المواطن السوداني رَايحَة لِيهُو دولة

 


 

فيصل بسمة
2 March, 2024

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

جرت العادة في بعض من نواحي بلاد السودان ، و عندما تعتقد الناس أَنَّ إمرؤاً يشتهي أو يفتقد أو يفتقر بشدة إلى شيء محدد ، أن يقال:
فلان رَايح لِيهُو كذا...
أو
علان رَايحَة لِيهُو كذا...
و ذلك من أبواب المداعبة و المبالغة و الأنس و الظرف الإجتماعي أو نحو ذلك ، و (كذا) تشير إلى ذلك الإشتهآء/الفقد/الإفتقار الذي قد يكون طعاماً معيناً أو نومة أو شَكلَة (عراك) أو دَقَّة (خناق و ضرب) أو بَكيَة (بكآء) أو حلم و أمنية أو أي فعل أو غرض ، و يبدوا أن هنالك أشيآء و حاجات كتيرة رَايحَة للمواطن/الزُّول السوداني و في مقدمتها دولته المخطوفة/المنهوبة التي إستولى عليها تنظيم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة أو تنظيم جماعة الأخوان الذين يدعون/يظنون أنهم مسلمون ، و قد ترتب على إختطاف و رُوحَة الدولة السودانية رَوحَات عديدات و شلل و إنهيار و فوضى و عواقب وخيمة...
و قد عُرِفَت الجماعة المتأسلمة في بلاد السودان بجماعة (الكيزان) ، و هو إسمٌ أطلقه على (الجماعة) زعيمهم الدكتور حسن عبدالله التُّرَابِي الذي رُوِيَ عنه أنه قال:
الدين بحر و نحن كيزانه...
و قد إتخذ تنظيم الجماعة لنفسه عدة منظمات و أجسام ، و تَسَمَّىَٰ بمسميات عديدة تَنَوَّعَت و تَغَيَّرَت مع الزمن لتتناسب مع طموحات و أهداف الجماعة في الحكم و السلطة و النفوذ السياسي و الإقتصادي مثل: جماعة الأخوان المسلمين و جبهة الميثاق الإسلامي و منظمة الشباب الوطني و منظمة الدعوة الإسلامية و الجبهة القومية الإسلامية و ثورة الإنقاذ الوطني و المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي و حزب المؤتمر الوطني و حزب المؤتمر الشعبي هذا عدا العديد من الجمعيات و المصارف و الشركات...
و قد بدأ إختطاف الدولة السودانية صبيحة الإستيلآء على السلطة في الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية عن طريق خديعة الإنقلاب العسكري على الحكومة المنتخبة بكوادر التنظيم/الجماعة داخل الجيش تساندهم عناصر مدنية من التنظيم تسربلت بزي القوات النظامية ، و قد تلى ذلك الإنقلاب خطوات متلاحقة و متسارعة من سياسات التمكين التي تبنت منهج إقصآء الآخر و شعار الولآء للتنظيم/الجماعة قبل الكفآءة في التوظيف لجميع مرافق الدولة و العمل العام ، و كانت النتيجة تشريد الألاف من أصحاب المؤهلات و الكفآءات و الخبرات من جميع أجهزة الدولة في الخدمة المدنية و القوات النظامية بفرية الإحالة للصالح العام!!!...
و قد إمتدت سياسات التمكين إلى القطاع الخآص حيث مورست الضغوطات على الأفراد و البيوتات و الشركات التجارية عن طريق المضايقات و وضع العراقيل و تعطيل المصالح و فرض الضرآئب و الرسوم الباهظة مما أفضى إلى إفلاس البعض و هروب البعض و خروج الكثيرين من دآئرة المنافسة في الأسواق و التجارة و الصناعة التي صارت حكراً لأفراد التنظيم/الجماعة و أتباعهم/أذنابهم من: المحاسيب و الأرزقية و الطفيلية و نافخي الكير و حارقي البخور و ضاربي الدفوف و ماسحي الجوخ و الأحذية و المؤخرات!!!...
و قد مارس الكيزان التمكين بهمة و نشاط و لهفة يحسدون عليهم ، و راحوا يُجُوبِكُون و يَدَغمِسُون وظآئف الخدمة المدنية و القوات النظامية و يعينون من أصحاب الولآء البِسوَىَٰ و الما بِسوَىَٰ ، و كانوا في تهافتهم على التمكين ذي الزول الرَّايحَة لِيهُو وظيفة أو منصب أو لقب أو جاه و مال أو مثل ذلك الذي يظن أنه ليس هنالك يوم بكرة ، و هكذا رَاحت السلطة و الدولة السودانية بين مراكز القوى و كِرعِين: مجلس قيادة ”الثورة“ و مجلس الشورى و المجلس الأربعيني و التنظيم الخآص و جماعات/عصابات: المنشية و العشرة و البدريين و كتآئب: المجاهدين و الدَّبَابين و البرآء بن عازب و نسيبة بنت فلان و علان بن فلتكان و أصحاب الظلال!!!...
