الموت بشجرة الديمقراطية (2): “عريس الوهم”, القلم السوداني الما بزيل بلم

 


 

مازن سخاروف
15 November, 2021

 

الموت بشجرة الديمقراطية (2): "عريس الوهم", القلم السوداني الما بزيل بلم
سِفر الوجع الداخلي.
تأملات في حالة "الرجل الوهمي" على مسرح السياسة السودانية. مازن سخاروف, 14 نوفمبر 2021

كتبت البارحة ما سبق& من موضوع لنا متجدد الأزمنة لا يسقط بالتقادم: في سيرة وأنباء الأنقلوساكسون. في زمن مستقبلي قد يكون أحسن أو أسوأ من حاضرنا, لن يكون في مجمله تعميمه سوى احتمالان: ستكون هناك أجيال تعلم تاريخها أو أجيال جهلت تاريخها. كما قلت في كتابي, "الديمقراطية والتحيز":
2. هناك طريقتان على الأقل لسبر غور الوقائع: مواجهة التاريخ من الأمام, أو التسلل إليه من الخلف. المهم هو ألا يسقط الباحث في فخ عالم من ورق فيتورط في أوهام أكاديمية يحسبها حقيقة. أو حتى أحلام جديرة بالحلم, لكنها أولى بالمراجعة.
(..)
5. من مرارات الخيبات المألوفة تـَعلمنا أن أصحاب الألسنة المشقوقة من نادي جغرافيا القهر الإمبراطوري لم يتطوروا كثيرا في بحر الثلاثمائة سنة الماضية. بل لعل الإنتكاص (رجوع إلى مرحلة بدائية) يناسبهم أكثر. (..) ففيما يخص القضية المثارة هنا, نختم فنقول إن أربعمائة سنة أو تزيد من ليل الديمقراطية الطويل لم تنجح سوى في نكئ الجرح القديم وإثارة مزيد من الكفر بسوس الديمقراطية البرجوازية.
إنتهى الإقتباس. المحصلة النهائية أن الإنتاج السوداني بشكل عام جزء من المشكلة, ليس لأنه لا يتصدى لأمور ملحة وعالقة, ولكنه "فيه شيئ" يمنعه من تعقب المناطق الخطرة في التاريخ, وهذا يعني أن الأخطاء الفاجعة يُستمر في ارتكابها. ولا أدل على إستمرار مسلسل الفشل المتكرر من رخص الدم السوداني الذي لسان حاله يقول:
وبكرة لمن آخر شجرة في صف التمام تصفرّ أوراقها وتموت
حتكتب رسالة لي عريس الوهم, الشيلتو بالأحلام
ليه يا عريس ودّرت ماضيك البعيد وجنيت حاضرة الأيام
ليه سطـّحنا من قطرا من صفيح إتهالك بالرطوبة ونام
بذور السنين الماسكة فينا زي حب الوجع
السناب المقصوفة بعواصف الأيام غنا
بذورن طارت مع الأيام وركـّت على شجر السراب
"عريس الوهم" هو الذي يظل يكتب ويكتب. "إن تحمل عليه يكتب, أو تتركه يكتب". لكن اليوم الذي تجلس معه على مائدة لتناول "كباية شاي" تكتشف أنه أكثر خواء من أعجاز نخل قوم عاد. أسوأ ما بقلم سوداني كالذي بين يدينا حين تدرك أنك لن تصل بالتسلسل المنطقي والموجبية العلمية مع صاحب القلم الآخر إلى نتيجة معقولة, أي الإلتقاء ولو في منتصف الطريق.
كتقدمي وثوري لا أستطيع أن ألوم الجينات السودانية (بل على العكس فإني على يقين بأن الجين السوداني هو من أفضل الجينات على ظهر الأرض). وبترجيح الإحتمالات فأستطيع وبكل ثقة أن ألوم الإنجليز. لأن الإستعمار شامل: الأرض والإنسان.
