النخب السودانية خط 100 غرب ومنطقة ظل المطر

 


 

طاهر عمر
11 September, 2022

 

أذكر جيدا أستاذنا في المرحلة المتوسطة و كيف كان تهكمه و هو يسخر من مجموعة تجلس على جانب من الفصل و كانت قليلة المشاركة عندما تطرح الأسئلة. كان ينظر باتجاههم و يصيح ها خط مية غرب منطقة ظل المطر حيث تقع أكثر الصحارى جفاف و حكاية ظل المطر تنطبق بحذافيرها على النخب السودانية و هي تجسد صحارى مناطق ظل المطر فيما يتعلق بالعلاقة التي تربط النخب السودانية و تطور العالم من حولنا و علاقتنا العسكية مع إضطراد التقدم و الإزدهار في رحاب الشعوب الحية.
لسؤ حظ الشعب السوداني لم يصادف مسيرته من بين من خرجوا للعمل العام من يرتقي لمصاف الشخصية التاريخية التي تساهم في إثراء الفكر و تخرج من حيز النظرية الى حيز التطبيق مثلما فعل توكفيل عندما كان سياسيا بارع و مفكر و فيلسوف و مؤرخ و اقتصادي و عالم اجتماع. توكفيل له فكره فيما يتعلق بأحداث 1848 و للمقارنة كان هو سياسيا و كان ماركس في حينها معارض لأفكار عصره و هنا يظهر الفرق بين توكفيل كواقعي و ماركس كأيديولوجي و قد طرد من فرنسا.
و بالمناسبة ما زال فلاسفة فرنسا يرجعون لحقبة وجود ماركس في فرنسا و كيف طرد بعد أحداث 1848 و كيف انتصر فكر توكفيل و الى اللحظة كيف سحبت أفكار توكفيل من قلب النسيان لكي يحارب بها فلاسفة و علماء اجتماع أفكار ماركس و قد إنتصر ريموند أرون على ماركس و ما زالت النخب السودانية تظن بأن فكر ماركس صالح لكل زمان و مكان و هيهات. عند مفكري فرنسا عندما يرجعون لحقبة ماركس و توكفيل و أحداث 1848 نجدهم يتعاملون مع ماركس كمؤرخ عادي قد أخذ مقعده بين المفكريين و لكن ليس كما يعتقد عنه ماركسيي العالم الثالث.
على سبيل المثال قد رجع لحقبة ماركس كل من عمانويل تود و مارسيل غوشيه لتفسير العلاقة ما بين حقبة ماكرون و شبهها لعشية أحداث عام 1848 و كيف انتصروا لفكر توكفيل مقابل فكر ماركس الثوري الأيديولوجي متى يصل عندنا مستوى النخب للوعي الذي قد وصل له علماء أحتماع فرنسا و هشام شرابي في تعاملهم مع فكر ماركس في الأغلال و ليس ماركس طليقا كما يظن ماركسيي ثورة في الثورة؟
و للحقيقة نجد أن عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي منذ ستينيات القرن المنصرم قد توصل لحقيقة أن ماركس يمكن أن تحضره فقط عندما يكون تحت المراقبة و ليس طليقا كما يعتقد عندنا حملة الايدولوجيات المتحجرة و هشام شرابي يدرك بحكم تخصصه كيف أن الليبرالية التقليدية قد أفل نجمها و أن هناك مفاهيم كثيرة قد أعقبت ماركسية ماركس فيما يتعلق بنقل فكرة المنفعة و الاشباع من حيز المعادلات السلوكية للفرد كمستهلك الى حيز الاشباع المتعلق بالمجتمع ككل في ظل الليبرالية الحديثة.
لهذا نجد أن هشام شرابي كان من أكثر الناس نقدا لأحزاب اللجؤ الى الغيب و أتباع الأيديولوجيات المتحجرة و يذكرنا حديثه دوما بأستاذنا و كيف كان يصف مجموعة من فصلنا بأنهم خط مية غرب منطقة ظل المطر و أكثر الصحارى جفاف و هذا ما ينطبق على أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب و أتباع الأيديولوجيات المتحجرة من بين النخب السودانية.
ما أود أن أقوله للنخب السودانية أن علاقتهم بتطور الفكر ذات علاقة عكسية و المؤسف لم تدرك النخب السودانية عكسية علاقتها بتطور الفكر كما أدرك فلاسفة فرنسا بأن الفلسفة الألمانية مهيمنة على الفكر في فرنسا و بعدها كيف طوروا أفكارهم و كيف تمت مسألة الزحزحة و الخلخلة لكي يتم التصالح ما بين الفكر في فرنسا مع التاريخ و كيف يتم الانعتاق من هيمنة الفلسفة الألمانية على ساحة الفكر في فرنسا؟
