العلاقات المصرية السودانية فى عالم متغير(1-2)1 … بقلم: أسماء الحسينى

 


 

 

alshareefaasmaa224@hotmail.com

نسجت إعتبارات الجغرافيا ومسارات التاريخ وحركة البشرعلاقة خاصة بين مصر والسودان ، على نحو ربما لم يتيسر لشعبين آخرين فى المنطقة ،لذا فإن هناك ثوابتَ وأسسا للعلاقة بين البلدين يظل من الصعب الخروج عليها،حتى فى ظل تغير الظروف والسياقات السياسية .وقد حظى السودان بأهمية خاصة فى العقل الرسمى المصرى ،وكانت السياسة المصرية تجاه السودان من بواكير الدوائر الخارجية التى رسمها حكام مصر خلال العصر الحديث .

 وثمة محددات لا تخطئها العين حول طبيعة العلاقات المصرية السودانية ،وهى تلعب دورا كبيرا فى رسم السياسة المصرية تجاه السودان ،ولعل أهم هذه المحددات مايلى :

العمق الجيوإستراتيجى:

يظل السودان هو العمق الإستراتيجى الجنوبى لمصر ،لذا فإن ما يعانيه السودان من صراعات وأزمات حالية قد تهدد وجوده وتماسكه بما يؤثر سلبا على الأمن القومى المصرى،ومن هنا تبرز اهمية السياسة المصرية تجاه السودان للحفاظ على وحدته وإستقراره وتماسكه ،وبالتالى على المصالح المصرية المهددة بفعل أى تمزق أو إنفجارات على حدوده الجنوبية .وقد دخل السودان إلى مرحلة جديدة فى تاريخه بتوقيعه لإتفاق السلام الشامل بشأن جنوب السودان فى نيروبى فى 9يناير 2005،والذى عرف بإسم إتفاقية «نيفاشا «

،وقد حددت إتفاقية السلام فترة إنتقالية مدتها 6سنوات ،تنتهى بإستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان عام 2011،يختار فيه أبناء الجنوب مابين البقاء فى السودان الموحد أو الإنفصال وإقامة دولة مستقلة بجنوب السودان .وقبل التوصل لإتفاق سلام الجنوب كانت أزمة أخرى قد إندلعت بدارفور فى غرب السودان عام 2003،تصاعدت فى السنوات التالية سريعا ،وصدرت بشأنها العديد من القرارات الدولية ،كان آخرها القرار 1593،الذى حول قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية ،التى أصدرت قرارا بإعتقال الرئيس السودانى عمر البشير ،وهو الأمر الذى زاد من تعقيدات الأزمة السودانية فى ظل هذه التطورات الخطيرة وغيرها من الأحداث المهمة فى السودان خلال السنوات الخمس الأخيرة ،والتى يبدو أن تداعياتها وعواقبها ستكون كبيرة ومؤثرة للغاية فى تشكيل حاضر ومستقبل السودان.

 وتعود جذور الإدراك المصرى لأهمية السودان الإستراتيجية فى العصر الحديث إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر منذ أن بدأ محمد على والى مصر فى بناء الدولة الحديثة ،وعلى إمتداد قرن ونصف (1820-1956) أنفق المصريون من الأموال  فى السودان مالم ينفقوه فى أى مجال آخر .

وفى عام 1820تقدمت جيوش الدولة المصرية لأول مرة لتقوم بلملمة أطراف المناطق الواقعة جنوبها ،ممثلة فى سلطنات وممالك وقبائل  السودان ،لتصنع من كل هذا كيانا إداريا وسياسيا واحدا ،وهو الذى اصطلح على تسميته بالسودان .

وبينما انصب العمل المصرى خلال العشرينيات من القرن التاسع عشر على توحيد السودان ،فإنه انطلق خلال ستينيات وسبعينيات القرن نفسه لتأمين هذا السودان ،سواء بالإندفاع جنوبا حتى وصل إلى أوغندا ،أوبالتقدم شرقا إلى الصومال وأريتريا والحبشة ،وهى المحاولة التى كلفت الحكومة المصرية عنتا ماليا شديدا .

