القضايا النسوية والعقول الطالبانية! (1) ضمانة المرأة لدي الأجهزة الشرطية والقانونية والعدلية
بثينة تروس
4 September, 2021
4 September, 2021
عطفاً على ما نقله الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي حول قرار مكتب وزير العدل المعنون الي الأستاذة خديجة الدويحي وهي إحدى المستنيرات المدافعات عن حقوق المرأة والانسان بتميز، نجد ان فحوى الموضوع (قبول ضمان المرأة لدي الاجهزة الشرطية والقانونية والعدلية) يحتاج الي وقفة تدارسية، بعد الاحتفاء بهذا القانون وبالمجهودات العدلية المتميزة لوزير العدل نصر الدين عبدالباري والجهات التشريعية، في اتجاه تعديل قوانين الحقوق الأساسية للمرأة في الفترة الانتقالية، وكذلك التقدير للجهود النسوية المطلبية.
القانون بموجبه يحق للمرأة الضمان - أي كفالة المتهم - في أي قضية طالما انها مكتملة لشروط الاهلية القانونية، أي أن تنال الحق المتساوي مع الرجل في الضمانة.. ما يوجب التدارس هنا: هل القانون يعد انجازا حقيقيا ام أنه أمرٌ متوهمٌ صعب النفاذ، يظل قشرةً خارجيةً لا علاقة له بمواقع هيئات تنفيذ القرار والمجال العام؟ من البديهي تأخر سن هذا القانون حتي بعد ثورة ديسمبر المجيدة، لأسباب تتعلق بالحكومة الدينية للإخوان المسلمين التي حكمت البلاد لثلاثين عام بالفهم السلفي للدين، وبمرجعية الشريعة الإسلامية التي تقوم على قوامة الرجال على النساء، إذ الرجل قيم علي المرأة ومسئول عنها وعن تأديبها وتقويمها بحسب قوله تعالى (الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( صدق الله العظيم، لذلك كان من الطبيعي ألا يحق للمرأة ان تكون كافلاَ او ضامناَ لامرأة اخرى ، وان كان هذ الفهم خلق ازدواجية في معايير الحقوق الأساسية، واسفر عن تعارض بادي للعيان في فكر الاخوان المسلمين والسلفيين بصورة عامة، ورؤيتهم لحقوق المرأة في الإسلام، ومن ثم ظهرت المعالجات الملتوية باستخدام الدين لأغراض السياسة، ففي حين ان المرأة لا تستطيع الكفالة في المحاكم، نجد ان هنالك قاضيات يرفضن شهادة الرجال لدي المحاكم! ومن المفارقات أيضا انهم اجازوا للقانونيات من الاخوات المسلمات، من أمثال المستشارة القانونية بدرية سليمان تشريع قوانين ما سمي (بالشريعة الإسلامية) لتحكم به جميع البلاد، تلك القوانين التي جلد وأهين بموجبها النساء والرجال، وتم فيها إقامة حد السرقة والقطع من خلاف، والتي اشتهرت باسم قوانين سبتمبر 1983.
والجدير بالذكر ان جهود وزراه العدل في عهد ما بعد الثورة لا تزال تقيدها عقابيل وظلال الفهم الطالباني المتهوس في مرجعية حقوق المرأة، فتجدها في هذا القرار بعكس القرارات الاولى التي سعت لإلغاء قوانين النظام العام، وتجريم زواج الطفلات، وختان الاناث، الشيء الذي يستوجب التساؤل، هل هو تقليد قانوني متبع؟ ام هي ردة عن مشروع الثورة ومطالب الثوار بقيام الدولة الحديثة وتحكيم دستور المواطنة المتساوية؟ ام هي ترجمة لفوقية القوانين التي لا تؤمن بمشروعيتها الجهات العدلية نفسها؟ فلقد رافق قانون ضمانة المرأة لدي الأجهزة الشرطية والقانونية والعدلية الصادر من وزارة العدل، منشور اخر من إدارة التشريع موجه لوزير العدل، ورد فيه تعريف الضمان اصطلاحاً (استخدمه علماء الشريعة في عدة معاني منها الكفالة، التعويض، وتحمل تبعية الهلاك، وقد استدل الفقهاء على مشروعيته بما يلي: "قوله تعالي في سورة يوسف: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) قال بن عباس الزعيم هو الكفيل. وقال رسول الله (ص) (الزعيم غارم أي كفيل ضامن) كما ان الفقه الإسلامي حدد شروط الضامن التي تقتصر على الاتي: (أ) ان يكون كامل الاهلية. (ب) ان يكون اهل للتبرع لان الكفالة من عقود التبرعات. (ج) ان يكون الضامن برضا الضامن.) انتهي.. و/ ع / تشريع / المستشار العام للتشريع محمد عثمان الرحيمة 15 أغسطس 2021
