المسكوت عنهُ !!

 


 

هيثم الفضل
6 March, 2023

 

haythamalfadl@gmail.com

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
نعم سنظل نؤكِّد أن شُعلة لهيب ثورة ديسمبر المجيدة المُستمرة منذ ما يقارب الأربع سنوات لم تخبو ، ولكنها للأسف شئنا أم أبينا لم تعُد كم كانت بنفس الألق وذات الضراوة ، فعندما قاد تجمع المهنيين السودانيين الثورة المجيدة قبل سقوط الرئيس المعزول ، كان الشعب السوداني بكل فئاته العُمرية وتكويناته المعرفية والثقافية والإجتماعية والعرقية والمهنية مُستجيباً بالقدر الذي أعجز النظام الغابر في وقتها عن مُلاحقة الفعاليات الثورية المُتعدِّدة ، فكم من لقاءاتٍ وخطابات جماهيرية ألغاها المؤتمر اللا وطني المحلول بسبب زخم الإضطرابات والإحتجاجات التي إنتظمت معظم شوارع العاصمة والأقاليم ، وكم من محاولات يائسة للرئيس المخلوع حاول فيها إمتصاص حماس الثوار وخفض لهيب إشتعال الثورة ، كان آخرها خطابه الأخير الذي أعلن فيه تخليه عن رئاسة حزب المؤتمر اللا وطني ووقوفه على مسافةٍ واحدة من الجميع ، لكن كل ذلك لم يُجدي ، لأن الشارع الثوري حينها كان على قلب رجلٍ واحد ، ولم تزل قوائم التخوين في مضامينه وشكلياته خالية من المُتهمين والمُستهدفين بالشيطنة وتأليب الرأي العام عليهم بالحق والباطل.
علينا أن لا نجزع من قول الحقيقة المحضة والمُرة في آنٍ واحد ، ونقول : أن لجان المقاومة لم تستطع أن تستلم راية قيادة الثورة من تجَّمُع المهنيين خصوصاً في باب التكتيك والترتيب المُتعلِّق بأشكال الإحتجاج الثوري السلمي بدايةً بالمواكب والتظاهرات والإضراب السياسي والعصيان المدني ، ونهايةً بتفويض مركز قيادي موحَّد قادر على التفاوُّض والتمثيل الرسمي والبروتوكولي للجان في شتى المحافل ، يجب أن نتلَّمس بلا خوف ولا وجل مواطن جُرحنا علنا نتحصَّل على علاجِ وشفاء ، ونقول أن الحراك الثوري الميداني أصبح عملياً (لا يناسب) الكثيرين وفقاً لم آل إليه أمر المواكب اليوم ، والتي أصبح جُل ما يُجنى من واقعها المُتتالي ، تلك المواجهة المُتكرِّرة في سيناريوهاتها ما بين مجموعة من اليُفع أولي العزم ، وقوات الشرطة والأمن وكتائب الظل المتخفية خلف ستارهم ، يتبادلون فيها الكر والفر ، مثلها مثل مباراة (ودية) تستهدف المُتعة ، غير أن (الأهداف) فيها للأسف لا تكتمل سيناريوهاتها الأليمة دون سقوط شهيد ، أو جريح ، أو تلفيق تهمة باطلة تقضي على مستقبل شاب أو شابة من شباب الثورة.
أصبحت فعاليات الثورة الميدانية واقعاً (روتينياً) لا يلتفت إليه الكثيرون ، وفي مقدِّمتهم الحكومة الإنقلابية ، فقادتها يتجوَّلون في بيوت الأفراح والمآتم ، ولأنهم لا يتجرأون على مخاطبة شعبهم في الخرطوم والعواصم الإقليمية الكبرى ، أصبحت تصريحاتهم وبيانتهم السياسية والعسكرية لا تُبارح بيوت المناسبات الإجتماعية في الأرياف والبوادي النائية متحاشين حواضرها المُضمَّخة بالوعي السياسي الغارق في منهج الثورة والإحتجاج والمعارضة ، لكن المُحصِّلة النهائية ورغم أن حراك الشارع الثوري ظل هاجساُ و(بُعباً) جاثماً على صدور الإنقلابيين ، إلا أنهم على ما يبدو قد تكيَّفوا وتعايشوا معه ، وخبروا كيفية تفادي مخاطره ، لإتسامهِ بالتكرار والروتين والخطط المكشوفة ، فالحاويات تم إبقاءها تحت الطلب قرب الكباري ، والقتل المجاني للثوار في الشوارع رهن إشارة الفلول وكتائب ظلهم تحت مبدأ (إفساح المجال للإفلات من القصاص) ، إلا لصاحب حظٍ سيء مثل الذي تم توثيق قتلهُ للشهيد إبراهيم مجذوب بالصوت والصورة وهو في غفلة النشوة وحين إنتقام.
الحملة التخوينية التي قادها فلول الإنقاذ البائدة ، ومعهم في ذات المشرب لجان المقاومة وتجَّمُع المهنيين والحزب الشيوعي وأخيراً حزب البعث العربي الإشتراكي وبقية من ينتمون إلى التيار الجذري ، ضد الأحزاب السياسية المُتحدة تحت لواء تجمع قوى الحرية والتغيير ، كانت بمثابة (فُرصة) لم يحلم بها الفلول فإستغلوها خير إستغلال حتى صرنا إلى ما نحن عليه الآن ، أقول ذلك ليس لقناعتي بأن الأحزاب السودانية خالية من العيوب والمشكلات والعثرات ، ولا لأن قوى الحرية والتغيير لم يكن لها أخطاءها الفادحة التي أوصلتنا إلى كارثة إنقلاب 25 أكتوبر المشئوم ، ولكن لأثبت أن (في الإتحاد قوة) ، تلك المقولةً التقليدية الوافية في بساطتها والخالية من التعقيد ، لكن رغم ذلك إستعصى على قوانا السياسية الحيَّة فهمها وتطبيقها والصبر على مكارهها ولو إلى حين ، وإعتمادها كتكتيك مؤقت يحسم المعركة لصالح الجميع حتى يتفرَّغوا بعد زوال الخطر لتنافسهم وتباريهم وإدارة صراعاتهم الجانبية التي نتمَّنى فيما بعد أن تجني البلاد ثمارها نماءاً وعدالة وكرامة.

 

آراء