العولمة الرأسمالية وتهجير ونهب موارد الشعوب

 


 

 

 

مضت 25 عاما علي زوال التجارب الإشتراكية ، والسير في طريق العولمة الرأسمالية الذي أفقر الملايين من الكادحين، وجردتهم من أبسط خدمات التعليم  والرعاية الصحية وخدمات الكهرباء ومياه الشرب النقية، إضافة إلى النهب المكثف لثروات بلدان العالم النامي، وتركيز الثروة في أيدي قلة، وإغراق البلدان النامية بالديون الثقيلة والحروب الأهلية التي شكلت مصدرا مهما لتجارة السلاح، وتهجير وإبادة تلك الشعوب ولاسيما في الشرق الأوسط وإفريقيا . وهي تجربة مريرة مرَّت بها شعوب العالم الكادحة ومازالت تقاومها من خلال نهوض الطبقة العاملة وجماهير الكادحين في مختلف بلدان العالم، من أجل تحسين أوضاعها المعيشية والثقافية، كما تجلَّت في انتفاضات وثورات شعوب البلدان الرأسمالية المتطورة وثورات شعوب امريكا اللاتينية وشعوب المنطقة العربية ضد الأنظمة التي سارت في طريق الفساد والخصخصة وإفقار الشعوب 

السمات الاساسية لأزمة النظام الرأسمالي الراهنة هي ازدياد حدة الاستقطاب الطبقي وتركزالثروة، علي سبيل المثال: 1% من سكان العالم يملكون اكثر من48% من الثروة العالمية، في حين أن النصف الفقير من سكان العالم يملك 1% من ثروة الأرض. وفي حين زادت ثروة اغنياء العالم من 117 ترليون دولار عام 2000م  الي 263 ترليون دولار سنة 2013م، تنامت مستويات الفقر وعدم المساواة والهوة بين الأغنياء والفقراء. كما انتعشت تجارة الحرب منذ اعلان حلف الاطلسي الحرب في سوريا والعراق ضد " داعش"، وانتعشت شركات تصنيع معدات الفضاء وتجهيزات طائرات التجسس، فقد اعلن "البنتاغون" الامريكي أن تكلفة القتال ضد "داعش" تكلف 7,6 مليون دولار يوميا!!،  اضافة لانخفاض اسعار النفط  مما ادي علي سبيل المثال الي فقدان اسواق دول الخليج 103 مليار دولار خلال اسبوع واحد عقب عيد الاضحي الماضي، من السمات ايضا الأزمة الأخيرة التي ضربت الإقتصاد الصيني..

وبعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط تجارب الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا ازدادت شراسة أمريكا وحلفائها من اجل السيطرة الاقتصادية والعسكرية علي العالم ، حتي اصبحت تنفق 40% من مجموع ماينفق العالم علي التسليح، وهي اهم بائع سلاح في العالم...

وهذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت داخل كل دولة حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين تعيش أغلبية السكان علي الهامش مثال: في امريكا 1% من السكان يملكون 40% من الثروة، وفي بلد متخلف كالسودان 94% من السكان يعيشون تحت خط الفقر ، 10% يستحوذون علي اكثر من 60% من ثروة البلاد

.. هذ ويقف العالم الآن علي شفا جرف هار من جراء: التهديد النووي، والجوع والامراض والحروب الاهلية والهجرة والنزوح في بلدان العالم الثالث، التهديد البيئي(دفن النفايات النووية واتساع ثقب الاوزون..الخ)، مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، اضافة لأزمة البطالة(بلغت في الدول الرأسمالية المتطورة اكثر من اربعين مليون عاطل عن العمل، وفي الدول الاشتراكية السابقة دفعت عودة الرأسمالية اكثر من 37 مليون الي البطالة اضافة الي انهيار ذريع في اجور العاملين الفعلية ومستوي معيشتهم اضافة لمصادرة الحريات).

اما في العالم الثالث فتشير الاحصائيات الي أن اكثر من 800 مليون انسان يعانون من الجوع والبؤس، و16 مليون طفل يموتون كل عام من الجوع أو من أمراض غير قابلة للشفاء أو من الحروب الأهلية.هذا اضافة للنمو السرطاني للفساد المرتبط بالافراط في تداول المال واقتصاد السوق

دور نمط الإنتاج الرأسمالي في الهجرة ونهب موارد الشعوب:

منذ بزوغ نمط الإنتاج الرأسمالي ، إرتبط التراكم البدائي لرأس المال بنهب فائض القيمة  من العاملين ونهب ثروات الشعوب في بلدان المستعمرات. كانت بداية  التراكم الرأسمالي بعد إكتشاف امريكا مرتبطة باختطاف الالاف من مواطني  أفريقيا وتهجيرهم للعمل كارقاء في مزارع القطن ومناجم الذهب، وإبادة الشعوب الأصلية في الامريكتين " الهنود الحمر"، هذا التراكم البدائي لرأس المال هو الذي دشن الفجر الوردي لنمط الإنتاج الرأسمالي كما وصفه ماركس في مؤلفه "رأس المال".  كما انبثقت من نمط الإنتاج الرأسمالي الحركات العنصرية  والدينية المتطرفة مثل: الفاشية والنازية والصهيونية، وحركة الأخوان المسلمين التي نشأت بدعم من بريطانيا، ودعم أمريكا وبقية الدول الرأسمالية في حربها ضد الإتحاد السوفيتي السابق المجاهدين الأفغان، وبقية الحركات الدينية المتطرفة بعد ثورات الشعوب العربية بهدف تصفيتها واغراقها في بحار من الدماء كما حدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا وقبل ذلك في السودان..الخ.

وكان من نتائج ذلك الهجرة الواسعة مثل ماحدث في المانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بسبب سياسة هتلر النازية والقمعية  الذي اباد الالاف من الشيوعيين والمعارضين للنازية ، ومارس التطهير العرقي لليهود ..الخ.

كما ساندت الدول الرأسمالية الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية ودعمتها في تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين وما نتج عن ذلك من تهجير وإبادة الشعب الفلسطيني.

وبعد نهاية الحرب الباردة طرحت امريكا سياسة الفوضي الخلاقة في منطقة الشرق الاوسط ، واحتلت العراق وشجعت الصراعات الدينية بين السنة والشيعة والحركات الدينية الارهابية ضد النظام السوري والثورة المصرية والتونسية..الخ، ومن أهداف امريكا وحلفائها التي تتدخل في المنطقة بحجة الحرب علي الارهاب، السيطرة علي الثروات البترولية لمنطقة الشرق الاوسط وضمان وجودها فيه باعتباره منطقة استراتيجية لمحاصرة روسيا والصين..الخ، وتقسيم تلك البلدان وتحطيم جيوشها الوطنية بمساندة حركات وعصابات " الإسلام السياسي" كما حدث في السودان.

وكان من نتائج العولمة الرأسمالية اندلاع الحروب الأهلية في الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض بلدان آسيا ، وتمزيق وحدة تلك البلدان وتشجيع تجارة السلاح ونهب ثروات البترول وتدمير الكنوز والآثار التاربخية ، وإثارة الكراهية الدينية والعنصرية، وتدفق ملايين اللاجئين إلي البلدان المجاورة وأوربا. وعلي سبيل المثال البلدان التي تعاني من جحيم الحرب الاهلية والنزوح والهجرة هي : العراق، سوريا، ليبيا ، الصومال، جنوب شرق تركيا، ونيجريا..الخ.

أما في السودان فقد ازداد لهيب الحروب الأهلية بعد إنقلاب الأخوان المسلمين في 30 يونيو 1989م واتسعت من جنوب السودان لتشمل دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان، وكان من نتائجها تمزيق وحدة الوطن وانفصال الجنوب بتشجيع من امريكا التي تعاون معها الاخوان المسلمون في ذلك، وكان من نتائج تلك الحروب الهجرة الداخلية والخارجية والقصف المستمر في جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق ودارفور اضافة لحرق القري ومنع وصول الاغاثة للمتضررين، وغير ذلك من مآسي الحرب الأهلية.

ومن الأمثلة علي الهجرة والنزوح في منطقة الشرق الأوسط أشارت صحيفة  " اندبدنت" البريطانية  في تقريرها الأخير إلي أن نصف الشعب السوري الذي بلغ تعداده 23 مليون نسمة  اصبح مشردا، منهم 4 ملايين لجأوا إلي الدول المجاورة. فضلا عن 2,5 مليون عراقي هربوا من جحيم " داعش"، و 1,5 مليون من جنوب السودان منذ بدء القتال في 2013م..الخ. وكان من الطبيعي أن يبحث اللاجئون في سوريا وغيرها عن مكان اكثر إستقرارا ، والهروب إلي اوربا.

وخلاصة الأمر أن الرأسمالية المعاصرة في سبيل نهمها المستمر للارباح شجعت تجارة السلاح ودعمت الحركات الدينية والعنصرية المتطرقة لقمع ثورات الشعوب التي تهدد مصالحها، اضافة الي أن من نتائج العولمة الرأسمالية الهجرة والنزوح بسبب الحروب الأهلية ، وتجارة البشر والرقيق " كما تمارس داعش ذلك" ، وتجارة المخدرات والجنس والاعضاء البشرية، حتي دخل العالم الآن في مرحلة البربرية.

وبالتالي لابد من مواصلة النضال الجاري الان امام ابصارنا لشعوب العالم  من اجل تغيير هذا الواقع البربري والوحشي وضمان العدالة الإجتماعية وتوفير احتياجات الجماهير الأساسية، ومن أجل توفير المأوي للاجئين وضمان حقهم في العمل والسكن والعلاج والتعليم.  

       alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء