العقوبات الأمريكية على حميدتي واتهام الإبادة الجماعية في السودان: نقطة تحول في النظرة الدولية لحرب السودان
أمجد فريد الطيب
12 January, 2025
12 January, 2025
في خطوة كبيرة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، في 7 يناير 2025، وقبل ايام من مغادرة الادارة الديموقراطية برئاسة بايدن للبيت الابيض، عن فرض عقوبات على محمد حمدان دقلو موسى (حميدتي)، قائد مليشيا قوات الدعم السريع في السودان، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098. وتشمل هذه العقوبات حميدتي لدوره في زعزعة استقرار السودان وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي في دارفور. وتضمن هذا التحرك إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تصنيف الافعال والجرائم التي قامت بها مليشيا قوات الدعم السريع على انها جريمة ابادة جماعية في السودان، وهو تصنيف قانوني تترتب عليه عواقب جمة.
امتدت العقوبات المعلنة لتشمل شخصيات وكيانات مرتبطة بعمليات قوات الدعم السريع، وشملت:
•أبو ذر عبد النبي حبيب الله أحمد، المالك والمدير لشركة كابيتال تاب القابضة ذ.م.م المسجلة في الامارات العربية المتحدة.
•الشركات التابعة لكابيتال تاب القابضة، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، وتشمل: كابيتال تاب للاستشارات الإدارية ذ.م.م، كابيتال تاب للتجارة العامة ذ.م.م، كرييتيف بايثون ذ.م.م، الزمرد والياقوت للمجوهرات ذ.م.م (AZ Gold)، الجيل القادم للتجارة العامة ذ.م.م، وحلول الأفق المتقدمة للتجارة العامة ذ.م.م.
وتم الاعلان عن تورط هذه الكيانات في تقديم الدعم المالي واللوجستي لقوات الدعم السريع، بما في ذلك شراء الأسلحة وتهريب الذهب لتمويل أنشطتها الحربية في السودان.
تحت قيادة حميدتي، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة النطاق شملت العنف الجنسي والقتل على اساس عرقي وحرمان المدنيين من المساعدات الإنسانية بشكل منهجي. وقد أكد نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، التزام الولايات المتحدة بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، مشيراً إلى أن هذه العقوبات تهدف إلى حماية المدنيين السودانيين وتعزيز الانتقال الديمقراطي في البلاد.
إن تصنيف مليشيا قوات الدعم السريع كمُرتكِبة للإبادة الجماعية يُعتبر تطوراً قانونياً ذا أهمية كبيرة، حيث يضع هذا الاعتراف التزاماً مباشراً على المجتمع الدولي للتحرك بموجب عدد من الاطر القانونية المنصوص عليها دوليا وتشمل:
1. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)
تُعرّف الاتفاقية الإبادة الجماعية وتُلزم الدول بمنعها ومعاقبة مرتكبيها. وتشمل أهم أحكامها تعريف الابادة الجماعية بحيث: تشمل الإبادة الجماعية أعمالاً مثل القتل، التسبب في أضرار جسدية أو نفسية جسيمة، أو النقل القسري للأطفال، عندما تكون بنية الإبادة لجزء أو كل من مجموعة قومية، إثنية، عرقية، أو دينية. وتلزم الدول بمنع وقوع الإبادة الجماعية، ومحاكمة مرتكبيها، والتعاون مع الآليات الدولية، وتحدد هذه الاتفاقي الاختصاص العالمي الذي يسمح للدول بملاحقة مرتكبي الإبادة الجماعية بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة.
2. أطر القانون الجنائي الدولي
•المحكمة الجنائية الدولية (ICC): أُنشئت بموجب نظام روما الأساسي (1998)، وتختص بملاحقة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في حال عجز أو عدم رغبة الأنظمة الوطنية في الملاحقة.
•المحاكم الخاصة المؤقتة: مثل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY)، التي عالجت الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم.