هل كنا نحتاج لهذا الفقه والاجتهاد الديني حقاً! وهو في أحسن تقدير بجانب ضحالته الفقهية، اجتهاد تضعفه مواجهة آيات صحيحة من القران في القوامة، ويفتح أبواب اجتهادات اخرى وفهوم من الشريعة تأكد انه (لن يفلح قوم ولّوا امرهم امرأة) بما في ذلك منصب القضاء! رواه البخاري عن حديث عبد الرحمن بن ابي بكرة عن والده. وبدلاً عن اجتهاد ابن عباس رضي الله عنه ففي اية المساواة من اعراف المجتمعات متسع في قوله تعالي (ولهن مثل الذي عليهن، بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)، كما ان ذلك الفقه مواجه بحال المسلمين عامة، سنة وشيعة، ومعضلة الاتفاق حول فهم النص الديني، والدعوة الي التجديد الديني، والالتفاف حول مشروع نهضة ديني! وتتمظهر بوضوح حول قضية المرأة وقوانين الأحوال الشخصية غير المرضية للنساء في جميع الدول الاسلامية! ووفقا لهذه القوامة يتم جواز ضرب النساء، واغتصابهن وسبيهن وبيعهن في معارك الجهاد المتوهمة بينهم! وعدم مساواتهن امام القانون، وتقف شاهدا على ذلك تجربة حكم الاخوان المسلمين في السودان، ودولة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق (داعش)، وتجارب طالبان في أفغانستان، والشباب في الصومال وبوكو حرام في نيجيريا...الخ
اما كان من الأجدر في دولة دفع الشباب مهر الحكم المدني بدمائهم الطاهرة، التماس الحلول القانونية من متن الدستور والابتعاد عن تزييفه، لما له من خاصية مساواة الرجل والمرأة امام القانون وامام الله، والمفاضلة القانونية من واقع المرأة الحداثوي والتجربة النضالية العريضة، التي نلن فيها حقوق قانونية ومجتمعية وسياسية، بعيدا عن الجدليات الفقهية لرجال الدين الذين عجزوا عن إيجاد حلول من داخل الدين لحل التعارض البادي بين مكتسبات النساء، وحقوقهن في الشريعة الإسلامية، والاتيان بفهم ديني ومعالجات فكرية نصوصية تواجه مشاكل إنسانية اليوم.
علي الأرجح ان ارجاع قانون ضمان الكفالة للفقه سوف يجهض القانون في مهده.. لذلك لن نصاب بالدهشة إذا تم تعويقه لعدة أسباب منها اذ لم يتم توضيح فقرة اساسية لو اكتملت جميع شروط الاهلية المذكورة في التشريع أعلاه.. فهل يحتمل النص القانوني جواز كفالة المرأة للرجل كذلك، قريبا كان او أجنبيا عنها، إذا ارتضى الطرفان ذلك؟! وهل تم أي تنوير بخصوص تنفيذ القانون والتعريف به داخل الاروقة القانونية والشرطية والعدلية، والإعلامية، حتى يعينوا على خلق راي عام سمح، يمهد لتنفيذ واحترام القانون وما تضمنته الوثيقة الدستورية في تطبيق العدالة دون استهتار؟!
tina.terwis@gmail.com
القانون بموجبه يحق للمرأة الضمان - أي كفالة المتهم - في أي قضية طالما انها مكتملة لشروط الاهلية القانونية، أي أن تنال الحق المتساوي مع الرجل في الضمانة.. ما يوجب التدارس هنا: هل القانون يعد انجازا حقيقيا ام أنه أمرٌ متوهمٌ صعب النفاذ، يظل قشرةً خارجيةً لا علاقة له بمواقع هيئات تنفيذ القرار والمجال العام؟ من البديهي تأخر سن هذا القانون حتي بعد ثورة ديسمبر المجيدة، لأسباب تتعلق بالحكومة الدينية للإخوان المسلمين التي حكمت البلاد لثلاثين عام بالفهم السلفي للدين، وبمرجعية الشريعة الإسلامية التي تقوم على قوامة الرجال على النساء، إذ الرجل قيم علي المرأة ومسئول عنها وعن تأديبها وتقويمها بحسب قوله تعالى (الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( صدق الله العظيم، لذلك كان من الطبيعي ألا يحق للمرأة ان تكون كافلاَ او ضامناَ لامرأة اخرى ، وان كان هذ الفهم خلق ازدواجية في معايير الحقوق الأساسية، واسفر عن تعارض بادي للعيان في فكر الاخوان المسلمين والسلفيين بصورة عامة، ورؤيتهم لحقوق المرأة في الإسلام، ومن ثم ظهرت المعالجات الملتوية باستخدام الدين لأغراض السياسة، ففي حين ان المرأة لا تستطيع الكفالة في المحاكم، نجد ان هنالك قاضيات يرفضن شهادة الرجال لدي المحاكم! ومن المفارقات أيضا انهم اجازوا للقانونيات من الاخوات المسلمات، من أمثال المستشارة القانونية بدرية سليمان تشريع قوانين ما سمي (بالشريعة الإسلامية) لتحكم به جميع البلاد، تلك القوانين التي جلد وأهين بموجبها النساء والرجال، وتم فيها إقامة حد السرقة والقطع من خلاف، والتي اشتهرت باسم قوانين سبتمبر 1983.
