المتحولون عرقياً .. والمتحولون سياسياً !!

 


 

 

(1)

قبل سنوات و في رحلة بحث عن فرص التنقيب بإحدى دول جنوب غربي افريقيا؛ أخذني المرافقون المحليون الي مقر سلطان القبيلة . بحسب قوانين تلك الدولة فإن موافقة المجتمعات المحلية أمر حاسم في نيل إمتياز التنقيب.

رغم البروتوكولات التقليدية فإن مجلس السلطان كان عصرياً للغاية.

سأل السلطان من حوله من المساعدين ان كنت أجيد لغة الفلاتا ؛ فأجابوه بالنفي. رد السلطان بإستنكار مفتعل كيف يكون افريقيا وهو لا يجيد لغة الفلاتا.

ثم تحدث معي بالانجليزية على لكنة الرئيس بارك اوباما . لاحقاً عرفت بأنه يجيد العربية ايضا بجانب العديد من اللغات الحية.

الرجل ليس سلطاناً تقليدياً فحسب ، بل كان ترتيبه الثالث في دستور الدولة؛ بعد رئيس الجمهورية و رئيس البرلمان ، بجانب أنه رئيس و عضو مجالس إدارة عدد من الجامعات الافريقية.

صفة الفلاتي في الكثير من دول غرب و وسط غربي أفريقيا تعنى مسلم.

لذا فهي مصدر اعتزاز الناس هناك، و من حسن حظي انا واحد من المعتزين بتلك المجموعة العرقية الفاضلة.

 

(2)

عابني البعض على الإسراف في تناول معضلة الجهوية والعنصرية في السودان؛ لكن بتصوري ان لا شيء يحفز على الاستمرار في الدواء غير بقاء الداء .

و داء القبلية و الجهوية في السودان قد شارف مستوى كارثي يستدعي معه تدخل خبراء علم النفس الاجتماعي بالتزامن مع تشريعات قانونية لحماية المجتمع في كنف إلتزام سياسي صارم و تعاون وثيق من قبل منظمات المجتمع المدنى.

إلا و على العالم ان يعد نفسه لتكرار مشاهد رواندا ( لا سمح الله بها).

 

(3)

ليست من الصدفة ان يكون أكثر وزراء الداخلية الذين مروا على المملكة المتحدة في السنوات الاخيرة تشدداً تجاه المهاجرين من أصول غير بريطانية. وهما الوزيرة بريتي باتيل والتي شغلت المنصب في حكومة بوريس جونسون من عام 2019 حتى سبتمبر 2022. و هي صاحبة فكرة ترحيل طالبي اللجوء الي رواندا .

ثم الوزيرة سويلا برافرمان والتي لم تمكث في منصبها غير اسابيع في حكومة ليز تراس المنهارة.

الوزيرة برافرمان إستقالت بشكل أساسي بسبب إستخدام بريدها الخاص لعمل رسمي، لكن في خطاب إستقالتها ذكرت سبباً اضافياً وهو عدم إلتزام الحكومة بتعهداتها في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

المفارقة كلتاهما من الأصول الهندية المهاجرة.

حالة رفض من هم من أصول مهاجرة للاخرين تستدعي البحث و الدراسة السايكولوجيين.

 

(4)

بالمقال السابق عندما تمنيت تأسيس وزارة خاصة ل( التضامن الإجتماعي و تعزيز المواطنة) بغرض إعادة تلاحم لحمتنا الوطنية، مع اقتراح لإجراء فحص الحمض النووي لعدد معين بكل قبيلة من قبائل السودان لمقارنتها فيما بينها و مع نظيراتها في المحيطين العربي و الافريقي ، بغرض تبديد وهم التباين الذي يتمالك بعض السودانيين؛ غضب البعض.

بل اعتبروا الأمر نفسه دعوة للعنصرية.

فهو منطق معوج و معطوب. ربما ظن هؤلاء الناس بأنني اسعي الي نفي قرابة بعض السودانيين للسوريين أو اللبنانيين أو إثبات صلتهم بالإثيوبيين و النايجيريين.

ليس هذا أو ذاك ، انما الفحص سيعزز مدى قرابة السودانيين لبعضهم البعض.

مثلما تكرم احد المعلقين الظرفاء بالقول:  بإنه ليس فحصا ل(  HIV) انما فحص الحمض النووي (DNA) للغرض المذكور ثم لمعرفة من نحن و من نكون .!!

 

(5)

خلال السنوات الماضية مارس المتحولون سياسياً إستعداء غير مبرر تجاه تنظيماتهم السياسية السابقة.

للأسف فإن الأمر قد اصبح أكثر ضراوة لكن هذه المرة من قبل المتحولين عرقيا أو قبلياً.

دعكم عن التشبث بالكونغوليين أو السعوديين؛ فإن الكثير من السياسيين السودانيين الذين تصدروا الساحة من قبل، قد تحولوا من قبائلهم الأصلية الي قبائل اخرى( ظناً مريضاً منهم بأفضلية من تحولوا إليهم ، و لا يدرون ان جميع السودانيين من نبت واحد او متقارب على الأقل).

 

(6)

في الأسبوع الماضي عندما اصدرت دولة الأمارات العربية المتحدة قراراً بحظر تأشيرات معينة لرعايا عشرين دولة افريقية ، من ضمنها السودان ( وهو قرار سيادي من قبل إخوتنا بدولة الأمارات ، نحترمه و نتفهمه).

لكن السودانيين كعادتهم انقسموا الي فريقين - فريق غاضب لا لشيء غير ورود إسم السودان ضمن الدول الافريقية، بينما فريق آخر اجتاحه الفرح ، و مبعث ابتهاج الفريق الأخير ايضاً وضع اسم السودان ضمن قائمة الدول الافريقية، نكاية بسودانيين آخرين ، حتى ان كان المبهتجين هؤلاء متضررون من القرار الاماراتي.

 

دعونا نكون سودانيين فحسب - لا أفريقيين و لا شرق اوسطيين.

برأيي فإن هذا يكفي !!

 

 

د. حامد برقو عبدالرحمن

NicePresident@hotmail.com

 

آراء