وقد أدرك الساسة المصريون بشكل كبير أهمية السودان بالنسبة لمصر ،وعبر عن ذلك محمد شريف باشا رئيس وزراء مصر الذى فضل الإستقالة على تنفيذ سياسة تجاه السودان تعرض الأمن المصرى للأخطار بقوله «إن السودان ألزم لمصر من الإسكندرية «

وليس المقصود بالأمن القومى هنا الأمن المصرى وحده أو الأمن القومى السودانى وحده ،وإنما الأمن المشترك ،ويؤكد هذه الحقيقة الدور المصرى  فى صنع وحدة التراب الوطنى السودانى فحسب،وإنما فى المحافظة عليه .

 مياه النيل:

  أبرزت الخلافات الأخيرة بين دول حوض النيل والتنسيق المصرى السودانى الذى تم فى إجتماع وزراء خارجية دول الحوض أهمية التنسيق المشترك بين مصر والسودان للحفاظ على حصتهما من مياه النيل من ناحية ،وللتعاون مع باقى دول الحوض من ناحية أخرى .

 التعاون والتنسيق السياسى والإقتصادى :

مرت العلاقات المصرية السودانية بمراحل وأطوار كثيرة منذ إستقلال السودان وحتى الآن ،وقد تعرضت العلاقات لفترة قطيعة بين النظامين الحاكمين بعد محاولة إغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك فى أديس أبابا عام 1995،ثم عادت العلاقات ،وبذلت الجهود لتحسينها ،وقد تجاوز البلدان هذه المرحلة فى السنوات الخمس الماضية التى نركز عليها هنا ،وإن كان الأمر لم يسلم من بعض الإختلافات فى وجهات النظر ،خاصة على خلفية المواقف المتباينة من القضايا العربية بعد العدوان الإسرائيلى على غزة مطلع العام الحالى ،إضافة إلى خلافات حول رؤية مصر للحل داخل السودان ، ،ويمكن الإشارة هنا إلى فكرة المؤتمر الدولى الذى طرحته مصر لحل مشكلة دارفور ،والذى أعلنت الحكومة السودانية رفضها له مباشرة .

وقد ظلت مصر تحرص على علاقة متوازنة بجميع القوى السياسية السودانية ،وبقيت على مسافة واحدة من هذه الأطراف جميعا،وليس هناك طرف فى السودان تستثنيه مصر أولاتتعامل معه ،بما فى ذلك جميع حركات دارفور المسلحة ،وحتى حزب المؤتمر الشعبى المعارض الذى يتزعمه الدكتور حسن الترابى إستقبلت مصر مؤخرا نائبه المحبوب عبد السلام ،وأعلن الترابى بعدها رغبته فى لعب مصر دورا أكبر من أجل حل أزمات السودان ،كما أعرب عن أمله فى أن يزورها قريبا ،وهذا الأمر مكن مصر من لعب دور أكبر فى عدد من القضايا داخل السودان ،لاسيما فى الأزمات بين شريكى الحكم الرئيسيين :المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ،مما يؤهلها للقيام بدورأكبرلتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والتوافق الوطنى داخل السودان فى هذه المرحلة.

وقد أدت عدة عوامل إلى تزايد الحاجة إلى أهمية التعاون والتنسيق السياسى بين مصر والسودان بشكل ملحوظ خلال المرحلة الأخيرة ،حيث أصبح تدويل القضايا السودانية يحتاج إلى تنسيق أكبر بين الدولتين من أجل تجنيب السودان الدخول فى مرحلة المواجهة والصدام مع المجتمع الدولى ،والتوصل إلى حلول سلمية مقبولة ،كما تبذل مصر جهودا لمساعدة السودان فى حل الخلافات والمشكلات الداخلية المتعددة ،سواء كان ذلك فى الجنوب أودارفور.

