اللغة والحب هذه الأيام
د. أحمد الخميسي
11 October, 2021
11 October, 2021
ahmadalkhamisi2012@gmail.com
على أيامنا، أعني في الستينيات، كنا نصف البنات الحلوات بقولنا : " قمر 14"، أو " سنيورة"، وفي أقصى أنواع التجديد الجريء كنا نقول : " البنت دي صاروخ "! وكانت نصف قصص الحب تدور همسا في مكالمات التليفون الأرضي في الليل، أما اللقاءات فكانت تتم في حديقة الأسماك، أو الحديقة الفرعونية. وكانت دموعنا تسيل بحرارة مع لبني عبد العزيز وعبد الحليم في فيلم " الوسادة الخالية"، ونرتج بالبكاء مع عماد حمدي في فيلمه " بين الأطلال"، ونكتب الخطابات على أوراق ملونة. الآن، بعد نصف قرن، أجد أن قصص الحب ولغته قد اختلفت، وصارت شيئا آخر تماما. هذا مفهوم ومنطقي، لكنه يظل مدهشا بالنسبة لي، وأظل أتوقف متعجبا من قولهم عن البنت الحلوة : " مزة "، وقول البنات عن الأولاد : " ولد مز"! أنظر إلى الشباب ولا أفهم وأسأل وأستفسر بل وأفتح المعاجم فأجد الفعل العربي الصحيح " مـز " ، " يمز " أي استحسن الشيء، وجاء أن أهل الشام يقولون: هذه خمرة مزة ، أي ممتازة ! أتعجب كيف تنتقل الكلمة من المعاجم إلى الحياة والاستخدام اليومي خاصة عند جيل علاقته ضعيفة باللغة وأصولها! وفي اعتقادي أن لغة الحب تتبدل وتختلف متوافقة مع درجة التقدم الاجتماعي والاكتشافات العلمية والثقافية، فلم يكن ممكنا لأبناء جيلنا أن يقولوا عن البنت إنها " صاروخ" لو لم يكن الصاروخ على أيامنا اكتشافا باهرا. الآن اختفت الخطابات من قصص الحب، وحل محلها " واتس آب"، وأيقونات مرسلة تصور القلوب الحمراء، وعبارات موجزة، وما سنجر، وايميلات، وقد غير كل ذلك من لغة الحب، وأوصافه، ووسائل التعامل معه. لكن يبقى السؤال: هل بدلت تلك الوسائل من الطابع الرومانسي للحب؟ هل دفعت قصص الحب إلى أقبية ومخازن النظرة الواقعية، حين لا يرى الشاب في الفتاة سوى امرأة صالحة للزواج أو غير صالحة؟ هل اختفت قصة " عايدة وكمال" التي نسجها نجيب محفوظ في الثلاثية؟ هل اختفى الحب الذي أجرى دموعنا في الستينيات وحل محله حب آخر من نوع جديد، بمفهوم جديد؟. الحق أني لا أدري بالضبط، لكن ثمت قصصا تشتعل من حين لآخر، تؤكد كلها أن رومانسية العلاقة العاطفية إحدى مكونات القلب الأساسية، وأنها لا تزول، وأن كل ما حولها من لغة وإشارات قد يتبدل، لكن تبقى هذه الزهرة البديعة حية، وأقرب مثال على ذلك ما قرأته في الصحف منذ أيام قليلة عن انتحار شاب وفتاة في يوم واحد ، هي في الخامسة عشرة وهو أكبر منها بعامين لأن الأهل فرقوا بينهما! أليست هذه الطبعة المصرية من روميو وجولييت التي كتبها شكسبير من نحو أربعمئة عام؟ . والواضح أنه قد تتبدل اللغة والظروف والأجيال والمفاهيم، وتبقى زهرة الحب تنبت في حدائقها، هناك حيث الحلم بالمستحيل، والتوحد، والعاطفة التي لا يحدها شيء.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري
/////////////////////////
على أيامنا، أعني في الستينيات، كنا نصف البنات الحلوات بقولنا : " قمر 14"، أو " سنيورة"، وفي أقصى أنواع التجديد الجريء كنا نقول : " البنت دي صاروخ "! وكانت نصف قصص الحب تدور همسا في مكالمات التليفون الأرضي في الليل، أما اللقاءات فكانت تتم في حديقة الأسماك، أو الحديقة الفرعونية. وكانت دموعنا تسيل بحرارة مع لبني عبد العزيز وعبد الحليم في فيلم " الوسادة الخالية"، ونرتج بالبكاء مع عماد حمدي في فيلمه " بين الأطلال"، ونكتب الخطابات على أوراق ملونة. الآن، بعد نصف قرن، أجد أن قصص الحب ولغته قد اختلفت، وصارت شيئا آخر تماما. هذا مفهوم ومنطقي، لكنه يظل مدهشا بالنسبة لي، وأظل أتوقف متعجبا من قولهم عن البنت الحلوة : " مزة "، وقول البنات عن الأولاد : " ولد مز"! أنظر إلى الشباب ولا أفهم وأسأل وأستفسر بل وأفتح المعاجم فأجد الفعل العربي الصحيح " مـز " ، " يمز " أي استحسن الشيء، وجاء أن أهل الشام يقولون: هذه خمرة مزة ، أي ممتازة ! أتعجب كيف تنتقل الكلمة من المعاجم إلى الحياة والاستخدام اليومي خاصة عند جيل علاقته ضعيفة باللغة وأصولها! وفي اعتقادي أن لغة الحب تتبدل وتختلف متوافقة مع درجة التقدم الاجتماعي والاكتشافات العلمية والثقافية، فلم يكن ممكنا لأبناء جيلنا أن يقولوا عن البنت إنها " صاروخ" لو لم يكن الصاروخ على أيامنا اكتشافا باهرا. الآن اختفت الخطابات من قصص الحب، وحل محلها " واتس آب"، وأيقونات مرسلة تصور القلوب الحمراء، وعبارات موجزة، وما سنجر، وايميلات، وقد غير كل ذلك من لغة الحب، وأوصافه، ووسائل التعامل معه. لكن يبقى السؤال: هل بدلت تلك الوسائل من الطابع الرومانسي للحب؟ هل دفعت قصص الحب إلى أقبية ومخازن النظرة الواقعية، حين لا يرى الشاب في الفتاة سوى امرأة صالحة للزواج أو غير صالحة؟ هل اختفت قصة " عايدة وكمال" التي نسجها نجيب محفوظ في الثلاثية؟ هل اختفى الحب الذي أجرى دموعنا في الستينيات وحل محله حب آخر من نوع جديد، بمفهوم جديد؟. الحق أني لا أدري بالضبط، لكن ثمت قصصا تشتعل من حين لآخر، تؤكد كلها أن رومانسية العلاقة العاطفية إحدى مكونات القلب الأساسية، وأنها لا تزول، وأن كل ما حولها من لغة وإشارات قد يتبدل، لكن تبقى هذه الزهرة البديعة حية، وأقرب مثال على ذلك ما قرأته في الصحف منذ أيام قليلة عن انتحار شاب وفتاة في يوم واحد ، هي في الخامسة عشرة وهو أكبر منها بعامين لأن الأهل فرقوا بينهما! أليست هذه الطبعة المصرية من روميو وجولييت التي كتبها شكسبير من نحو أربعمئة عام؟ . والواضح أنه قد تتبدل اللغة والظروف والأجيال والمفاهيم، وتبقى زهرة الحب تنبت في حدائقها، هناك حيث الحلم بالمستحيل، والتوحد، والعاطفة التي لا يحدها شيء.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري
/////////////////////////