و هكذا تم الإستيلآء الكامل/التآم على السلطة و سرقة/إختطاف جميع أجهزة الدولة السودانية و أصولها و تسجيلها رسمياً لصالح منسوبي الجماعة/التنطيم و أتباعهم/أذنابهم ، و شمل ذلك جميع القطاعات العامة و الخآصة: الإقتصادية و التجارية و الصناعية و القوات النظامية و الأجهزة الأمنية و المليشيات الحكومية و الإعلامية و المنظمات الإجتماعية و الرياضية ، و لم تسلم من النهب و الإختطاف و التشويه و الإفساد حتى الموروثات و الأعراف و القيم و مكارم الأخلاق ، و قد قاد الإستيلآء على السلطة و أجهزة الدولة و أصولها إلى فساد و إستغلال و نهب لموارد بلاد السودان عظيم و غير مسبوق و ليس له مثيل منذ إنشآء مملكة كوش!!! ، و قد تمددَ الفساد و تَشَكَّلَ و تَنَوَّعَ و ”إنداحَ“ في كل المجالات و المساحات و الأجوآء حتى أصبحت الدولة السودانية طبقات من الدولة الموازية/الخفية و أجهزة و منظومات و مجموعات و عصابات تدير الإقتصاد و الفساد و جميع أمور العباد...
و جرآء ذلك الإختطاف إنهارت و رَاحت الدولة السودانية التي كانت تمثل السيادة و تحمي الأرض و العرض و تدافع عن الحدود و المواطن السوداني و تضمن الأمن القومي رُوحَة الشَّمَار في المَرَقَة ، فقد رَاحَت الدولة التي تصون و تنمي الموارد و الثروات القومية رُوحَة حبيبك و إلى غير رجعة ، و قد نامت أعين الدولة التي تحفظ القانون و تحاسب و تعاقب المسيء ، و قد دَقَست الدولة التي تحافظ على أمن و مصالح و ممتلكات المواطن و دخلت في غيبوبة عميقة ، و قد نست/تناست الدولة السودانية المخطوفة/المنهوبة مسئوليتها في تخطيط المشاريع التنموية: الزراعية و الصناعية و التعليمية و الصحية و الإجتماعية ، و لقد رَاحَت في خبر كان تلك الدولة السودانية التي كانت ترعى الثقافة و الآداب و الفنون و الرياضة...
و عندما راحت الدولة في جميع المجالات و أصابها الشلل ، و عندما بالغت الجماعة في الفساد و الإفساد و الدجل بإسم الدين و حماية بيضته إختلطت/إختلت المفاهيم و الأخلاق و القيم ، و تنازل المجتمع طواعيةً أو كرهاً عن دوره التوجيهي/الإرشادي و الرقابي لجماعات: الأرزقية و الطفيلية و السواقط و الأراذل و الدعاة المتأسلمين من فصيلة الببغاوات الذين تفاقم أمرهم بصورة عظيمة ، و الحال كذلك أطل الظلم الإجتماعي و الفقر برأسيهما و كان في صحبتهما الجهل و المرض و الرذيلة ، و ضعفت مساهمات الأفراد و تخلت/تهاونت الأسر عن مسئوليتها/دورها في أمور: التربية و التعليم و التنشئة بعذر أن العيشَ قد شَظُفَ و أن المعايش بِقَت جَبَّارَة و كل زول بقى في تَولَة (النفس) ، و تلى ذلك إختلاط الحابل بالنابل حتى أصبح الرزُ عدساً و الفاصوليا كَبَاباً...
و عندما بلغ الكبت و القمع و البطش و الدمار و الإستغلال و الفساد و البطالة و شظف العيش و الرهق الإقتصادي مداه إنفجر بركان ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية ، و قد زعزع تصميم الثوار و إصرارهم على إحداث التغيير و محاربة الفساد و تحقيق: الحرية و السلام و العدالة أركان دولة/دول التنظيم/الجماعة و أثار فيهم خوف و هلع عظيمين من إنفضاح/إنكشاف أمرهم و خبايا فسادهم و إفسادهم و تكالبهم على السلطة و الدنيا بإسم الدين ، فكان أن هرعوا إلى محاولة إستعادة زمام الأمور/السلطة بغرض حماية السمعة و المصالح الإقتصادية الهآئلة ، و قد إنتهجت الجماعة و سلكت شتى السبل و استخدمت أنواع عديدة من الحيل عبر جميع طبقات و مستويات التنظيم بغرض نشر الفتن و إثارة الفوضى و من ثم إفشال الثورة و تعويقها ، فكادوا المكآئد و خططوا المؤامرات و دبروا الإنقلابات العسكرية حتى إنتهى بهم المطاف إلى إشعال نيران الحرب عبر وكلآءهم في مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و الجيش و مليشيات الدفاع الشعبي و أجهزة الأمن و المخابرات...
