المؤتمر الاقتصادي: خبر سار

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

umsalsadig@gmail.com

 

قبل يومين في طريقي من بيتي في بحري لبيتنا في الملازمين مررت بمشهد انفطر له قلبي وآلمني حد الألم- فقد رأيت رجلا مكفيا على نفسه محاولا اطعامها من جوع يقتات على زبالة على جانب الطريق.
مثل هذا المشهد القاتل لجوعى لا يجدون ما يسدون به رمقهم مسئوليتنا جميعا مجتمعا وحكومة ولا يجب أن تسمح ضمائرنا بأن يكون فينا من يقتات على الزبالة.
يتزامن هذا المشهد مع المؤتمر الاقتصادي الذي كانت لحظتها تجري فعالياته على بعد كيلومترات قليلة هي المسافة بين بحري والخرطوم، في محاولة لعمل شيء في هذا الملف المهم ، الذي تتوقف عليه فرصة الخروج بالثورة التي روتها الدماء الشابة الى بر الأمان.
ما يفعله هذا الرجل ليس بدعا فكثيرون غيره للأسف لا يجدون لقمة عيش كريمة وكثيرا ما تقابلنا مثل هذه المشاهد الصادمة للضمائر الحية، لكنه لا شك أن حدوثه تزامنا مع المؤتمر الاقتصادي يبرز بوضوح المسئولية الكبرى الملقاة على عاتق الجميع والتي نأمل أن يجد المؤتمر الاقتصادي المنعقد في الفترة ما بين 26-28 سبتمبر الجاري في قاعة الصداقة تحت شعار "نحو الاصلاح الشامل والتنمية الاقتصادية المستدامة" لها مخرجا وحلولا.
قيام المؤتمر الاقتصادي استحقاق تفرضه الوثيقة الدستورية وقد كان مقدرا له بحسب مصفوفة قوى الحرية والتغيير لبرنامج الحكومة الانتقالية أن يقوم منذ يونيو 2019 وقد تأخر انعقاده لأسباب شتى لكنه الآن قد قام فنحمد الله على ذلك، فإن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي.
لابد من قول أن مجرد النجاح في عقد هذا المؤتمر يشكل عتبة مهمة ولا يستطيع الانسان الا أن يشعر بالفخر على ما أتاحه من حوار مفتوح وشفاف ومذاع تابعه السودانيون في كل مكان بما مثّل تمرينا ديمقراطيا فريدا بالنسبة لكثير من الدول التي حولنا.
كان حوارا مباشرا جمع بين مكونات الدولة كلها من حكومة تنفيذية ومجلس سيادي ، الحرية والتغيير، اتحاد أصحاب العمل، الخبراء والأكادميون و المختصون ولجان المقاومة والجهات ذات الصلة عبر عشر جلسات ناقشت السياسات المالية والنقدية وتوظيف الشباب وناقشت توصيات 18 ورشة قطاعية متعمقة سبقت المؤتمر بمشاركة مختصون الى جانب جلسات حوارية حول الدعم وأنواعه واشكالاته.بالتركيز على السياسات المالية والنقدية وتوظيف الشباب وغيرها من المواضيع ذات الصلة .
وقد اشتمل اليوم الأول على خمس جلسات:
الأولى(الافتتاح وعرض البرنامج والأهداف وشكل المؤتمر) ترأسها بروف عبدالمحسن مصطفى صالح رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر خاطبها ممثل للجنة التحضيرية وممثل لقوى الحرية والتغيير وممثل لاتحاد أصحاب العمل وممثل للجان المقاومة ولحركات الكفاح المسلح ورئيس مجلس السيادة.
الجلسة الثانية ( الاطار العام للدولة التنموية الديمقراطية ومكونات برنامج الحكومة الانتقالية وأولوياتها) ترأسها دكتور محجوب محمد صالح وقدم الورقة السيد رئيس الوزراء أعقبها نقاش عام.
الجلسة الثالثة: عمل لجنة الطواريء الاقتصادية وملخص توصياتها قصيرة ومتوسطة المدى ترأستها دكتورة سامية النقر وقدمها مقرر لجنة الطواريء.
الجلسة الرابعة: الانتقال الى آفاق الانتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل (ملخص توصيات المؤتمرات والورش القطاعية ) ترأسها دكتور عمر الفكي محافظ مشروع الجزيرة قدمها ممثل الوزارة .
الجلسة الخامسة: الانتقال الى آفاق الانتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل (بقية توصيات الورش القطاعية)ترأسها دكتور صدقي كبلو
اشتمل اليوم الثاني على جلستين:
السادسة موضوعها السياسة المالية والتخطيط الاقتصادي خلال الفترة الانتقالية(مرتكزات وأهداف السياسة المالية والتخطيط الاقتصادي، تقليص الفجوة بين الايرادات والنفقات العامة وتمويلها، التخطيط التنموي خلال المرحلة الانتقالية)ترأسها دكتور صديق امبده وشارك في النقاش والتقديم دكتورة هبة احمد علي ،ممثل عن الحرية والتغيير، الصادق جلال –اتحاد أصحاب العمل ،ممثل لجان المقاومة ،ممثل الولايات أعقبها نقاش عام.