•المحاكم المختلطة: مثل الغرف الاستثنائية في محاكم كمبوديا (ECCC) التي تجمع بين النظم المحلية والدولية لمعالجة الفظائع الجماعية.
3. القانون الدولي العرفي
حتى الدول التي لم تصادق على اتفاقية الإبادة الجماعية تُعتبر ملزمة بموجب القانون الدولي العرفي الذي يحظر الإبادة الجماعية كقاعدة آمرة (jus cogens).
4. مبدأ المسؤولية عن الحماية (R2P)
تم اعتماده في وثيقة قمة الأمم المتحدة لعام 2005، ويقوم على المبادئ التالية:
•تتحمل الدول مسؤولية حماية شعوبها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
•يتعين على المجتمع الدولي مساعدة الدول في الوفاء بهذه المسؤولية.
•إذا فشلت الدولة في الحماية، يمكن للمجتمع الدولي التدخل عبر وسائل دبلوماسية أو إنسانية أو عسكرية، غالبًا بتفويض من الأمم المتحدة.
5. آليات الأمم المتحدة
•مجلس الأمن الدولي: يمكنه التصريح باتخاذ إجراءات، بما في ذلك العقوبات أو التدخل العسكري، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية أو وقفها.
•مجلس حقوق الإنسان والإجراءات الخاصة: يحقق ويقدم تقارير عن مخاطر الإبادة الجماعية من خلال لجان التحقيق والمقررين الخاصين.
•مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية: يقدم إنذارات مبكرة ونصائح سياساتية لمنع الإبادة الجماعية.
6. مسؤولية الدول والمساءلة
بموجب مواد مسؤولية الدول عن الأفعال الدولية غير المشروعة (Articles on Responsibility of States for Internationally Wrongful Acts (ARSIWA))، والتي وضعتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، يمكن تحميل الدول المسؤولية عن التواطؤ في الإبادة الجماعية إذا قدمت دعماً أو أخفقت في منعها.
يشكل مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) محوراً أساسياً وسياقا قانونيا ملائما في التعامل مع الوضع في السودان. بالاعتماد ثلاثة أعمدة رئيسية:
1.مسؤولية الدولة: تقع على الحكومة السودانية مسؤولية حماية سكانها من الجرائم الخطيرة.
2.المساعدة الدولية: يلتزم المجتمع الدولي بمساعدة الحكومة السودانية في تحقيق هذا الهدف.
3.التدخل إذا فشلت الدولة: إذا عجزت الحكومة عن حماية شعبها أو تواطأت في الجرائم، يصبح للمجتمع الدولي الحق في التدخل بوسائل تتراوح بين العقوبات والدبلوماسية، وصولاً إلى التدخل العسكري الإنساني.
في سياق السودان، يفرض هذا الاعتراف بالإبادة الجماعية ضغوطاً كبيرة على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عاجلة. حيث ان قيام الولايات المتحدة بالاعتراف بان ما تقوم به مليشيا قوات الدعم السريع يدخل في اطار الابادة الجماعية، وهو احد الجرائم الكبيرة المنصوص عليها في تعريف وصياغة مبدأ مسئولية الحماية، ينعكس بدوره على تعريف ما يحدث في السودان، ويحوله بشكل كبير من كونه نزاع داخلي مسلح لعملية لانفاذ القانون ومنع هذه الجرائم الفادحة.
يشير التاريخ إلى أن الاعتراف بالإبادة الجماعية غالباً ما يؤدي إلى تحركات دولية كبيرة. ومن أبرز الأمثلة:
1.البوسنة (1995): عقب الاعتراف بمذبحة سربرنيتسا كإبادة جماعية، كثّف المجتمع الدولي تدخله العسكري والدبلوماسي، مما أدى إلى اتفاقية دايتون للسلام.
2.رواندا (1994): رغم التأخر في مخاطبة الوضع في رواندا، أدى الاعتراف بالإبادة الجماعية إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) التي حاكمت كبار المسؤولين عن الجرائم.
