القوى السياسية والخروج من الشرنقة

 


 

 

أن القوى السياسية غابت عن الساحة السياسية بعد إطلاق الطلقة الأولى في الحرب الدائرة، كإنما الأحزاب تريد أن تقول للجماهير يجب أن يحل العسكر مشكلة الحرب ثم يأتي دورنا نحن القوى المدنية لكي نتسلم منهم مفاتيح السلطة. أن حالة السكون السياسي التي تعيشها البلاد تجاوبا مع شعارات قديمة كانت تطلقها قوى اليسار العربي ( لا يعلو صوت فوق صوت المعركة) الهدف من الشعار؛ أن تمنع أي رآي مخالف لها، خاصة القوى الديمقراطية التي كانت تعتقد أن مشكلة المنطقة هي النظم الديكتاتورية التي ضيقت مساحات الحرية. بإعتبار أن الحرية هي البيئة الخصبة لنمو القدرات الإبداعية، و هي التي تهيء لبروز وعي جديد في المجتمع.
الحرب الدائرة الآن بين القوات المسلحة و مليشيا الدعم السريع، قد عطلت العقل السياسي الذي كان 75% من قدراته معطلة، حيث كانت القيادات السياسية في كل خطاباتها و لقاءاتها التلفزيونية و الصحفية توصف للحالة السياسية في البلاد، و عجزت أن تقدم أي أفكار جديد تستطيع أن تخلق واقعا جديدا من خلال طرح الأسئلة التي تعتقد أنها سوف تحدث حوارا فكريا في المجتمع، لكن للأسف أن القيادات السياسية وقفت قدراتها أمام السلطة، و كيفية الوصول لها كهدف إستراتيجي، هذا الموقف بالضرورة سوف يؤدي إلي موقف مضاد. هذا السلوك الرغائبي جعلها تقف على حافة الماء الراكد، عاجزة عن قذف حجر فيه لتحريك الساكن. أن الأزمة و الحرب كليهما لا يمكن أن يحل بأجندة عسكرية، بل الحل يجب أن يكون سياسيا. لكن السؤال: هل القوى السياسية بعد هذه التجربة القاسية على الشعب السوداني سوف تجعل القوى السياسية تفيق و تدرك أن التحول الديمقراطي لا يصنع باوراق الثقافة الشمولية؟
أن المرحلة تحتاج إلي كارزمات سياسية و اجتماعية قادرة أن تقدم أفكارا أو مشروع سياسي لعملية التحول الديمقراطي، لكي تفتح به حوارا مع كل القوى السياسية في البلاد كخطوة جديدة تتجاوز بها خلافات الماضي. أن الحرب أكدت أن طرق الصراع الصفري سوف يتضرر منها كل الشعب السوداني. و الحكمة تقتضي أن نتجاوز الأجندة السابقة التي أدت للحرب. هذه الخطوة تحتاج للقيادات التي لديها استعداد أن تضخ أفكارا في الساحة السياسية، المرحلة لا تحتاج إلي توصيف للحالة كما كانت تمارسها القيادات السياسية. و أهم خطوة أن تبتعد الخطابات السياسية عن التخوين و الاتهامات لكي تهييء البيئة للحوار السياسي الذي يضمن الاستقرار السياسي و الاجتماعي في السودان. و هذا الخطوة تستطيع أن تنجزها القيادات التي لها سعة الصدر و فتح الذهن و قبول الرآي الأخر مهما كان الخلاف مع الآخرين. و الاتفاق على مقترحات تقدم لوقف الحرب.
إذا كانت النخبة السياسية عجزت أن تستوعب تجارب الماضي و تتجاوزها، الآن التجربة أشد قسوة و ألما التي تجعل الكل يعيد النظر في طريقة تفكيره، فالواقع الجديد يجب أن يفتح العديد من منافذ الحوار بين كل القوى السياسية و المدنية و المجتمعية، فالديمقراطية لا تصنع إلا بشروطها و أدواتها، بعيدا عن الإقصاء و العزل و الصراع الصفري، فالحوار السياسي و قبول رآب الأخر وحده هو الذي يساعد على تجاوز المحنة، المطلوب هو إسقاط الإرث و الموروث السياسي و الثقافي الذي قاد للفشل عقود. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////////

 

آراء