و قد أفضت الحرب إلى القتل و الدمار و نزوح ملايين السودانيين من العاصمة و الأقاليم بحثاً عن أمانٍ رَايح لِيهُم ، فسافروا و حَامُوا بين الأمصار و البلدان و زَاعُو بكراع كلب في الولايات و البلدات التي ظنوا أنها ”آمنة“ ، و ساقتهم كرعينهم و الحرب و الخوف إلى شمال وادي النيل و دول الجوار الأفريقي و شبه الجزيرة الأعرابية و ساحل عمان و بقية العالم ، و كعادة السودانيين ، و عقب إستقرارهم في الملاجيء ، فسرعان من نسوا/تناسوا المصيبة و الكُبَة الوَاقعِين فيها و إِتلَمُّوا كيمان كيمان و شرعوا في الوَنَسَة و النَّضمَة و النِّقَة و الشَّمَار ، و قاموا عَرَّسُوا و سَووا العزومات و الحفلات و غنوا و رقصوا و هَجَجَوا و كَشَفُوا ، و وثقوا كل ذلك: تسجيلات و ڨيديوهات و بُوستَات و بُودكَاسَات و لَايفَات و رُومَات تذخر بها أسافير الشبكة العنكبوتية و وسآئط التواصل الإجتماعي ، بل و تَفَشخَرَ بعضٌ منهم و تَبُوبَرَ فَشخَرَة و بُوبَار من لا يخشى الفقر و فَسَقَ فسوقاً ما بعده فسوق و كأن بلادهم لا تعاني من ويلات و مصآئب الحرب ، و بدوا و كأنهم رَايحَة لِيهُم: نزحة و سفرة و حُوامَة و زُوَاعَة و لَمَة و وَنَسَة و نَضمَة و نِقَّة و شَمَار و عَرسَة و عَزُومَة و حفلة و غنوة و رقصة و هَجِيج و كَشفَة و فَشخَرَة و بُوبَار و تسجيلات و ڨيديوهات و لايفات و بودكاسات و رُومَات و فسوق...
و قد حَدَّثَ خبيرٌ ملمٌ بأمورِ و عادات و تقاليد و ثقافات الشعوب السودانية أنه و عندما يفسق ”الزول“ السوداني فذلك لأنه رَايح لِيهُو أدب و خلق عُرِف بهما و صارا من الصفات الأساسية لذلك ”الزول“ السوداني النمطي المرسوم في الذاكرات الأعرابية في دول شبه الجزيرة الأعرابية و ساحل عمان و بقية الدول الإسلامية و الإفريقية و العالمية و التي عرفته ”زولاً“ طيباً و ساذجاً و على الفطرة التي تقارب درجة العَبَاطَة و التي قد/ربما تتجاوز مرحلة العَوَارَة!!! ، لكن شآءت المشيئة و صارت الأقدار أن تَرُوح الفطرة و أن تقل مناسيب الطيبة و الأدب عند ”الزول“ السوداني بصورة متسارعة و مرعبة تشهد بها أسافير الشبكة العنكبوتية و وسآئط التواصل الإجتماعي...
و الشاهد هو أن ”الزول“ السوداني و عندما يَتَفَشخَرَ و يَتَبُوبَرَ و يَتَنَبَّرَ بسودانيته و نبله و حاجات تانية كتيرة فإنما يفعل ذلك بدافع الحنين إلى القديم المثالي الزاهي و الوردي ، أو بعبارة أخرى رَايحَ لِيهُو ماضي جميل و نبيل ، و يبدوا إنه مِشتَهِيهُو و لِيهُو زمن بفتش لِيهُو و ما لَامِي فيهو ، و ”الزول“ السوداني عندما يفجر في الخصومة و يبالغ في القتل و البطش فإنما يفعل ذلك لأنه رَايح ليهو حلم و سلام و تسامح و طيبة و فطرة و سماحة إشتهر بهم في قديم الأزمنة ، و اقترن بهم حتى عَرَّفَته بهم الأفراد و الجماعات و الأقوام و الشعوب و الأمم ، و شهدت له بذلك الركبان و الدول و المنظمات و المنتديات ، لكن يبدوا أنه قد رَاحت عليهو جميع/أغلب تلك الصفات في الوقت الحاضر...
الخلاصة:
هذه ”الرُّوحَة الدولية“ هي التي يعتقد صاحبنا أنها ربما تُفَسِّرُ بعض/كثير من سلوكيات ”الزول“ السوداني داخل و خارج بلاد السودان في الحقبة التي أعقبت إستيلآء جماعة الكيزان على السلطة و خطفهم/سرقتهم للدولة السودانية و أجهزتها و أصولها...
الختام:
إن الأشيآء الرَّايحَات على ”الزول“ السوداني كثيرة و مثيرة و لا تحصى و لا تعد ، و الأكيدة هي أن ”الزول“ السوداني رَايح لِيهُو كتير: دولة ذات سيادة و قيادة و سلام و أمن/أمان و نظام و قانون و عدالة و معاش كريم و مسكن لآئق و ملبس أنيق و نظيف و مأكل مفيد و مغذي و مشرب صحي و خدمات أساسية و رفاه و قيمة و إحترام و مقام و... و... و...
و بإختصار هو المواطن السوداني ، التَّطِير عِيشتُو ده ، شِنُو المَا رَايح لِيهُو؟!!!...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء