الكارثة الطبيعية في السودان ولغو الحكومة (1-2)

 


 

 

قال أحد المتأثرين بنكبة السيول في السودان إن المواطنين العزل يواجهون ويلات النكبة في غياب جلل للحكومة. واختياره ل"عزل" بليغ في خلو يدهم من مُعين على النائبات كخلو يد الواحد من السلاح في وجه من جاءه مدججاً به. وهو مع ذلك غياب حرفي بمعنى هام. فيعيش السودان لقرابة العام في ظل حكومة تصريف أعمال من وكلاء الوزرات. وبلغ من سخط الناس على الحكومة الخفية أن لم يقبلوا أي ذكر لوالي الولاية الشمالية في اجتماع لهم بالفريق ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، وأعادوا في منطقة المناقل طاقم تلفزيون جمهورية السودان من حيث أتي متأخراً جداً.
وكان تواري الدولة أثراً مما يعرف بتجويف الحكومة. وهي إفراغها من وظائف خدمة المحكومين إفراغاً يجعل منها صدفة فارغة. فتستأثر بالحكومة دوائر منها لشوكة سلاحها أو أخرى لأن تصريف المال بيدها. ولذا ساغ عن الجيش عندنا وعند كثير غيرنا قول بعضهم إنه إذا كان للأمة جيشاً فلمثل جيشنا أمة. وسنرى كيف صارت المصلحة الحكومية القائمة بأمر مورد الذهب السوداني حكومة في حد ذاتها.
كانت السيول التي ضربت ست ولايات من ولايات السودان الست عشر مما حذرت منه هيئة الإرصاد الجوية منذ يونيو. فقالت إن البلاد ستشهد موسماً غزير المطر تنتج منه سيول قد تضرب معظم الولايات. ووقع المحذور منه. فراح ضحية له 89 مواطناً، وانهار 19926 منزل كلياً، وتهدم 3258 منزل، وتحطم 63 مرفقاً حكومياً، وتأثرت بالخراب 66 ألف أسرة، وهلك الزرع في 2730 ألف فدان، ونفقت مئات الحيوانات.
ولما سجلت الحكومة هذا الغياب المشهود لم تكف بيروقراطيتها عن عوائدها المتوارثة. فأخذت تعلن ك"منطقة كوارث" ولاية منكوبة بعد ولاية منكوبة. وهي ما التقطته منذ فيضانات وسيول عام 1988 الكبرى من ممارسات دول غيرنا. واستغربت لمعارضين للحكومة ينادون مثلها بإعلان الولايات المتأثرة بالأمطار مناطق كوارث كأن في ذلك غناء. وكان مناطاً بهم كشف زيف مثل هذا الإعلان الذي هو حيلة عجز.
فالإعلان عن "منطقة كوارث" ترتيب حكومي تَهُب به الحكومة الفدرالية في مثل الولايات المتحدة لإسعاف الولاية المنكوبة متى عجزت بمواردها وحدها عن ملاقاة كارثة ألمت بها. فمثل هذا الإعلان عندنا "كلام ساكت" في قولنا. فلم يكن بيد الولاية المنكوبة أصلاً موارد استنفدتها لتستنجد بمركز فدرالي في الخرطوم خلا وفاضه هو نفسه من مؤسسة مواردها مدخرة لمثل هذا اليوم. فقال أحد المتأثرين بالسيول في اليوم التالي للكارثة إن حكومة ولايتهم "تبرعت" لهم بأربعين مليون جنية. وعلق قائلاً إن ما تبرعت به الولاية لا يكفي لصيانة دورة مياه. فلم تدخر الولاية مثلاً خيماً حتى لمثل هذا اليوم. فتبيت أسر كثيرة بعد أسبوع من الكارثة في العراء أو في خيم متواضعة تبرع بها أهل الخير.
وكان إعلان المناطق المنكوبة "مناطق كوارث" صرخة في واد الحكومة الفدرالية. فلم تكن بأفضل جاهزية من الولايات المستغيثة. فليس في الدولة مؤسسة من تلك التي تُغاث فتغيث. فالدفاع المدني قاصر على إجراءات محدود في إطفاء الحريق وإنقاذ الملهوفين في الظروف العادية.
لم يأمر الفريق ركن عبد الوهاب البرهان بأي اعتمادات اسعافية من حكومته إلى تاريخه. وكان بين أهله في الوسط النيلي حين مسهم ضر السيول. فاستعان بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة التي "تبرعت" باثنين ترليون جنيه أمام المتضررين وبحضوره. وأثار هذا التبرع في بلد رئيس مجلس السيادة احتجاجاً ونقاشاً يتصل بتدارك الطوارئ مؤسسياً لا كفاحاً. فما تأثرت مناطق أخرى بالسيول حتى استنكر أهلها حظوة منطقة البرهان بما لم يحظوا هم به. فسارعت الشركة بتبرعات أخرى لهذه المناطق رفعاً للحرج عنها. واضطر وزير الموارد المعدنية لتسجيل اعتراضه على ما رآه استنزافاً لموارد وزارته. فقال إن إنفاق وزارته من مال المسؤولية المجتمعية قاصر على المناطق المنتجة للذهب حين تتأثر بالسيول وليس أي منطقة أخرى.

IbrahimA@missouri.edu
/////////////////////////////

 

آراء