المساومة التاريخية كمخرج لإنهاء الحرب في السودان

 


 

هيثم كرار
29 July, 2023

 

اجتماع المجلس المركزي لقوي الحرية والتغيير في القاهرة (٢٤/٢٥ أيار ٢٠٢٣)
المصدر: صفحة الحرية والتغيير علي مواقع التواصل الاجتماعي
بعد مائة يوم ونيف علي اندلاع الحرب في السودان، التئم أخيرا شمل تحالف قوي الحرية و التغيير-المجلس المركزي في العاصمة المصرية القاهرة و ذلك للتفاكر حول سبل وقف الحرب و طرح خارطة طريق لاستعادة الانتقال الديمقراطي. ألقي البيان الختامي للمؤتمر باللائمة علي عناصر النظام السابق (حزب المؤتمر الوطني) و اتهمهم بإذكاء نيران الحرب، كما ساوي البيان بين كفتي المؤسسة العسكرية و قوات الدعم السريع في حجم الانتهاكات الانسانية المرتكبة و فظاعتها رغما عن التقارير المحلية و الأجنبية التي تؤكد خلاف ذلك.
أجدني في اختلاف تام مع خارطة الطريق السياسية للمجلس المركزي، والتي استندت في تحليليها لسياق المشهد السياسي علي الموقف من الحرب الدائرة بتصنيف لا يتسق وتعقيداتها، وهم سدنة الحرب من جانب، ودعاة السلام على الجانب الاخر. لكن الحقيقة المجردة هي أن كل الاطراف السياسية- عدا لجان المقاومة التي جاهرت بحل الميليشيا مرارا وتكرارا- ساهمت بدجات متفاوتة في اذكاء جذوة الحرب عبر التمكين السياسي والاقتصادي لقوات الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية التي شاركت فيها جميع القوي السياسية، بما فيها المؤسسة العسكرية.
كل الشواهد تؤكد ان الدعم السريع تمدد اقتصاديا وعسكريا خلال الفترة الانتقالية أضعاف ما كان عليه إبان حقبة الرئيس المعزول عمر البشير. لقد استغل تحالف الحرية والتغيير الشقاق البائن بين قوي الانقلاب (وهو التصنيف الأمثل والاشمل لطرفي النزاع) لفرض وجوده في الفضاء السياسي عقب الانقلاب العسكري علي حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وتجلي هذا الأمر في المعادلة السياسية للاتفاق الإطاري التي وضعت المؤسسة العسكرية أمام خيارين لا ثالث لهما: الامتثال او الحرب.
الشاهد في الامر هو أن حرب المائة يوم ونيف ماهي الا السيناريو الاسوأ للاتفاق الاطاري كونه لم يترك لقادة الجيش سوي الامتثال لرؤية قوات الدعم السريع فيما يتعلق بالمدة الزمنية للدمج وفرض وضعيته كقوة موازية للجيش أو رفض الاتفاق و اعلان الحرب.
فالدعم السريع كقوة عسكرية نظامية وفق الدستور الانتقالي- المنقلب عليه- اتخذ قراراً سياسيا مغايرا للجيش، مسنوداً برافعة سياسية تمثلها كتلة المجلس المركزي بالإضافة للقوي الموقعة علي المسودة الدستورية، و التي بدورها استقت الشرعية الدولية بالقبول الاممي للعملية السياسية عبر مناديب المجتمع الدولي في الخرطوم.
اذن، فالرؤية السياسية للمجلس المركزي، وإن كانت مقبولة قبل الحرب، فهي ليست كذلك بعد اشتداد اوارها. فالرؤية المطروحة تستند على فرضية ضلوع الإسلاميين في اشعال فتيل الحرب بدون دلائل واضحة سوي العلاقة السببية بين الاتفاق السياسي و ابتعاد الاسلاميين عن صناعة القرار. اذن من أين استقت الحرية والتغيير هذا الايمان القاطع بان الحرب أشعلها الفلول وليس الاتفاق الاطاري نفسه؟
ان التحول الديمقراطي المستدام يتطلب مساومة تاريخية، ليس بين قوي الثورة وقوي الانتقال كما حدث في الاتفاق الاطاري، والذي استمال قوي محسوبة على النظام السابق كالمؤتمر الشعبي و الحزب الاتحادي الديمقراطي، بل بين القوي الديمقراطية الليبرالية والقوي اليمينية المؤمنة بالمواطنة والديمقراطية بآلياتها المعلومة.