3.دارفور (2004): وصف الولايات المتحدة للفظائع في دارفور بأنها إبادة جماعية دفع إلى إنشاء بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (UNAMID) وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق عمر البشير.
إن الاعتراف بالإبادة الجماعية في السودان اليوم يحمل في طياته مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي للرد بشكل حاسم.
مع الاعتراف بالإبادة الجماعية، يمكن أن تتخذ الولايات المتحدة والأمم المتحدة والهيئات الدولية خطوات ملموسة تشمل:
1.الملاحقات القضائية الدولية: حيث يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أو محكمة خاصة إنشاء آلية قانونية لمحاكمة حميدتي وقادة الدعم السريع الآخرين على جرائم الإبادة الجماعية.
2.العقوبات الدولية الموسعة: كما ان من المتوقع ان يتم التوسع في فرض عقوبات إضافية تستهدف الشبكات المحلية والدولية التي تدعم قوات الدعم السريع مالياً ولوجستياً، وتوفر لها المساحات لاستمرار ارتكاب جرائمها.
3.العزلة الدبلوماسية: وكما ان المتوقع ان يترتب على هذا التصنيف تزايد الضغط السياسي والدبلوماسي على الدول الإقليمية الداعمة لمليشيا قوات الدعم السريع، مثل الإمارات وتشاد، لوقف دعمها للشبكات المرتبطة بقوات الدعم السريع.
رغم أهمية هذه الخطوات، فإن التنفيذ يعتمد بشكل كبير على الإرادة السياسية. على الولايات المتحدة وحلفائها اصلاح سياساتهم الحالية وتاريخهم في النزاع السوداني. فقد قامت الولايات المتحدة الامريكية ودول اخرى بتقديم دعم مادي مباشر لانشاء وتمويل كيانات وتحالفات سياسية تضم حلفاء لقوات الدعم السريع، مثل تحالف “تقدم”. وكما تعرضت إدارة بايدن لانتقادات شديدة لدورها في تخفيف مطالبات المساءلة منذ اندلاع الحرب، بما في ذلك رفض سفيرها السابق في السودان جون غودفري تسمية مرتكبي الاغتصابات والعنف الجنسي علناً، مما منح افراد مليشيا قوات الدعم السريع نوعا من انواع الحصانة المؤسسية مساحة أكبر لارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات.
بينما تمثل العقوبات والاعتراف بالإبادة الجماعية خطوة مهمة، فإن الحل الدائم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للصراع. يجب تفكيك الشبكات الاقتصادية والسياسية التي تدعم قوات الدعم السريع، وضمان تحقيق العدالة عبر محاكمات عادلة للمتورطين في الجرائم، بالاضافة الي معالجة مشكلة المقاتلين المحليين والمرتزقة الاجانب الذي نشرتهم المليشيا في انحاء السودان المختلفة.
يتطلب ذلك شراكة قوية بين المجتمع الدولي والحكومة السودانية القوى المدنية الوطنية السودانية بحيث تفتح هذه الاجراءات الباب للانتقال الديمقراطي وبناء مؤسسات دولة قادرة على حماية مواطنيها وحفظ حقوقهم.
إن الاعتراف بالإبادة الجماعية في السودان ليس مجرد تصنيف قانوني، بل هو دعوة للتحرك. نجاح المجتمع الدولي في الاستجابة لهذا الوضع سيحدد ما إذا كان سيتم توفير العدالة لضحايا الجرائم المروعة أو استمرار الإفلات من العقاب.
تظل أعين العالم الآن على السودان، حيث تتقاطع المصالح الإنسانية والسياسية، وبينما يقف المجتمع الدولي عند مفترق طرق، يبقى الأمل معقوداً على أن تكون هذه اللحظة بداية لإنهاء معاناة شعب طالما تعرض للخيانة والإهمال والتجاهل.
amjedfarid@gmail.com