الجلسة السابعة: الدعم السلعي وبدائله /برنامج الدعم المضمن في موازنة 2020 المعدلة على نظام دافوس)ترأسها بروف عطا البطحاني (استعراض للواقع الاقتصادي الحالي بصورة علمية، تقديم توصيات ورشة الدعم وبدائله، بمشاركة من وزارة المالية، ممثل للحرية والتغيير، اتحاد أصحاب العمل ، ممثل جمعية حماية المستهلك، مدير مركز الأبحاث الانمائية-جامعة الخرطوم،ممثل لجان المقاومة أعقبها نقاش عام.
اليوم الثالث على ثلاث جلسات:
الجلسة الثامنة: السياسة النقدية والتمويلية وادارة سعر الصرف وميزان المدفوعات ترأسها دكتور طه الطيب أحمد وشارك في النقاش: محافظ بنك السودان، ممثل الأمانة العامة لاتحاد المصارف، ممثل سلطة أسواق المال وسوق الخرطوم للأوراق المالية، ممثل قوى الحرية والتغيير، ممثل لجان المقاومة، الجهاز المركزي للاحصاء، اتحاد أصحاب العمل.تقديم مخرجات : ورشة عمل التضخم وسياسة الصرف والاصلاح التشريعي للنظام المصرفي، ورشة عمل أسواق المال.
الجلسة التاسعة: حلقة نقاش دائرية حول الشباب والمسألة الاقتصادية بالتركيز على قضايا التشغيل والتدريب، تقديم مخرجات المؤتمر التحضيري الخاص بالشباب والاقتصاد ترأست الجلسة السيدة ولاء البوشي وشارك فيها : ممثل الشباب، ممثل وزارة الشباب، ممثل وزارة المالية، ممثل بنك السودان المركزي، ممثل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ممثل لجان المقاومة ،اتحاد أصحاب العمل.
الجلسة العاشرة: التوصيات والبيان الختالمي للمؤتمر ترأستها بروف فدوى عبدالرحمن علي طه (تقديم التوصيات،تسليم التوصيات وكلمة لكل من رئيس اللجنة التحضيرية ورئيس الوزراء.
التوصيات الآتية هي حصاد مؤتمر الثلاثة أيام:
تخفيض استيراد السلع الكمالية ،ترشيد سياسة الدولة تجاه المحروقات لصيانة البيئة وتخفيف العبء على الموازنة والميزان التجاري ، تبني دعم مباشر للمنتجين الصغار والحرفيين والتقليديين، التركيز على الدعم الذي يستهدف اهداف التنمية المستدامة، تأهيل المواصلات العامة وتطوير قطاع النقل، التركيز على الدعم الذي يستهدف أهداف التنمية المستدامة ، تحريك الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي في مشاريع انتاجية بتمويل أصغر ، زيادة الجهد الضريبي من 5% الى 20% مع زيادة الجمارك على السلع الكمالية،انتاج دقيق لا يصلح الا للخبز وزيادة نسبة الاستخلاص الى 87% ودعم انتاج الخبز المخلوط بجانب الدعم الذكي عبر تمويل طويل الأجل للبدائل المستدامة، ولاية وزارة المالية على المال العام واعادة الأموال المنهوبة واستقطاب مدخرات المغتربين واعادة دور الشركات المالية العامة ومعالجة قضايا معاش الناس الملحة، أهمية دور القطاع الخاص ووضع خطط متكاملة لكافة قطاع الاقتصاد ووضع رؤية اقتصادية تحافظ على تماسك ووحدة أبناءالشعب وايجاد حلول اسعافية واستراتيجية لمشكلات الاقتصاد خاصة الشباب، مكافحة الفقر والاهتمام بالاقتصاد الريفي وقضايا اللاجئين وادماج النازحين والعودة الطوعية، ضرورة انهاء الحروب وتحسين العلاقات الخارجية، وحدة الرؤية لمؤسسات حكومة الفترة الانتقالية واصلاح القطاع العسكري،والأمني وعودة النوافذ التقليدية للبنوك ،ضبط مصادر التوسع النقدي والتحكم في معدلات نمو عرض النقود بالحد من استدانة الحكومة في حدود متفق عليها، تحجيم تمويل الحكومة من المصارف وفق السياسات دون استثناء ، الالتزام ببرنامج مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب ومتابعة تنفيذها، تبني سياسة الدمج المصرفي ، ابتكار الوسائل الجاذبة لاستخدام أدوات الدفع غير النقدية لدعم التحول الى الاقتصاد الرقمي ، استقرار سعر الصرف بزيادة القدرة التنافسية للصادرات السودانية للسلع المصنعة بدلا من الخام، السيطرة على عمليات شراء النقد الأجنبي بواسطة الوحدات الحكومية وشركات الاتصالات ، ضرورة أخذ قرارات اقتصادية حاسمة وسريعة ومتابعة التنفيذ والاهتمام بقضايا معاش الناس،مراجعة دور الشركات الحكومية وشركات الامتياز للذهب.