والجدير بالذكر ان جهود وزراه العدل في عهد ما بعد الثورة لا تزال تقيدها عقابيل وظلال الفهم الطالباني المتهوس في مرجعية حقوق المرأة، فتجدها في هذا القرار بعكس القرارات الاولى التي سعت لإلغاء قوانين النظام العام، وتجريم زواج الطفلات، وختان الاناث، الشيء الذي يستوجب التساؤل، هل هو تقليد قانوني متبع؟ ام هي ردة عن مشروع الثورة ومطالب الثوار بقيام الدولة الحديثة وتحكيم دستور المواطنة المتساوية؟ ام هي ترجمة لفوقية القوانين التي لا تؤمن بمشروعيتها الجهات العدلية نفسها؟ فلقد رافق قانون ضمانة المرأة لدي الأجهزة الشرطية والقانونية والعدلية الصادر من وزارة العدل، منشور اخر من إدارة التشريع موجه لوزير العدل، ورد فيه تعريف الضمان اصطلاحاً (استخدمه علماء الشريعة في عدة معاني منها الكفالة، التعويض، وتحمل تبعية الهلاك، وقد استدل الفقهاء على مشروعيته بما يلي: "قوله تعالي في سورة يوسف: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) قال بن عباس الزعيم هو الكفيل. وقال رسول الله (ص) (الزعيم غارم أي كفيل ضامن) كما ان الفقه الإسلامي حدد شروط الضامن التي تقتصر على الاتي: (أ) ان يكون كامل الاهلية. (ب) ان يكون اهل للتبرع لان الكفالة من عقود التبرعات. (ج) ان يكون الضامن برضا الضامن.) انتهي.. و/ ع / تشريع / المستشار العام للتشريع محمد عثمان الرحيمة 15 أغسطس 2021
هل كنا نحتاج لهذا الفقه والاجتهاد الديني حقاً! وهو في أحسن تقدير بجانب ضحالته الفقهية، اجتهاد تضعفه مواجهة آيات صحيحة من القران في القوامة، ويفتح أبواب اجتهادات اخرى وفهوم من الشريعة تأكد انه (لن يفلح قوم ولّوا امرهم امرأة) بما في ذلك منصب القضاء! رواه البخاري عن حديث عبد الرحمن بن ابي بكرة عن والده. وبدلاً عن اجتهاد ابن عباس رضي الله عنه ففي اية المساواة من اعراف المجتمعات متسع في قوله تعالي (ولهن مثل الذي عليهن، بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)، كما ان ذلك الفقه مواجه بحال المسلمين عامة، سنة وشيعة، ومعضلة الاتفاق حول فهم النص الديني، والدعوة الي التجديد الديني، والالتفاف حول مشروع نهضة ديني! وتتمظهر بوضوح حول قضية المرأة وقوانين الأحوال الشخصية غير المرضية للنساء في جميع الدول الاسلامية! ووفقا لهذه القوامة يتم جواز ضرب النساء، واغتصابهن وسبيهن وبيعهن في معارك الجهاد المتوهمة بينهم! وعدم مساواتهن امام القانون، وتقف شاهدا على ذلك تجربة حكم الاخوان المسلمين في السودان، ودولة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق (داعش)، وتجارب طالبان في أفغانستان، والشباب في الصومال وبوكو حرام في نيجيريا...الخ
اما كان من الأجدر في دولة دفع الشباب مهر الحكم المدني بدمائهم الطاهرة، التماس الحلول القانونية من متن الدستور والابتعاد عن تزييفه، لما له من خاصية مساواة الرجل والمرأة امام القانون وامام الله، والمفاضلة القانونية من واقع المرأة الحداثوي والتجربة النضالية العريضة، التي نلن فيها حقوق قانونية ومجتمعية وسياسية، بعيدا عن الجدليات الفقهية لرجال الدين الذين عجزوا عن إيجاد حلول من داخل الدين لحل التعارض البادي بين مكتسبات النساء، وحقوقهن في الشريعة الإسلامية، والاتيان بفهم ديني ومعالجات فكرية نصوصية تواجه مشاكل إنسانية اليوم.
علي الأرجح ان ارجاع قانون ضمان الكفالة للفقه سوف يجهض القانون في مهده.. لذلك لن نصاب بالدهشة إذا تم تعويقه لعدة أسباب منها اذ لم يتم توضيح فقرة اساسية لو اكتملت جميع شروط الاهلية المذكورة في التشريع أعلاه.. فهل يحتمل النص القانوني جواز كفالة المرأة للرجل كذلك، قريبا كان او أجنبيا عنها، إذا ارتضى الطرفان ذلك؟! وهل تم أي تنوير بخصوص تنفيذ القانون والتعريف به داخل الاروقة القانونية والشرطية والعدلية، والإعلامية، حتى يعينوا على خلق راي عام سمح، يمهد لتنفيذ واحترام القانون وما تضمنته الوثيقة الدستورية في تطبيق العدالة دون استهتار؟!
tina.terwis@gmail.com