الغش الإعلامي لا ينتج دولة دينية جديدة

 


 

صلاح شعيب
16 November, 2019

 

 

يشهد الناس منذ بدء تشكيل السلطة الجديدة أنها ولدت بلا لسان حكومي. فالإعلام الرسمي ما يزال غير مسير بفرسانه الثوريين. فقوانين النظام السابق المعنية بالخدمة المدنية ما تزال تحكمنا، ولا تستطيع الوزارة المعنية، أو حتى مجلس الوزراء تغييرها، أو تجاوزها بقرارات ثورية عاجلة. وعلى مستوى القطاع الخاص فمعظم الملاك، ورؤساء التحرير، هم مناصرو النظام السابق. وإذا لم يكونوا مناصرين فإن غالبهم كان متوائما مع الأوضاع السابقة، ولا يعنيهم في كثير شئ تغييرها نحو الأفضل، خصوصا إذا كان التغيير بثورة تقلب عاليها سافلها. وإذا لم يكن هؤلاء الإعلاميون متوائمين مع سياسة قيادة المؤتمر الوطني للبلاد آنذاك فإنهم كانوا يصدرون من موقع استقلالية باردة كأن يحث أحدهم المتظاهرين بألا يخربوا، وبالمقابل أن تقوم قوات الأمن بواجبها في حماية ممتلكات المواطنين. ووقتذاك قرأنا مقالات صحافية لرؤساء تحرير - برغم ادعاء الاستقلالية - تشجب ضعف الحكومة في مواجهة المتاريس التي شيدها الثوريون بجوار جمهورية النفق، أو عند لفة الكلاكلة. ومنهم من كان يخوف الناس بمصير سوريا، والصومال، وليبيا.

الآن لا يستطيع أحد أن ينافس قنوات الفلول المؤسسة بملايين الدولارات، ولا صحفهم التي ما تزال تملكها رؤوس النظام السابق. إذن انتهينا إلى وضع يسيطر فيه إعلاميا أبواق النظام السابق، بل بلغت الجرأة بهم مبلغا، إذ يسفهون، ويتفهون، الثورة التي جعلتهم أحرارا في نقد حمدوك، وغلت يد الأمن من اعتقال، وتعذيب المعارضين، وجعلت كل مواطن سوداني يمشي مرفوع الرأس في الداخل، ويقول ما يقول دون أن يعتقله أحد.
فقنوات الفلول الفضائية تمارس في وضح النهار أجنداتها المعاكسة للثورة، وتحسن التخطيط لتقويض الوضع الجديد. فهي مسنودة بخطط تحريرية تستهدف شيطنة دعاة التغيير، وقادته، والوزراء، وتصورهم بأنهم يسعون لهدم الدين، أو استجلاب القيم المناقضة لمجتمعنا. في الحوارات الفضائية التي يديرها إعلاميو المرحلة السابقة نلاحظ وضع السم في الدسم، وإثارة الفتن بين مكونات التغيير، وبمتابعة مانشيتات الصحف نلاحظ محاولات ذكاء لضرب أسس التغيير. أما المقالات فمعظمها تتوافق مع تقدير السيد وزير الإعلام بأن ٩٠ من المئة من الإعلام الحالي معادٍ للثورة.
المساحة الوحيدة التي تنهزم فيها فلول النظام ممدودة في الإعلام الإلكتروني الذي من خلاله استطاع "مناضلو الكيبورد" أن يهزموا كتائب إعلام المؤتمر الوطني العام، والخاص. بل ما تزال الحركة الإسلامية بمختلف مركباتها الحزبية، وفلولها ضعيفة في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لكسب المعركة، أو إقناع الناس بفكرها، أو بإعادة إنتاج مشروعها. ومع ذلك لم يستسلم فلول النظام فتراهم يبثون الشائعات، والأكاذيب، وتدبيج المواد التحريرية المفبركة، والمقالات البائسة منهجا، وفكرا، وهدفا.
نعتقد أن مختلف إعلام الدولة في تراجع مستمر، والمستقبل للإعلام الاليكتروني الذي يعمق الفكر الحر أكثر فأكثر، وستنشأ قنوات فضائية حرة تنشر الوعي. أما صحف الإسلاميين فستتراجع، وتبور كونها لا تملك فكرا يخاطب جذور الأزمات، أو يقنع المواطن بإعادة إنتاج الدولة الدينية بشكل جديد. والسؤال هو إذا كانت الحركة الإسلامية قد فشلت بإمكانيات الدولة الإعلامية، وملايين الدولارات التي أسست بها إعلاما مقروءً، ومسموعا، ومشاهدا، في حيازة عقل وقلب المواطن السوداني، فكيف تستطيع عرقلة التغيير نحو الديموقراطية، والعودة بتجربة حكم جديدة؟
على الإسلاميين أن يستوعبوا الدرس، فهم لن يستطيعوا إقناع السودانيين بحكم البلاد مرة ثانية سواء بالديموقراطية، أو الانقلاب. وذلك ببساطة شديدة فهم لا يملكون فكرة جديدة في هذا العصر الرقمي بخلاف الغش السياسي، والديني معا.


shuaibmedia@yahoo.com

 

آراء