هذه التوصيات التي تمخض عنها المؤتمر الاقتصادي أمر السيد رئيس الوزراء أن تكون متابعة تنفيذها بواسطة اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي تتحول للجنة متابعة .
السؤال المهم بالخصوص هل يستفيد السودان من خبراته السابقة فقد شهدت ذات قاعة الصداقة المؤتمر الاقتصادي الأول الذي يعد من أهم المؤتمرات الاقتصادية في تاريخنا المعاصر مؤتمر سياسات الاقتصاد الكلي والذي نظمه مركز الدراسات والبحوث الانمائية (جامعة الخرطوم) بالتعاون مع منظمة فردريش ايبرت في الفترة من 13-15 يناير 1986 بقاعة الصداقة بالخرطوم وقد لخص وزير المالية حينها دكتور بشير عمر مشكلات الاقتصاد السوداني كالآتي:
-تضخم منفلت وعجز في زياادة الايرادات.
-اختلال بين قدرة المجتمع على الادخار وحاجته موارد حقيقية اضافية للاستثمار.
-نقص الصادرات وتزايد الواردات.
-تراكم الدين الخارجي
تدني الانتاج والانتاجية ،تدني مستوى الأداء ،انهيار النظام والهيبة في الخدمة العامة
مقارنة هذا العرض للوضع الاقتصادي بعد مايو بالوضع الاقتصادي بعد يونيو نجد فيه تشابها يكاد يكون متطابقا لكن مع تعميق للوضع الذي ورثناه عن الانقاذ التي تفوقت على شمولية مايو باذكائها لروح القبلية وبخلقها لمليشيات مسلحة تتحكم في المال والاقتصاد وبإسائتها الكاملة للخدمة المدنية وبتدميرها لكل مشاريع القطاع العام وبتمكينها لقلة تمكنت وأقصت السودانيين الآخرين.
والآتية هي الأوراق المقدمة في المؤتمر الاقتصادي الأول في 1986:
الأولى: تحديد هوية الاقتصاد السوداني والاتفاق حول مفهوم واضح المقصود بالتنمية مع تحديد أدوار كل من القطاع الخاص والعام :اعداد وتقديم دكتور ابراهيم الكرسني.
الثانية: صندوق النقد الدولي والفوضى الاقتصادية في السودان:تجربة السوق السوداء تقديم بروف علي عبدالقادرو بروف محمد نورالدين.
الثالثة: سياسات الأسعار واستراتيجية دعم السلع: د. صديق عبدالمجيد صالح د. خالد عفان
الرابعة: السياسة المالية وةالنقدية في السودان تجربة الماضي ورؤية المستقبل تقديم دكتور عبدالمحسن مصطفى صالح.
الخامسة: ظاهرة عدم التوازن بين الأقاليم والعلاقة الاقتصادية بين المركز والأقاليم.
الورقة السادسة : كفاءة الجهاز التنفيذي الحالي لادارة دفة الاقتصاد خاصة على مستوى الوزارات والمصالح الحكومية.
هناك اختلافات أخرى بالنسبة للمعالجات والتوصيات المرجوة للخلاص فرفع الدعم في الثمانينات كان مربوطا تماما بروشتة البنك الدولي التي كانت تمثل وحشية النظام الرأسمالي لكن اليوم حدث تطور ايجابي في موقف البنك الدولي والمؤسسات التمويلية الأخرى شيئا ما نحو الاستجابة لما تطلبه الشعوب واليوم نحن محتاجون للمعالجات التي يقترحها البنك الدولي بشرط سودنتها وضمان أن تكون بأولوياتنا، ولا غنى عن التعامل مع المؤسسات التمويلية الدولية لاعفائنا من الديون التي راكمتها الشمولية وللمساعدة في اصلاحات هياكل الدولة وقوانينها لكي تشجع على الاستثمار .
لم يعد ممكنا تقديم الدعم بالصورة التي تفعلها الأنظمة الشمولية كرشاوى لا تعمل على اصلاح الحال ووجب علينا اليوم العمل بأكبر اجماع ممكن على توجيه الدعم الذي تقدمه الحكومة بذكاء يوظف الدعم في دعم صغار المنتجين ودعم الزراعة ومدخلات الانتاج والتعاون المجتمعي لامتصاص صدمة رفع الدعم بصورته المستحكمة الغباء التي تشجع تهريب السلع المدعومة الى دول الجوار دون أن يستفيد المواطن السوداني. ومن فوائد هذا المؤتمر تمليك هذه الحقائق بصورة مبسطة للشارع السوداني حتى يقف الجميع من خلف هذه القرارات التي من شأنها اصلاح الاقتصاد السوداني.
تفوق المؤتمر الاقتصادي الحالي على مؤتمر الثمانينات بورشه القطاعية المتخصصة لكن ذلك لا يبرر أن لا يعتبر مؤتمر الثمانينات هو الأول والحالي هو المؤتمر الاقتصادي الثاني لكي لا نعيد الأخطاء مرة ثانية ونستفيد من التجارب.
وسلمتم

 

آراء