اعجابه المنفلت باللون وحده ولكنه لا يجيد القياده.كلاهما لن يصل للنتيجه المرجوه لأنهما أخذا بحزء من من قوانيين الظاهره وأهملا بقية القوانين
.إن الغضب من الواقع هي المشاعر التي ترتبط بالثورات والتغيير الإجتماعي وهي الطاقه التي تقود لتغيير الواقع إذا سيطر عليها العقل المنطقي والموضوعي.بينما نجد إنه إذا سيطرت مشاعر الغضب ستقود لتشكيل العقل العاطفي الذي يقود للهدم وتفريغ المشاعر ولا يفسر الواقع ولا يقود للحقيقه وتحقيق الهدف.
إذا نظرنا الى واقع التغيير لدينا نجد إن الصراع بين قوى التغيير يدور بين مفهوم التغيير الجذري أم التغيير الممرحل
وسنرى كيف تغلغلت جرثومة العقل العاطفي ففارقنا دروب المنطق والرؤيه الموضوعيه فجعلتنا نتمسك بالسراب وندافع عن المواقف الخاطئه ولا نرى دائرة الضياع والتوهان التي ندور حولها.
حيث نجد جراثيم العقل العاطفي قد سيطرت على قراءة الواقع في الاتي
أولا
إن قوى الثوره والتغيير مختلفة جذريا وليس هناك ما يجمعهما بينما الحقيقة والمنطق تعكس خطل هذا بل تؤكد اتفاقهم في الهدف في بناء دولة مدنيه يحكمها القانون والمؤسسات.
ثانيا
جعلت النظره للخلاف بين قوى الثوره كخلاف جوهري بين الفريقين بينما
الحقيقة الاختلاف هو في الوسائل والزمن .حيث فريق يرى التفاوض
مع العسكر للوصول لإتفاق في كيفية وزمن إنسحاب العسكر من السلطه وفريق يرفض التفاوض ويطالب بالتسليم والانسحاب الفوري من الحياه السياسيه.
ثالثا
محاكمة النوايا والغضب من الاخر وعدم قراءة ما في السطور والتصريحات عدم تصديقا لها ورفضا للمواقف والعهود والاتفاقات والاتهام بالخيانه والارتزاق والعماله.
رابعا
جعل الأهداف الثانويه تعلو على الهدف الأساسي والجوهري وتصبح هي المعيار الذي به نقيس به نجاحنا في عملية التغيير بغض النظر قربنا أو بعدنا من الهدف الأساسي والجوهري.حيث نرى أن القصاص وإقالة زيد محاسبة عبيد أهم من قيام دولة المؤسسات بل تصبح هي الهدف والشعار.
إن العقل المنطقي يطالبنا بمحاربة جراثيم العقل العاطفي وتجلياتها وقراءاتها المأزومه للواقع وتبني الوعي الحقيقي والنظره الموضوعيه التي تؤكد الاتي
أولا
إن الإتفاق على الهدف هو الأساس لأي تحالف وعمل جماعي وأن قوى الثوره والتغيير جميعها تتفق على هدف واحد هو قيام دولة مدنية تحكمها المؤسسات والقانون وليس هناك من يدعو لغير ذلك.
ثانيا
إن الاختلاف بين قوى الثوره هو في الوسائل والزمن وقوانين التغيير تؤكد إن الوصول للهدف يمكن ان يتحقق بأكثر من وسيله وأكثر من طريق.
ثالثا
لا أحد يمتلك الحقيقه ليزعم أن طريقه هو الوحيد وماعداه باطل بل عليه التبشير بوسائله ومحاولة عكس أسباب إختلافه مع الوسائل والطرق الأخرى
رابعا
رفضنا لوسائل الآخر وطريقه في التغيير لا تعطينا الحق في محاكمة نواياه وكيل الإتهامات والتشكيك في وسائله
خامسا
الأهداف الثانويه مهمه ولا ندعو لتجاهلها او المساومه عليها ولكن يجب الا ننسى ان الأولويه للهدف الجوهري والأساسي.
إن الحقيقه التي لا تقبل جدال بأن كل قوى التغيير في مركب واحد يجمعها هدف واحد ويحق لها ان تختلف في وسائلها وليس لنا سوى طريقين للنظر لهذا الاختلاف الثانوي.
الطريق الاول هو طريق العقل العاطفي الذي يرفض الاختلاف في الوسائل ينسى الاتفاق على الهدف الاساسي فيحاكم النوايا ينسى العدو المشترك ويصب جام غضبه على رفاق التغيير ويجعلهم في مقام العدو فيفقد بوصلته ويهدر جهده في معركة مع نفسه وإن لم يشعر ليبقى دائرا في مكانه.
أما الطريق الثاني فطريق العقل المنطقي الذي يري وحدة الهدف ويقبل اختلاف الوسائل إحتراما للتباين ويرى فيها مدعاة للقوه فيسعى للتنسيق والترتيب لتتضافر الجهود وتصب مشاعر الغضب نحو العدو المشترك.
إن علم النفس السياسي يحذرنا من العقل العاطفي …إنها دعوة لمفارقة العقل العاطفي عدو الوعي قبل ان يقودنا لمدارك الإحباط وهدر الذات وتبني العقل المنطقي الذي به سنحقق فجر الخلاص والأمل الوحيد لمستقبل واعد في دولة المؤسسات التي يحلم بها شعبنا الذي يستحق كل جميل

 

آراء