لذلك فالمساومة التاريخية في مسارها الافقي تتطلب وجود الاسلاميين التقدميين (وليس المؤتمر الوطني)، أما في مداها الرأسي، فهي تشمل ضمانات مشاركة الشعب في السلطة من المجالس المحلية صعودا حتى البرلمان.
هذا بكل تأكيد لا يعني العفو عما سبق، بل يتضمن المساءلة والمحاسبة وفق القوانين الموضوعة لا المستحدثة، فالقانون كما هو معلوم لا يطبق بصورة رجعية. اما الخلل في النظام القانوني فيمكن استصحابه في عملية الاصلاح المؤسسي الملازمة للتحول الديمقراطي.
ان الحل السياسي في السودان يتطلب شجاعة أكبر في التوافق مع القوي الاسلامية التقدمية حول الشروط الموضوعية للتحول الديمقراطي وآلياته لضمان فترة انتقالية اقل وعورة من سابقاتها.
عليه، فإن حل قوات الدعم السريع، ودمج عناصرها أو تسريحهم وفق قانون القوات المسلحة في مدة زمنية يحددها الإطار الفني للعملية، اسوة بقوات الحركات المسلحة، يجب أن يكون البروتوكول الأول في أي خارطة طريق نحو انتقال ديمقراطي آمن في السودان. كما يجب ان ينص التوافق السياسي علي توفير مخرج لقادة المؤسسة العسكرية الذين ساهموا في تمدد قوات الدعم السريع وتحولها لمهدد للأمن الوطني.
يجب ان يؤكد الاتفاق السياسي علي ان الانتخابات هي السبيل الوحيد للوصول للسلطة، وينص صراحة علي عدم مشاركة الأحزاب السياسية في الحكومة الانتقالية، سوي مشاركة محدودة في المجلس التشريعي متعلقة بصياغة القوانين المرتبطة بالانتفال الديمقراطي، كقانون الانتخابات و قانون صناعة الدستور الدائم، و تمرير الموازنة العامة، و مساءلة السلطة التنفيذية حال النكوص عن مهامها المنصوصة في الدستور الانتقالي.
يجب ان يحدد الاتفاق السياسي مهام الحكومة الانتقالية وصلاحياتها، آلية تكوينها ومساءلتها، ويترك عملية الاختيار للجنة حكماء بمشاركة مقدرة للمرأة والشباب والنازحين.
هنا تمتحن ارادة القوي السياسية في تحقيق الانتقال الديمقراطي، وذلك عبر تغليب الكفاءة على الانتماء السياسي في الترشيح والتعيين، وتسمية كل المواقع الدستورية بصفة الانتقال، كرئيس القضاء الانتقالي و رئيس الوزراء الانتقالي للتأكيد علي مرحلية الحكم. هذا يتطلب ربط الانتقال بمدة زمنية محددة يتم فيها تسليم السلطة الشعب من المجالس المحلية مرورا بالمجالس الولائية، وحتى الانتخابات الرئاسية او البرلمانية.
أخيرا وليس اخرا، يجب علي المجلس المركزي في رؤيته السياسية ان يؤكد على سيادة حكم القانون، بحيث لا يكون أداة للتشفي، بل لبسط العدل بأوجهه المختلفة، عبر العدالة الاجرائية او الانتقالية او الترميمية، كما اشار اليها الامام الراحل الصادق المهدي. كل ما سبق يحتاج الي إرادة وحكمة تتسامي على المكايدات السياسية، والنظر الي المستقبل، ولكن باستلهام العبر- و ما اكثرها- و التي انتهت بالسودان الي ما هو عليه اليوم من خراب و تشريد و انتظار يائس للمجهول.
ختاما، لقد اثبتت التجربة السياسية في السودان بان الخاسر الوحيد من الحرب هو الوطن وانسانه. لذلك يحمد للمجلس المركزي إصراره علي فرض الحل السياسي كمخرج و وسيلة لإعادة السودان نحو مسار الانتقال الديمقراطي، و لكن دوره يجب ان يتعدى وقف الحرب لمساومة تاريخية شجاعة تنأي بالانتقال عن المشاكسات السياسية و استغلال العسكر للوصول للسلطة.
بقلم: هيثم كرار
المختص في التنمية الدولية و الحوكمة
Email: Haytham.karar@gmail.com
Twitter:Haytham.karar

 

آراء