المجتمع الدولي يدير ظهره للسودان

 


 

 

أحسن الله عزاءكم وغفر لميتكم ونسأل الله أن يلزمكم الصبر وشِدّوا حيلكم ... هكذا عندما يودع المعزون الأسرة المكلومة في فقدها، فلا يكون لهم شيئاً إلا من قبيل تلك الكلمات في المواساة، ثم تُترك الأسرة لتنطوي على أحزان الفقد. هذا بالضبط هو نصيب السودانيون من المجتمع الدولي في كارثة الحرب التي وجدوا أنفسهم في حمأتها دون أن يفهموا عملياً فيما كانت؟ وهل نصيبهم منها هو الناقة أم الجمل؟ ولقاء ماذا؟ أهي معركة في الشرف الوطني وإسترداد الكرامة والعزة؟ أم هي حرب عبثية كما وصفها كلا الجنرالان المتقاتلان؟.
غير أن المجتمع الدولي وبعد تعبير معظم قادته عن "قلقهم" من إندلاع الحرب. وما أن خابت كل مناشداته "الخائبة" ورجاءاته الخجولة في وقف الحرب، حتى لجأ لذات أسلوب المُعزِين الذين لا يملكون للأسرة المكلومة غير دعوات بالصبر والسلوان على مصيبة الفقد... ففي غضون أيام قليلة على بدأ الحرب لملمت كل الطواقم الدبلوماسية عزالها وحركوا إمكانات دولهم في إجلاء رعاياهم من وطيس الحرب، ليبقى هذا التصرف دلالة على أن السودان لا يكاد يُحظى في المجتمع الدولي بأي أهمية استراتيجية لا سيما للغرب وأمريكا بالتحديد فتركه يحترق خير لهم من أن يغامروا بحياة دبلوماسييهم، وهذه حقيقة يجب أن يتأملها أهل السودان ويصلوا لقناعة حقيقية حول أهميتهم كدولة أو كشعب عند الآخر ( المجتمع الدولي).. حتى لا ينخدعوا في أنفسهم أو فيما يمكن أن يصوره خيالهم حول موقع بلادهم الجيواستراتجي، فالملاحظ وبشدة إنشغال الغرب وأمريكا بما يُمكن أن تقوم به شركة فاغنر الروسية في الحرب حتى لا يكون ميداناً لتمدد النفوذ الروسي في هذا " الفراغ العريض" المُسمى بالسودان أكثر من هول المحرقة التي تدك مدن أهله وبأسلحة معظمها إما مستوردة من الغرب أو من تقنياته...
إن المجهود اللوجستي الذي بُذل في عملية الإجلاء لو كان المجتمع الدولي يضع تقديرا حقيقيا للسودان وأهله لسخر تلك الإمكانات المهولة و "المعقدة" في فرض وقف حقيقي لإطلاق النار بين الطرفين أو قل بين الجنرالين. ولن تعوزه القدرات الفنية في نشر جنود على الأرض Boots on the ground تضع حداً للإحتراب بذات السرعة التي تمت بها عمليات الإجلاء التي يجهد قادة المجتمع الدولي في وصفها "بالمعقدة". ولكان قد تم تجنيب السودان الخسائر الفادحة التي يتعرض لها في الأرواح والممتلكات، ولكان قد وجد السودانيون مجتمعاُ دولياً يهب لحمايتهم من محرقة ستتحول لحرب منسية في غضون أسابيع عندما تتجه كاميرات الفضائيات لبؤرة أخرى مشتعلة في زوايا الكون الفسيح.

د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

 

آراء