الفدرالية هي الحل؟
إبراهيم سليمان
16 April, 2024
16 April, 2024
كتب إبراهيم سليمان: الفدرالية هي الحل؟
"الفدرالية أو الاتحادية، هي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية أو حكومة فدرالية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة."
ليس لدينا أدني شك أن الحكومات المتعاقبة منذ فجر الاستقلال تدرك أنّ الفدرالية هي الأنسب لحكم البلاد، المترامي الأطراف، المتعدد المكونات، والمتنوع الثقافات، لكن لشيء في نفس المركز، يعلمه الجميع، ظلت النخبة المركزية تلوح بهذا الخيار أحياناً، وترفعه كشعار أجوف في معظم الفترات، وتلتف حوله لتفرغه من محتواه، لتظل الأقاليم محيضة الجناح، لا حول ولا صلاحية فعلية لها، يحفى حكام الولايات في دروب وزارة المالية، للحصول على البند الأول من الاستحقاقات المالية لولاياتهم، من جملة الواردات الداخلة الخزانة المركزية، أو استجداء سند سياسي، مفقود في ولاياتهم.
كافة حركات التمرد تثير ضد الحكومات المركزية، بسبب الظلم التراكمي واحتكار الثروة والسلطة، وبديهيا، عندما يتم تقسم الثروة والسلطة بصورة مرضية، وبصلاحيات متكافئة، تمّكن الأقاليم من البت في شؤونها وتقرير ما يناسبها تشريعياً وتنفيذياً في إطار الدولة الاتحادية، بلا شك أن هذه الوضعية، ستحرق كروت الشعور بالغبن، وتخلق الإحساس بالخصوصية الثقافية، وتتيح فرص حقيقية للحكم الذاتي، بعيداً عن الاستبداد المركزي المستفز.
في ظل الحكم الفدرالي، الصلاحيات التشريعية، تمكن مواطني الإقليم من البت بين خياريّ دولة الشريعة أو الدولة العلمانية، وهما الخياران الأكثر جدوليةً، ظلتا قيد المزايدة السياسية لفترات طويله، وهنالك كيانات سياسية، ظلت تستميت في محاولات فرض خيار الشريعة الإسلامية أو الدولة العلمانية، على الجميع لعقود، وما زالت دون أن تتراجع قيد أنملة عن أحدى الخيارين.
ومن المعلوم بديهياً، استحالة تطبيق الحكم الفدرالي، بعيداً عن الممارسة الديمقراطية، التي تمكن مواطني الأقاليم من اختيار ممثليهم في الأجهزة التشريعية والتنفيذية بحرية ودون وصاية، وبالطبع، لن تكون هذه الممارسة مثالية، في ظل الصلاحيات المعنوية والإدارية الواسعة للإدارات الأهلية والبيوتات الطائفية. بمعنى أن الحكم الفدرالي، يحتاج تأسيس انتقالي لوضع دستور يناسب هذه الخطوة.
في ظل تقاسم الصلاحيات السيادية، لابد من وضع خارطة برامجية متوازنة، لراديو "هناــ أمدرمان، والتلفزيون القومي، بدلاً عن تقزيم مداهما البثي لصالح الأجهزة الإعلامية والثقافية الإقليمية،
مزايا الحكم الفدرالي
يجمل الأكاديمي العراقي د. احسان عبد الهادي النائب مزايا الحكم الفدرالي فيما يلي:
1 ــ ان النظام الفيدرالي قادر على توحيد دول ذات نظم متغايرة ومتباينة في دولة واحدة، بل يصفه البعض بأنه يمكن تطبيقه على قارة بأسرها.
2 ــ يعمل هذا النظام على التوفيق بين مزايا الدولة الموحدة ومزايا الدولة المركبة. فهو اذ يحتفظ بوحدة الدولة كشخصية دولية واحدة، يمنح في الوقت نفسه بعض الاستقلال الداخلي للوحدات أو الولايات. لذلك أنه يجمع بين عاطفتي الاستقلال والاتحاد معا.
3 ــ يعتبر هذا النظام حقلا واسعا للتجارب في الأنظمة السياسية، والإدارية المختلفة، نظرا لتعدد واختلاف نظام كل وحدة من الوحدات المكونة لهذا الاتحاد. ومن ثم فأن القوانين والنظم التي تثبت نجاحها في احدى الوحدات أو الولايات المتحدة يمكن تطبيقها والاستفادة منها في الولايات الأخرى.
4 ــ هذا النظام يفسح الاتحاد الاختياري بشروط متكافئة، دون اللجوء إلى أساليب القوة والقسر. فسيطرة الحكومة الاتحادية على المصالح العامة، وترك المسائل المحلية لتحلها الأقاليم أو المقاطعات أو الولايات بنفسها.
5 ــ ان هذا النظام يساعد على تطبيق الديمقراطية تطبيقا عمليا على مساحات واسعة، وخصوصا من ناحية سعة المشاركة السياسية.
