المؤسسية كخطوة نحو الديمقراطية

 


 

امجد هرفي بولس
14 September, 2022

 

اطل الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ، علي الشعب السوداني عبر جهاز التلفاز ، ليلة اغتيال شهيد الفكر الاستاذ محمود محمد طه ، وقال في بيانه للأمة السودانية : انه قام بالبحث في كل كتب الشريعة والفقة والقانون ، لكي يجد مخرجا للأستاذ محمود ولكنه لم يجد .
ولم يكن يعلم الرئيس الراحل نميري ان قانون الردة لم يكن مدرجا في القانون الجنائي السوداني وقت اذاعته لبيانه هذا ، ووقت توقيع وتنفيذ الحكم علي الاستاذ بارتداده عن الإسلام.
وعندما يتأمل القاريء في هذه الرواية والتي عايشناها صغارا ، ثم تبينا ما فيها من ألم كبارا ، وتبين لنا معها مدي ضعف وهشاشة المؤسسات العدلية والدستورية في بلادنا . هذا بالإضافة الي الدمج المريع بين السلطات التنفيذية والتشريعية والعدلية دمجا يصعب الفكاك منه ، فها هو سيادة الرئيس ينصب نفسه قاضيا ويبحث في كل كتب القانون عن نص يخرج الاستاذ من محنته ، ولا يعلم سيادة الرئيس ان القانون الذي حكم به علي الاستاذ لا وجود له في نصوص قانون الجنايات السوداني ! الشيء الذي انتبه له الترابي لاحقا واضافه بعد استيلاء الجبهة علي الحكم في ١٩٨٩ .
عندما وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الي سدة الحكم . حبس العالم المتدن أنفاسه من مالات الأمور، اذا ما امسك بتلابيبها رئيس عنصري ومغرور مثل الرئيس ترامب .
في نفس الوقت كان العالم مطمئن الي مؤسسات الحكم الراسخة في الولايات المتحدة، والتي عملت ككابح وكصمام امان امام نزق الرئيس وتهوره، فخرجت الولايات المتحدة بعد أربع سنوات وأثار نزق الرئيس اقل بكثير مما كان سيكون عليه الأمر في حال عدم وجود هذه المؤسسات التشريعية والقضاءية الراسخة في الولايات المتحدة مثل الكونجرس ومجلس الشيوخ وغيرها من المؤسسات .
عبث الرئيس المخلوع عمر البشير بسوداننا الحبيب . زهاء ثلاثين عاما ، وأطلق يده يمنة ويسرا في حروب أهلية عبثية. لم يحصد السودان منها سوي الدمار و غير هذا المشهد البائس الماثل الان ، فلو كان للسودان مثل هذه المؤسسات الديمقراطية والتشريعية ألم يكن من الممكن أن تعمل علي كبح جماح ومجون هذا الرجل ؟
من حق القارىء الكريم ان يطرح الاعتراض الاتي : ان العسكر في السودان لا يمهلون الحكومات الديمقراطية من الزمن ما يكفيها لعمل وترسيخ مثل هذه المؤسسات الدستورية.
والواقع ان الواقع السوداني امر من ذلك ، فالمدنيون في الفترات الديمقراطية يضيعون جل وقتهم في الكيد السياسي والتناحر المضيع للوقت والوطن ، حتي ان حزب الأمة كان هو من قوض النظام الدستوري بتسليمه للسلطة للراحل ابراهيم عبود في الجولة الديمقراطية الاولي في البلاد .
الشيء الذي يقودنا الي ان احزابنا السودانية نفسها تفتقر للمؤسسية والديمقراطية بداخلها ، وأن ايمانها بالمؤسسية والديمقراطية في غاية الهشاشة والضعف ، فلم نجد زعيم حزب سوداني واحد تخلي عن زعامة حزبه قبل وفاته سوي ابراهيم الشيخ في المؤتمر السوداني.
فيا ليت هذا الشباب الثائر في شوارع السودان الان يستصحب معه رؤا واضحة ومطالبات صريحة بقيام مؤسسات دستورية وقانونية وتشريعية محايدة تعمل وفق دستور وقانون متفق عليه ، ومن المؤكد انه بقيام هذه المؤسسات ستقل شهوة العسكر للحكم والمغامرة ، وسيعلم الجنرال ان الانقلاب ليس مجرد الزج بالسياسيين في السجون ثم إذاعة بيان .
فعبر هذه المؤسسات الدستورية والعدلية يمكن أن يكون لهذا البيان ما بعده ، من مساءلات قضائية ودستورية تطال هذا الجنرال وصحبه بتهمة تقويض الحياة السياسة والدستورية في البلاد .
امجد هرفي بولس
wadharfee76@gmail.com

 

آراء