الإستعمار الإنجليزي موجود حتى داخل أكثر الأحزاب راديكالية: أي الحزب الشيوعي السوداني. لأننا حتى اليوم لم نستطع أن نحسم مسألة ما يسمى بـ"الرأسمالية الوطنية" داخل الحزب (تسمية خيالية, بل تناقض في الإصطلاح), رغم أن هذا الأمر حُسم في رسالة دكتوراة حول ذات الموضوع منذ ثلاثين عاما (1) فلا يزال حزبنا يتحالف مع البرجوازية التقليدية مرة, ومرتين وعشرا مكررا ذات النتائج الفاشلة. ولا يزال غير قادر بعد على أن يقطع الشك باليقين فيستبعد وبصورة نهائية من ديالكتيك الحزب إمكانية التعاون مع "الرأسمالية الوطنية".
هذه الظاهرة التي لا تقتصر على الحزب الشيوعي (الثورية في الطرح الأيديولوجي, دون القدرة على النأي بالنفس عن "العشم في الطرف الملوث أيديولوجيا") ظاهرة تمثل سايكلوجية "الرجل الوهمي". كادر الإنتلجنتسيا "التي تحلل كل شيئ تحت الشمس بثقة واقتدار, ثم ينتهي بها الأمر كالعادة إلى اللاشيئ".
لا تنتظر شيئا من رئيس تحرير "ماشي جنب الحيط" لن يتجرأ على نشر تحقيق صحافي يمس شخصية سيادية راحلة بإتهامات خطيرة (بأسانيدها) بالعمالة لجهات أجنبية, وفي الجهات الأجنبية الوكالة المركزية للإستخبارات (2).
لا تنتظر من المطالبين "المجتمع الدولي بحماية المتظاهرين السلميين من بطش السلطة. بطش السلطة عن طريق الإنقلابات أصلا اختراع انجليزي, فلا يمكن أن تطلب من نافخ الكير أن يطيّب ثيابك (اللهم إلا في استحمار المتحدث لمستمعيه).
لا تنتظر من القراي و"المهدية؟" خيرا.
لا تنتظر من إتحاد أطباء السودان بالمملكة المتحدة أن ينشروا تقريرا حول "الحقائق" بصدد لقاح كرونا, فهم يتنادَون ذكورا وإناثا على التسبيح بحمد المصل, أو الإكتفاء بـ"الشرح وتقديم النشرة الرسمية"*. لقد جُبلوا على الإشادة والإمتثال للتوجيهات التي تأتي من فوق. ففي سوادهم الأعظم هم فعلا "تربية إنجليز". تواصلوا مع من يرجى منهم من أطباء الداخل, فهؤلاء هم "الواطين الجمرة".
إقتباس:
أزمة الرجل الوهمي: بين النفسية الإنجليزية والنفسية السودانية
"إن كان ذلك العمى الجماعي عن الحقيقة والحق ينطبق عن الذين سيقوا بجهلهم إلى مسرح الدعاية المغرضة, ماذا عن الذين أيقظوا فتنة نائمة مع سبق الإصرار والترصد؟ ماذا عن الذين نظروا إلى الناحية الأخرى وكان بإمكانهم قول لا؟! التجربة تعلـّمنا أن الإمبراطورية اكتسبت خبرات في تأمين هذا النوع من المغارز. لنحو أربعمائة عام, تقل أو تنقص كانت مملكة المال تعمل على تقويض الأنبل في النفس البشرية. (..) لتجدن أولئك المهزوزين (فئة الرجل الوهمي) في الوظيفة المتواضعة كما الرتب الوسيطة, وصعودا حتى طابق السياسة والعسكرية العلوي. وستتأمل من يضيف, يُسقط عمدا ويكذب كذبا مشينا. من يلوذ بالصمت من جبنه أو يقدّم إعتذرا بائسا في منعطفات مهيبة لا تليق أبدا بالرجل" (3)