6 ــ ان النظام الفيدرالي للحكم يخلق فعالية في نفوس ذوي المصالح المختلفة، وتتمكن المناطق الصغيرة من محاولة إجراء تجاربها في نطاق محلي، اذ ان الوحدات أو الأقاليم الأعضاء تتنافس دائما مع بعضها، للتنافس اثر محفز، وان تبادل التجربة يعزز من التقدم ويساعد على تجنب التطورات غير المرغوب بها.
7 ــ النظام الفيدرالي يساعد على منع حدوث ما يهدد كيان الدولة من جراء المنازعات التي قد تنشب بين القوميات والنزاعات المختلفة في الدولة، من حيث السيطرة المتبادلة والاعتبار المتبادل، والإلزام على السعي للوصول إلى تسويات، كلها عوامل تمنع أو على الأقل تعيق المواقف المتطرفة.
8 ــ النظام الفيدرالي يخفف الواجبات الكثيرة الملقاة على عاتق الحكومة المركزية.
9 ــ ان تقسيم البلاد إلى أقاليم أو مقاطعات فيدرالية يضمن وجود العديد من المراكز الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما يمكن تطوير خصائص إقليمية وتاريخية واقتصادية وثقافية أو الحفاظ عليها وتطويرها بشكل اعمق، وهذا التنوع قد يقود إلى حرية اكبر.
10 ــ وعلى صعيد توزيع السلطة، فيتم استكمال التوزيع الأفقي للسلطة بتوزيع عمودي لها.
11 ــ النظام الفيدرالي يتوافق بشكل خاص مع الدول ذات المساحات الواسعة والنزاعات والظروف المختلفة، أو الدول التي يكون سكانها منقسمين جغرافيا أو عرقيا أو غير ذلك من الانقسام، والذين يمكن جمعهم سياسيا في حال إعطاء كل منها حكما ذاتيا محليا.
12 ــ في ظروف خاصة يكون النظام الفيدرالي ذا فائدة كبيرة، فهو يشجع على تنمية الروح القومية والروح الاتحادية معا.
تطبيق الحكم الفدرالي في السودان ما بعد الحرب، يطلب بالضرورة إعادة ترسيم الأقاليم بحيث يصبح جبال النوبة إقليماً منفصلا عن كردفان الكبرى، والنيل الأزرق منفصلا عن الإقليم الأوسط، وإيجاد عاصمة فدرالية بديلة للخرطوم المترهلة عمرانياً، والنرجسية ثقافيا، فقد أصبحت رمزاً للاستبداد ومحورا لفشل الدولة السودانية.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 145//
"الفدرالية أو الاتحادية، هي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية أو حكومة فدرالية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة."
ليس لدينا أدني شك أن الحكومات المتعاقبة منذ فجر الاستقلال تدرك أنّ الفدرالية هي الأنسب لحكم البلاد، المترامي الأطراف، المتعدد المكونات، والمتنوع الثقافات، لكن لشيء في نفس المركز، يعلمه الجميع، ظلت النخبة المركزية تلوح بهذا الخيار أحياناً، وترفعه كشعار أجوف في معظم الفترات، وتلتف حوله لتفرغه من محتواه، لتظل الأقاليم محيضة الجناح، لا حول ولا صلاحية فعلية لها، يحفى حكام الولايات في دروب وزارة المالية، للحصول على البند الأول من الاستحقاقات المالية لولاياتهم، من جملة الواردات الداخلة الخزانة المركزية، أو استجداء سند سياسي، مفقود في ولاياتهم.
كافة حركات التمرد تثير ضد الحكومات المركزية، بسبب الظلم التراكمي واحتكار الثروة والسلطة، وبديهيا، عندما يتم تقسم الثروة والسلطة بصورة مرضية، وبصلاحيات متكافئة، تمّكن الأقاليم من البت في شؤونها وتقرير ما يناسبها تشريعياً وتنفيذياً في إطار الدولة الاتحادية، بلا شك أن هذه الوضعية، ستحرق كروت الشعور بالغبن، وتخلق الإحساس بالخصوصية الثقافية، وتتيح فرص حقيقية للحكم الذاتي، بعيداً عن الاستبداد المركزي المستفز.
في ظل الحكم الفدرالي، الصلاحيات التشريعية، تمكن مواطني الإقليم من البت بين خياريّ دولة الشريعة أو الدولة العلمانية، وهما الخياران الأكثر جدوليةً، ظلتا قيد المزايدة السياسية لفترات طويله، وهنالك كيانات سياسية، ظلت تستميت في محاولات فرض خيار الشريعة الإسلامية أو الدولة العلمانية، على الجميع لعقود، وما زالت دون أن تتراجع قيد أنملة عن أحدى الخيارين.
