القطة السوداء
19 July, 2009
الذين يحلمون بانخفاض الاسعار في السودان ، اسعار أي منتج مهم من سلع اوخدمات حتي و لو كانت الكهرباء ، التي بني من اجلها السد ، الذي هتفت به جماهير بانه ( الرد .. الرد... ) ، و الذي وجه في افتتاحه رئيس الجمهورية بتخفيض أسعار الكهرباء و تم تحديد الاول من يوليو 2009 الجاري موعدا لذلك التخفيض ، الذين يحلمون بذلك هم كمن يبحثون عن قطة سوداء في غرفة مظلمة ( بلا كهرباء ) في الوقت الذي لا توجد أي قطة هناك. تلك حكاية معروفة في التراث الشعبي الروسي اقتبستها لتدليل علي استحالة انخفاض الاسعار او رفع المعاناة ( عن كاهل الجماهير ). الاسعار ترتفع كل يوم و هذا امر موثق و لا يحتاج لدليل اثبات. صدر التقرير الخاص بمعدلات التضخم للنصف الاول من العام 2009 من الجهاز المركزي للاحصاء و هو جهاز حكومي رسمي. اوضح التقرير ان الاسعار في عموم الولايات الشمالية قد ارتفعت بمعدل 10.1% للفترة المرصودة مقارنة بنظيرتها من العام السابق. اما التضخم بولاية الخرطوم فقد وصل الي 15.5% ، يلاحظ ان هذا الرقم الكبير الذي يتجاوز التقديرات الرسمية للموازنة العامة يأتي مع ركود اقتصادي و نقص في السيولة مما يعني بوضوح انه ناتج عن زيادة التكاليف و لا علاقة له بارتفاع الدخول. اذا استمرت معدلات التضخم بتلك الوتيرة مع ثبات الدخول او تراجعها فسيجد الناس أنفسهم في فقر مدقع لا جائر لهم منه الا الله.
السبب في ارتفاع مستويات الاسعار هو ارتفاع " بعض السلع المهمة في الانفاق لدي المستهلك .." ، ارتفعت اسعار مجموعة الطعام و الشراب بما فيها اللحوم و الخضروات و الفواكه و البن و الشاي و المشروبات المرطبة و الزيوت و الدهون. كل تلك المعلومات حسب تقرير الجهاز المركزي للاحصاء الذي اشار الي ارتفاع سلع و خدمات اخري منها التعليم حيث ارتفعت نسبته من 17.5% في مايو الي 20.7% في يونيو و الصحة من 8.2% الي 9% و الملابس و الاحذية من 8.9% الي 10.9% ، علما بان اسعار الدواء قد زادت بنسبة 10% و هو رقم يحدثك به أي صيدلي في الخرطوم . الامر لم يتوقف علي ذلك بل طال تكاليف الحج الي بيت الله الحرام الذي زادت تكاليف ن حوالي خمسة الاف جنيه العام الماضي الي حوالي ثمانية الاف لهذا العام بالطيران كما ان نسبة الزيادة محفوظة للحجاج عبر البحر. اما الكهرباء فهذا شيء اخر ، فقد فسرت الهيئة القومية للكهرباء امر التخفيض بانه يعني الفئة المدعومة اصلا و التي تحدد للقطاع السكني ب 200 كيلو واط ، رغم ان توجيه رئيس الجمهورية كان واضحا بان التخفيض سيكون بنسبة 25% للقطاع السكني و 30% للزراعي و الصناعي و التجاري دون تحديد شريحة للتخفيض ، و لكن هذا السلوك من اهم جوانب الابداع في السياسة العامة في السودان. سبق ان كتبنا عن شرائح او فئات تسعير الكهرباء و اوردنا نماذج لها من ضمنها تونس و مصر و سوريا و قد خلصنا الي ان اسعار الكهرباء في السودان هي الاعلي بين تلك الدول و من اغلاها في دول العالم قاطبة، كان ذلك المقال بمناسبة افتتاح سد مروي و الذي تمنينا ان يعود بالخير علي السودان بتخفيض اسعار الكهرباء و بالتالي الحد و لو نسبيا من تكاليف الانتاج و قلنا ان انخفاض تكاليف الانتاج سيكون خيرا علي المواطنين ، منتجين و مستهلكين و خيرا علي الدولة بزيادة الضرائب نتيجة لزيادة معدلات الدخول و ارتفاع تنافسية الصادرات السودانية ( غير البترولية ) . لكن يبدو ان كل ذلك غير مفهوم و غير مهم في السودان و انما المهم هو زيادة الجباية المالية حتي في احلك الظروف. و يبدو ان من يجيد ذلك هو الاكثر شطارة و يستحق التحفيز، رغم ان ذلك يتعارض بشكل صريح مع القوانين الاقتصادية. نتمني للذين يبحثون عن القطة السوداء ان تصلهم كهرباء باسرع وقت حتي يعلموا ان لا وجود للقطة التي يبحثون عنها.