المحارق المشعة … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
5 January, 2010

 

    لم تكفينا البلاوي التي نعيشها علي المستويين العام و الخاص في السودان حتي تتزايد علينا المصائب. نعيش مشاكل الانتخابات و الاستفتاء و عدم الاستقرار السياسي و الامني و تكاثر الجرائم الغريبة و ارتفاع حالات الجنون التي تهدد باصابة السودانيين بحالة من الخبل الجماعي. تحيط بنا مشاكل ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة ، تفشي البطالة و الفقر ، مشاكل المياه و الكهرباء ثم فشل الموسم الزراعي الذي وضع اكثر من 11 مليون شخص في دائرة العوز التام الذي يستدعي الإغاثة العاجلة. كل ذلك لم يكفي فظهرت لنا اخطار جديدة هي التلوث الاشعاعي.

     قبل الجدل الذي دار حول استيراد اجهزة مشعة و احتدام القتال حولها بين النفي و الاثبات ، كان هناك حديث طويل حول استيراد نفايات مشعة من الدول الاوربية و دفنها في السودان. تم ربط ذلك بالحالات المتزايدة من الاصابة بانواع السرطان المختلفة مما جعل السودان يصنف كواحد من اكثر الدول اصابة بالمرض في المنطقة. لا عجب في كل ذلك عندما يضاف التلوث الكيميائي المنتشر في السودان خاصة بسبب الأسمدة و النفايات الكيماوية غير المعالجة الي المواد المشعة فان النتيجة هي انتشار امراض التلوث الي ان تخرج عن نطاق السيطرة. الشيء المؤسف هو ان محارق الاشعاع التي يتعرض لها المواطن السوداني لا علاقة لها بشكل كبير بظواهر طبيعية او بسبب مشروعات تنموية مثل المفاعلات النووية او حتي بسبب الحرب. يحدث التلوث عندنا بسبب النفايات و المواد المستوردة . بالتأكيد جميع سكان العالم يتعرضون للاشعة ذات العلاقة بالعلاج ، الكمبيوتر ، التلفزيونات ، الاجهزة الالكترونية و الكثير غيرها. لخطورة التلوث الاشعاعي تزايدت الدراسات و البحوث العلمية حوله نسبة لما يسببه من أضرار كبيرة بالإنسان و الحيوان و النبات. تتسبب المواد المشعة في العديد من الامراض منها السرطان ، امراض الدم ، الجهاز الهضمي ، امراض الجلد و النخاع العضمي ، و الجهازين العصبي و التنفسي. تنتقل المواد المشعة عبر الهواء و الماء او عبر الغبار الذري المتساقط علي النباتات و الحيوانات و مصادر المياه او عن طريق الاستنشاق. لكل ذلك  تواجه المخاطر الناتجة عن المواد المشعة بحساسية بالغة من كل ذو لب و إدراك سليم ناهيك عن الحكومات التي من المفترض ان تكون في الصف الاول من اجل الدفاع عن مواطنيها.

 جاء الان عامل جديد ليضاف لأخطار التلوث الإشعاعي و هو عامل الارهاب الدولي الذي اصبح ينتشر بدوره مثل الخلايا السرطانية. ما تكاد تطفأ بؤرة منه او يعتقد انها قد خمدت ، الا و تنشأ بؤرة جديدة في موقع جديد. جعل ذلك الأخطار تتزايد مما دفع  الطرف المقابل الي المغالاة في مواجهتها. انتشرت الحروب العشوائية ضد الإرهاب و هي حروب تحصد من الابرياء اكثر بما لا يقاس من الضالعين فيها بشكل مباشر. بذلك اصبح ضحايا الحرب ضد الارهاب يتزايدون بمتوالية هندسية. اخر قوائم الضحايا ستكون من سكان البلدان التي قررت الولايات المتحدة الامريكية بتعريضهم للفحص بالأشعة الكاشفة. بالرغم من ان التركيز الاكبر انصب حول الجوانب الأخلاقية لذلك الإجراء ، لكن الجوانب الصحية اكثر خطورة. تمت اضافتنا بحمد الله للمستهدفين بذلك الفحص مع مجموعة من مواطني دول اخري جميعها إسلامية و تقع في اسيا و افريقيا ما عدا كوبا ، و هذه الاخيرة لا يوجد سبب لضمها للقائمة غير الكراهية المتأصلة في النظام الامريكي للنظام الحاكم في كوبا و الذي شكل شوكة حوت لاقوي دول العالم لم تستطع بلعها او اخراجها من حلقها لاكثر من ستين عاما من الزمان.

  من المؤكد ان معظم البلدان المعنية بالمحرقة الاشعاعية ستهب لنجدة مواطنيها الا ان الحكومة السودانية لن تفعل ذلك. أولا الحكومة السودانية ( ما فاضيه ) ، فهي مشغولة باشياء اهم ، كما انها لا تستطيع تحمل عبء المواجهة مع امريكا في هذا الملف الشائك. جانب اخر هو ان العديد من السودانيين يسافرون من خارج السودان او بدعوات من منظمات و جهات لا يوجد ود بينها و الحكومة او علي الاقل لشق منها. الابعد من ذلك هو غموض مفهوم (السودانية) نفسه الذي لا يعطي الجواز السوداني تفسيرا دقيقا له فهناك (انماط) من المواطنين السودانيين يحظون بمزايا تفضيلية في عدد من البلدان لأسباب لا علاقة لها بانتمائهم الوطني. يجعل كل ذلك السوداني اكثر تعرضا من غيره للإساءة و الاهانة في المطارات الدولية يضاف لما يعانيه في وطنه مما يجعلنا في وضع أسوأ من وضع الرقيق الذين كان يتم الحفاظ علي صحتهم الجسدية حتي يستطيعوا الانتاج كما يجب. بالتأكيد ان ما يحدث لنا لم يأتي بالصدفة و انما هناك العديد من العوامل التي تسببت فيه و ما علينا جميعا الا العمل ، كل حسب قدرته ، في إزالة تلك الأسباب حتي نستطيع ممارسة حياتنا الطبيعية في الداخل و الخارج بدلا عن البحث عن جنسيات اخري تشكل لنا طوق نجاة و تصبح مدعاة للتباهي الكاذب بها و تصويرها كأن من يحصل عليها قد أصبح من شعب الله المختار ، مع انها في جوهرها لن تقدم او تأخر في حالة عزلها عن النجاح الشخصي لحاملها و مقدرته علي العطاء في بلد غريب.

 

hassan mn bashir [mnhassanb@yahoo.com]

 

آراء