أما التنسيق الإقتصادى فقد تزايدت أهميته فى الآونة الأخيرة أيضا فى ظل الأزمة المالية العالمية وأزمة الغذاء العالمى ، وقد ثبت انه لاحل حقيقى لمشكلات فى البلدين إلا من خلال الترابط والتعاون الوثيق بينهما ،خاصة فى مجال الزراعة ،لكن للأسف فإن الوضع رغم تحسنه عن السنوات السابقة مازال ضعيفا ،وأضعف حلقات التعاون بين البلدين هى الزراعة ،والإستثمار فيها ضئيل ،حيث تؤكد الأرقام أن الإستثمارات المصرية فى السودان فى القطاع الزراعى تبلغ 6 مشروعات فقط حتى عام2006 ،وأن إجمالى مساهمات رأس المال المصرى فى القطاع الزراعى تبلغ 20 مليون دولار فقط ،علما بأن هناك شركة مصرية سودانية للتكامل بين البلدين ،خصص لها 200ألف فدان فى منطقة الدمازين بولاية النيل الأزرق بهدف توفير الأمن الغذائى للبلدين عبر الإنتاج الحيوانى والزراعى ،،وقد بلغت صادرات مصر للسودان 442 مليون دولار عام 2007 ،ولايزال عدم إكتمال الطرق البرية بين البلدين المقرر إكتمالها قريباعائق أمام زيادة حجم الإستثمار والتبادل التجارى بين البلدين .        

 ثانياً :السياسة المصرية تجاه قضايا السودان :

أزمة الجنوب :

رغم التحفظ المصرى فى السابق على حق تقرير المصير ،وسعيها من أجل تحقيق وحدة السودان ،إلا أن ذلك لم يمنعها من القبول والعمل من أجل التطبيق الكامل لإتفاق السلام الشامل بشأن الجنوب ،ومحاولة حل المشكلات التى تعترض تطبيقه ،بحسبانه الإتفاق الذى أوقف الحرب الأهلية ،وكان يمكن أن يفتح طريقا لتحولات إيجابية كبيرة فى السودان لو صدقت النوايا وحسنت الأفعال،رغم كل النواقص التى شابته ،وأبرزها قصره على طرفين وكأنهما بمفردهما يمثلان الشعب السودانى .

وقد بذلت مصر جهودا كبيرة خلال الفترة التى أعقبت توقيع إتفاق السلام الشامل بشأن جنوب السودان من أجل تذليل العقبات التى تحول دون تنفيذ الإتفاق على أرض الواقع ،عبر علاقتها المتميزة بحكومة الجنوب والحركة الشعبية لتحرير السودان ،وشاركت بطريقة عملية فى دفع عجلة التنمية والمشروعات الخدمية ومشروعات البنية التحتية ،فأقامت عيادة طبية مصرية بجوبا ووضعت حجر الأساس لجامعة الإسكندرية بالجنوب ،وأقامت محطات للكهرباء فى عدة مدن بالجنوب ،ومنحت أبناء الجنوب 300منحة سنويا للدراسة بالجامعات المصرية ،إضافة إلى العمل على تطهير النيل من أجل الملاحة والمشاريع المشتركة فى مجال المياه والتعليم والتدريب وتبادل الخبرات والتعاون المشترك فى جميع المجالات .

وقد مثلت الزيارة التاريخية للرئيس حسنى مبارك لجوبا عاصمة الجنوب فى نوفمبر    2008 لأول مرة حدثا بارزا ،وكانت بمثابة أكبر دعم تقدمه مصر للجنوب المنسى فى الذاكرة العربية المهمل سودانيا ،الذى يتباكى الجميع على إمكانية إنفصاله دون أن يقدموا شيئا حقيقيا كبيرا لتفادى ذلك. 