نجد ذلك جليا في كتابات:

- "أبو الزهور" الذي يلعب دور بوق الإنجليز حين يقول إن الدستور سواء كان مكتوبا أو غير مكتوب يجب حمايته (4). وتجاهل طبعا أن يقول, "بالمناسبة يا شباب, بريطانيا ليس لها دستور مكتوب".
-"المحجوب" حين يترك إحالات عن رمادية "النواة الداخلية" لأحد الأحزاب السودانية (الأشقاء).
هناك باحث أمريكي توصل إلى نفس النتيجة عن رمادية وظلامية العمل السياسي الإنجليزي:
"من المحتمل أن معظم الأعضاء بالدائرة الخارجية (للتنظيم, م.س) لم يكونوا يعلمون علم اليقين أنهم كانوا مُحرّكين بي جمعية سرية. الأرجح أنهم أدركوا ذلك. لكن التقليد الإنجليزي يسلك مسلكا يعتبر الكتمان أهون الشرين. إن قدرة الرجل الإنجليزي من هذه الطبقة والخلفية على ترك الواضح غير معلن, اللهم إلا أحيانا في النعي على صفحات الجرائد هو أمر يدعو للحيرة, وفي بعض الأحيان يثير حفيظة الغريب." (5)
- بروف أبو شوك, حين ينقل من إيميل من أحد "الزملاء الأكاديميين" حيث يقول الثاني بإن النخب السودانية على اختلاف مشاربها تعمل على إدامة دولة إسرائيل. ثم يدرك لسان أبي شوك الصباح فيسكت عن الكلام المباح. ثم يتصدى بعد ذلك أبو شوك بنفسه للقيام بدور الدعاية لمطبوعة شهيرة لأحد شيوخ الماسونية.
- بروف فدوى عبد الرحمن علي طه, التي تضلل القارئ بالترجمة الخطأ عن عمل من صنع يديها – وهي ماضية إلى شأنها في "الرد" على شوقي بدري (6).
- د. منصور خالد, وقد حاولت التصدي لـ"رماديته" في بداية سلسلة مقالات بعنوان "قرنق والذي غدروا به. نشرت بموقع سودانايل قبل تغيير نظام الأرشفة فضاعات مقالة أو إثنتين من أصل ثلاثة.

مشكلة "الرجل الوهمي" جنوبية أيضا بقدر ما هي شمالية. ونِعم الوهمية. أيها الشعب السوداني الفضل, لا ترجو من هؤلاء خيرا. "الموت سيكون فينا أنهرا" ولكن فلنحاول التوعية لتجنيب أهلنا "الموت بشجرة الديمقراطية".
مازن سخاروف.
---------------
&الموت بشجرة الديمقراطية (1): أصابع الأنقلوساكسون بين الخرطوم وأديس.
(1) الألمُعية, د. فاطمة بابكر محمود, البرجوازية السودانية: طلائع التنمية (؟) باللغة الإنجليزية.
(2) عملت محاولتين جاهدتين للإتصال بمطبوعتين سودانيتيين, واحدة ورقية وواحدة إلكترونية لنشر موضوع عن عمالة المشار إليه: تحقيق بذلت فيه وأيم الله أيّما جهد, حتى لم أدع للمتهم جنبا يتكئ عليه. حرصت أشد الحرص ألا أترك أيّ ثغرة في مادة التحقيق, ونبهت مصدري من الصحافيّيْن بكل من المطبوعتين بأهمية التنسيق مع المستشار القانوني للجريدة المعنية لكل منهما حتى يخرج التحقيق قويا. لكن في النهاية تمخض الجبل فولد رئيس تحرير الجريدة الأولى. أما رئيس الثانية, فلم يكتفِ فقط برفض النشر, بل وجه "تعليمات" أيضا إلى الصحفي بألا يتواصل معي.

(3) من كتاب لم يُنجز بعد ,"خوازيق البلد" لمازن سخاروف,
(4) أزهري, الطريق إلى البرلمان.
(5) المصدر, تمرين للقارئ.
(6) د. فدوى عبد الرحمن علي طه, "الحزب الجمهوري الاشتراكي 1951 – 1954 “حزب وسط دون مقومات", نشر على ثلاث حلقات بموقع سودانايل, "ردا" (غير مقنع) على شوقي بدري في مقاله (من جزئين, "بروفيسورة فدوى عبد الرحمن علي طه: جهل العارفين". سأعود لهذا مرة أخرى بكل تأكيد. من يريد ردا عاجلا, أو توضيحا فليراجعني على الإيميل (بكل شفافية).
* قناة إتحاد الأطباء السودانيين بالمملكة المتحدة. للإنصاف هناك "إستثناءات" دون القاعدة لا تنقصها الشجاعة, كما يُروى على سبيل المثال عن الكنداكة بروف سهير النيَّل. مشباك قناة إتحاد الأطباء السودانيين بالمملكة المتحدة:
https://www.youtube.com/channel/UCGCuKQP3_r3I-gjOC3IGiuQ

==
مازن سخاروف
jsmtaz2014@gmail.com
///////////////////

 

آراء