ومن المعلوم بديهياً، استحالة تطبيق الحكم الفدرالي، بعيداً عن الممارسة الديمقراطية، التي تمكن مواطني الأقاليم من اختيار ممثليهم في الأجهزة التشريعية والتنفيذية بحرية ودون وصاية، وبالطبع، لن تكون هذه الممارسة مثالية، في ظل الصلاحيات المعنوية والإدارية الواسعة للإدارات الأهلية والبيوتات الطائفية. بمعنى أن الحكم الفدرالي، يحتاج تأسيس انتقالي لوضع دستور يناسب هذه الخطوة.
في ظل تقاسم الصلاحيات السيادية، لابد من وضع خارطة برامجية متوازنة، لراديو "هناــ أمدرمان، والتلفزيون القومي، بدلاً عن تقزيم مداهما البثي لصالح الأجهزة الإعلامية والثقافية الإقليمية،
مزايا الحكم الفدرالي
يجمل الأكاديمي العراقي د. احسان عبد الهادي النائب مزايا الحكم الفدرالي فيما يلي:
1 ــ ان النظام الفيدرالي قادر على توحيد دول ذات نظم متغايرة ومتباينة في دولة واحدة، بل يصفه البعض بأنه يمكن تطبيقه على قارة بأسرها.
2 ــ يعمل هذا النظام على التوفيق بين مزايا الدولة الموحدة ومزايا الدولة المركبة. فهو اذ يحتفظ بوحدة الدولة كشخصية دولية واحدة، يمنح في الوقت نفسه بعض الاستقلال الداخلي للوحدات أو الولايات. لذلك أنه يجمع بين عاطفتي الاستقلال والاتحاد معا.
3 ــ يعتبر هذا النظام حقلا واسعا للتجارب في الأنظمة السياسية، والإدارية المختلفة، نظرا لتعدد واختلاف نظام كل وحدة من الوحدات المكونة لهذا الاتحاد. ومن ثم فأن القوانين والنظم التي تثبت نجاحها في احدى الوحدات أو الولايات المتحدة يمكن تطبيقها والاستفادة منها في الولايات الأخرى.
4 ــ هذا النظام يفسح الاتحاد الاختياري بشروط متكافئة، دون اللجوء إلى أساليب القوة والقسر. فسيطرة الحكومة الاتحادية على المصالح العامة، وترك المسائل المحلية لتحلها الأقاليم أو المقاطعات أو الولايات بنفسها.
5 ــ ان هذا النظام يساعد على تطبيق الديمقراطية تطبيقا عمليا على مساحات واسعة، وخصوصا من ناحية سعة المشاركة السياسية.
6 ــ ان النظام الفيدرالي للحكم يخلق فعالية في نفوس ذوي المصالح المختلفة، وتتمكن المناطق الصغيرة من محاولة إجراء تجاربها في نطاق محلي، اذ ان الوحدات أو الأقاليم الأعضاء تتنافس دائما مع بعضها، للتنافس اثر محفز، وان تبادل التجربة يعزز من التقدم ويساعد على تجنب التطورات غير المرغوب بها.
7 ــ النظام الفيدرالي يساعد على منع حدوث ما يهدد كيان الدولة من جراء المنازعات التي قد تنشب بين القوميات والنزاعات المختلفة في الدولة، من حيث السيطرة المتبادلة والاعتبار المتبادل، والإلزام على السعي للوصول إلى تسويات، كلها عوامل تمنع أو على الأقل تعيق المواقف المتطرفة.
8 ــ النظام الفيدرالي يخفف الواجبات الكثيرة الملقاة على عاتق الحكومة المركزية.
9 ــ ان تقسيم البلاد إلى أقاليم أو مقاطعات فيدرالية يضمن وجود العديد من المراكز الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما يمكن تطوير خصائص إقليمية وتاريخية واقتصادية وثقافية أو الحفاظ عليها وتطويرها بشكل اعمق، وهذا التنوع قد يقود إلى حرية اكبر.
10 ــ وعلى صعيد توزيع السلطة، فيتم استكمال التوزيع الأفقي للسلطة بتوزيع عمودي لها.
11 ــ النظام الفيدرالي يتوافق بشكل خاص مع الدول ذات المساحات الواسعة والنزاعات والظروف المختلفة، أو الدول التي يكون سكانها منقسمين جغرافيا أو عرقيا أو غير ذلك من الانقسام، والذين يمكن جمعهم سياسيا في حال إعطاء كل منها حكما ذاتيا محليا.
12 ــ في ظروف خاصة يكون النظام الفيدرالي ذا فائدة كبيرة، فهو يشجع على تنمية الروح القومية والروح الاتحادية معا.
تطبيق الحكم الفدرالي في السودان ما بعد الحرب، يطلب بالضرورة إعادة ترسيم الأقاليم بحيث يصبح جبال النوبة إقليماً منفصلا عن كردفان الكبرى، والنيل الأزرق منفصلا عن الإقليم الأوسط، وإيجاد عاصمة فدرالية بديلة للخرطوم المترهلة عمرانياً، والنرجسية ثقافيا، فقد أصبحت رمزاً للاستبداد ومحورا لفشل الدولة السودانية.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متّحدة ــ العدد ــ 145//