المعركة السياسية القادمة بين الحاضنتين

 


 

 

إنّ مفهوم الحاضن السياسي لحكومة انتقالية ذات مهام محددة، ما هو إلّا بدعة من بدع زمان السياسة العرجاء ببلادنا، ومن البديهي أن نطرح السؤال المنطقي الآتي: ما الدور الايجابي الذي تقوم به مجموعة من الاحزاب والحركات المسلحة كحواضن سياسية للحكومة الانتقالية المحايدة؟، المطلوب منها ترتيب الاوضاع لتهيئة المناخ ومسرح الانتخابات التي سوف تتنافس على خشبته هذه المكونات السياسية، وكيف يعقل لمن بيده القلم أن يكتب احرف حظه التعيس!!، لا يستقيم عقلاً أن تضع الخصم مكان الحكم ليفصل ويحيك جلبابه بالطريقة التي يريد، ومن الغرابة بمكان أن تتكالب القوى السياسية القديمة مع الجماعات الحديثة التكوين الحاملة للسلاح، على قصعة السلطة عبر آلية الانتقال المستقلة، المفترض فيها الحياد والوقوف على بعد مسافة واحدة من جميع التنظيمات السياسية، والمعلن عن وصف شاغلي حقائبها الوزارية على أنهم (كفاءات مستقلة)، ولكن للأسف حتى لحظة انسكاب هذا الحبر لم نر كفاءة لوزير مهني، ولم نشهد استقلالية لوكيل وزارة، لقد ضاعت السنوات الثلاث في المماحكة السياسية والمحاصصة الحزبية والقبلية والجهوية.
تصارع الاحزاب والحركات المسلحة حول الوزارات المفتاحية قبل الانقلاب، له دلالة واحدة واضحة المح اليها وزير المالية بعد اعلان تشكيلة الحكومة التي اتت به على رأس الوزارة الاستراتيجية، عندما احتفل به منسوبو الحركة التي يقودها وحثهم على ان ترنو اعينهم للانتخابات القادمة، وليس للاحتفاء بالحصول على الحقيبة الأهم بمجلس الوزراء، لذلك جاء التذكير الدائم من الحادبين على مصلحة الوطن بضرورة تحقيق المبدأين الأساسيين - الكفاءة والاستقلالية - عند اختيار وزراء حكومة الانتقال، الأمر الذي ازعج الحركيين والحزبيين كثيراً، وجعلهم يتناحرون من اجل ازاحة بعضهما بعضا فحدث الانقلاب، وما كان لهذا الانقلاب ان يحدث لولا دخول المنافس الشرس القادم من الاحراش والمتعطش للسلطة، فكلا الشريحتين تتناصبان العداء حول من هو الأقرب لحضن السلطة الانتقالية، الى أن وجد الشق العسكري ضالته في الجماعة المسلحة وحدث الذي حدث، فالآن وقد مضى الشهر الواجب ان يتشكل فيه مجلس الوزراء، استناداً على الاستحقاق الذي اقرّه البيان المشترك بين الحبيس والرئيس، ما السبب وراء تأخير هذا التشكيل الوزاري.
الشارع الثائر عليه الضغط باتجاه تكوين حكومة الكفاءات المستقلة حرفياً لا انتهازياً، فبعد الانقلاب لا قدسية لكل المعاهدات والمواثيق المكتوبة في جوبا والخرطوم، وعلى رئيس الوزراء أن لا يقع في فخ مناصرة الحواضن السياسية ذات الاجندة الحزبية والحركية الضيّقة، فالذين اعتلوا منصة المنصب بحجة تحقيق السلام قد فشلوا في وقف الحرب في الاقاليم الملتهبة، والذين ضربوا طوقاً حول رئيس الوزراء بحجة احتضان ورعاية الانتقال، عليهم أن يعوا ويعلموا أن الانتقال تحميه الكفاءات المستقلة غير المتحزبة، وما اهلك شلة المزرعة وجماعة الاربعة الا هذا الاحتيال السياسي المفضوح المكرّس للوصاية، فالابقاء على المتسلقين لسلم السلام المفقود في دارفور سيكون استمرار لنفس االكارثة المسماة بالحاضنة السياسية، وهذا الانغلاق في الأفق سيعود مرة اخرى بقيادة مناصري الانقلاب الذين مايزالون يمارسون سلطاتهم رغم السيولة الدستورية التي اعقبت الانقلاب، فالحاضنة المبعدة والمكونة من الاحزاب الرباعية لن تصمت على وجود غريمها متحلقاً حول رئيس الحكومة كحاضن جديد.
التأخير الذي لازم اعلان تشكيل حكومة ما بعد الانقلاب وتلويح رئيس الوزراء بالاستقالة، مؤشر سالب وفأل غير حسن بخصوص بداية المرحلة الثانية من الصراع حول سلطة الانتقال، فالجميع قد سن سيفه وجلس متربصاً في انتظار الاعلان عن المنظومة الجديدة ولسان حاله يقول لكل حادثة حديث، وبين كواليس المجلس السيادي ودهليز بيت رئيس الوزراء تتزاحم وفود رأب الصدع، وتتسابق الرموز الحزبية القديمة والقيادات الحركية الجديدة بحثاً عن موطيء للقدم، على الخارطة القادمة المرسومة بيدين طليقتين لرئيس الحكومة الحر الطليق، الذي لعبت القوى الاقليمية والدولية دوراً كبيراً لكي تخرجه من محبسه الاجباري ليوقع على اتفاق جديد، وليتأكد المراقبون والمتابعون أن الاعلان عن تشكيل الحكومة القادمة سيولّد غبناً آخراً، اكثر ضراوة من الغبن الذي اثاره قيام الانقلاب، فجراح المنقلب عليهم لم تبرأ بعد ولم يجف سيل دمها النقيع، واحتراق دواخل الانفس الفاقدة للكرسي الوثير مازالت تتألم جراء الفراق المفاجيء لظلال القصور المنيفة.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
24 ديسمبر 2021

 

آراء