و هذا يحتاج لجهد عظيم كما قدمه فلاسفة فرنسا و للأسف نجد أن ساحتنا السودانية فيما يتعلق بالفكر متغير تابع لمتغير غير مستقل لفكر العالم العربي و الاسلامي التقليدي و الأكثر مقاومة للحداثة لهذا السبب تزدهر في ساحتنا أحزاب المرشد و الامام و مولانا و السلفيين و تسود ثقافة دينية لا تخلف غير العدميين أعداء الاشراق و الوضوح.
ما أود أن أقوله نحتاج في راهننا و خاصة في أعقاب ثورة عظيمة مثل ثورة ديسمبر المجيدة للسياسي الفيلسوف و عالم الاجتماع و المؤرخ و الاقتصادي كما كان توكفيل في لحظة أحداث 1848 في فرنسا و لكن كان واقعيا منتصر على ماركس الثوري و كيف كان قادرا على طرح فكر يجعله في مصاف الشخصيات التاريخية.
و كيف لا و قد لاحظ توكفيل كيف يستقيم صراط الثورة الديمقراطية بسبب التطور الهائل في فكر الارستقراطية و أرباب العمل و البرجوازية الصغيرة عندما أدركت ان دورها يتمثل في مسألة تنمية المسؤولية الاجتماعية و قد أصبحت نواة ذرة الضمان الاجتماعي الذي يسود في جميع الدول الأوروبية و في حينها كانت الديمقراطية تعاني من آلام العنصرية و لعنة الرق و ظلمات أضطهاد المرأة.
و لك أن تلاحظ الفروق ما بين توكفيل و فكره قبل قرنيين و كساد النخب السودانية التي ترطن رطانة النخب الفاشلة و كل همها سب البرجوازية الصغيرة و هي تجهل أن ثورة الديمقراطية كانت نتاج التطور الهائل في تحمل البرجوازية الصغيرة لفكرة المسؤولية الاجتماعية و هي غائبة عن أدبيات نخبنا حتى لحظة كتابة هذا المقال لهذا نجد أن أدغار موران قد فارق الفكر الماركسي قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني و كيف أصبح كلود لوفرت و مسألة السلطة كمفهوم حديث في خط واحد داعم لفكر ماكس فيبر هادي و حادي فكر ريموند أرون و كيف يتحدث عن عقلانية الرأسمالية.
عندما نتحدث عن توكفيل كمنظّر و فيلسوف و سياسي قد قد أبدع في حيز التنظير و كان ناجح كسياسي على أرض الواقع لأننا نطمح في أن يصل السياسي السوداني الى مستوى وعي ينتج لنا قامات تعرف كيف تجسر ما بين النظرية و الواقع كما فعل توكفيل.
مثلا نريد سياسي سوداني يتجسد فكره في طرح أحزاب سودانية تتحدث عن المسؤولية الاجتماعية التي تضمن للفرد ضمانا أجتماعيا فهل صادفك أن قدم أي حزب سياسي سوداني فكره فيما يتعلق بالسياسة و الاقتصاد و الاجتماع؟ أي فكر سياسي و اقتصادي يريد تطبيقه حتى يحقق الرفاه الاقتصادي و ينزل مسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد على أرض الواقع؟
نقول قولنا هذا و ندرك أن أغلب أحزابنا السودانية لم تدرك بعدا بأن طرحها للفكر الديني في زمن قد أصبح فيه الدين في مستوى دين الخروج من الدين مسألة ضياع زمن في وقت لم يعد فيه للدين أي دور بنيوي فيما يتعلق بالسياسة و الاقتصاد و الاجتماع.
و هذا لا يعني أننا ندعو للإلحاد بل نؤكد بأن الدين قد أصبح شأن فردي يخص الفرد لوحده في علاقته مع الله بعيدا عن تدخل رجال و تجار الدين أما علاقته مع مجتمعه فتحكمها معادلة الحرية و العدالة التي تفترض أخلاقية و عقلانية الفرد. و عليه نقول للشعب السوداني مصدر السلطة و صاحبها أن يطالب من الأحزاب السودانية طرح فكرها فيما يتعلق بالسياسة و الاجتماع و الاقتصاد بعيدا عن خنوعهم للمرشد و مولانا و الامام فنحن في زمن الانتصار للفرد و العقل و الحرية.

taheromer86@yahoo.com
//////////////////////

 

آراء