وتدرك مصر تماما حجم التحديات والإشكاليات الكبيرة التى يواجهها جنوب السودان فى المرحلة الراهنة ،وهى تحديات سياسية وإقتصادية وتنموية وأمنية وإجتماعية وثقافية ،وتدرك أن هذه الإشكاليات والتحديات وسبل مواجهتها سيكون مؤثرا وحاسما فى صياغة خريطة السودان المقبلة عبر الإستفتاء المقرر لأبناء الجنوب عام 2011،ومن أبرز التحديات التى يواجهها جنوب السودان فى المجال السياسى هى قضية أبيى الغنية بالبترول المتنازع عليها بين الشمال والجنوب والتى تم تحويل قضيتها إلى محكمة التحكيم الدائمة بلاهاى مؤخرا لتحديد حدودها ،وقد رحبت مصر بالقرار الذى صدر عن المحكمة ودعت الأطراف إلى الإلتزام به ،وهناك أيضا مشكلة ترسيم الحدود ،والتحديات السياسية المتمثلة فى التعامل مع الشمال وداخل الجنوب نفسه ،فضلا عن التحديات الأمنية الخطيرة المتمثلة فى جيش الرب الأوغندى الذى يمثل تحديا حقيقيا لحكومة الجنوب التى سعت لتسوية سلمية بين جيش الرب والحكومة الأوغندية لم تصل لنهاياتها ،إضافة إلى أعمال العنف التى تصاعدت وتيرتها ونوعيتها وإزدادت حدة بشكل مريع منذ مطلع العام الحالى فى الجنوب، ،فقد شهدت الشهورالأخيرة معارك طاحنة فى مناطق مختلفة من الجنوب ،يمكن القول إنها تتعدى أن تكون خلافات قبلية عادية حول الماء والمرعى كالتى كانت تحدث فى السابق ،بل كانت كما وصفها بعض المراقبين أشبه بغزوات وحشية متبادلة بين ميليشيات قبلية ،ولا أدل على ذلك من أن صراعا واحدا من تلك الصراعات فى ولاية واراب قتل فيه أكثر من ألف مواطن ، والواقع أن إنتشار السلاح في أيدي المواطنين بصورة عشوائية والفقر والجهل بالإضافة إلى البطالة و تدهور البنية التحتية ، من صحة وتعليم بالاضافة إلى الأوضاع المعيشية والصحية وإلى وجود آلاف الموظفين الذين فقدوا وظائفهم مؤخرا  ،وهذه الأمور كلها تحديات تفرض دفع عجلة التنمية والتدريب والتأهيل للكوادر البشرية فى الجنوب.

ورغم أن موقف القاهرة  كان ينطلق فى السابق من مبدأ عدم المساس بوحدة السودان أرضا وشعبا ،فإنها قد قبلت إتفاق الأطراف السودانية على مبدأ حق تقرير المصير وإقرارهم له عبر أكثر من إتفاق ،كان آخره إتفاق السلام فى نيفاشا ،وسعت مصرإلى تحقيق  ما اجمع عليه السودانيون ،وهو إتاحة فرصة للوحدة الطوعية أو الإنفصال السلمى ،على أن يتم العمل خلال الفترة الإنتقالية التى تسبق إتفاق تقرير المصير عام 2011 من أجل الوحدة ،وهو ماسعت مصر جاهدة إلى العمل من أجل تحقيقه ،إلا أن البيئة لم تكن مواتية تماما لذلك،لقد تعثرت هذه الجهود بسبب فتح جبهة جديدة للحرب فى دارفور استقطبت كل الدعم والإهتمام السودانى والدولى ، كما لم تكن كل الأطراف سواء داخل السودان أم خارجه فى  الإتجاه ذاته مع مصر من أجل إرساء دعائم وحدة السودان،فظهرت تيارات مناهضة لهذه الوحدة فى الشمال ممثلة فى منبر السلام العادل الذى يطالب علنا بالإنفصال ،والذى تحول مؤخرا إلى حزب سياسى ،كما اشتد عود التيار الإنفصالى بالجنوب ،بل وأصبح الصوت الداعى للوحدة أكثر خفوتا من أى وقت مضى ،

كما أن شبح إنفصال جنوب السودان لم يعد كما السابق يثير الخوف والشفقة على مصير البلد لدى الأحزاب والقوى السياسية السودانية ،ويبدو أنه لايثير حماسا كبيرا بينها للعمل من أجل تلافى مصير محتوم يواجهونه بعد اقل من خمسمائة يوم ،حيث ان بعضهم قد يأس واستعد لما أطلق عليه السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة مصطلح»الجوار الأخوى «لدولة الجنوب التى تلوح فى الأفق وستصبح بعد قليل حقيقة ماثلة إن لم تحرك التهديدات القائمة ركود الساحة السياسية السودانية .

 قضية دارفور:

ترى مصر دارفور جزءا من السودان ،وتنظر لابناء الإقليم جميعا سواء من ينتمون منهم إلى جذور عربية أوإلى جذور أفريقية بإعتبارهم مواطنين سودانيين ،وليس وفقا للتصنيفات  التى قسمت سكان الإقليم إلى عرب وأفارقة ،وصورت الصراع على أنه عربى أفريقى ،وكان موقف مصر منذ اليوم الأول أن القضية بدارفور متشعبة الأسباب ،وأنه لابد من حلول سياسية إقتصادية وتنموية وإجتماعية وإنسانية لمعالجة الموقف .

 

 

آراء