بلا مكابرة، النظام يتهاوى إلى الدرك الأسفل من الإرتباك، الفشل، الإخفاق، العجز. القنوط السمة الغالبة على الشعب. الغموض يكتنف الأفق أمام الجميع. التأزم الراهن حتميته الإنفجار أو الإنهيار. تعدد المحاولات العبثية بحثا عن مخرج من الأزمة يفضح فقدان البوصلة، دع الحديث عن خارطة طريق. لدى قطاع عريض من االسودانيين قناعة بهزال العقلية الحاكمة بالإضافة إلى فقدان الإرادة الحكومية المقتدرتين على بث أمل التعافي العام.
النظام في أكثر حالاته إرتباكا حد العجز. ماكينة الدولة غير قادرة على إنتاج إجراء مقنع مفرح. الأخبار الرسمية الصادرة متباينة الأصعدة تكشف غياب المؤسسية، دع عنك إنعدام الرؤى النافذة. هناك فقط إجماع على وقوع أخطاء فادحة في ظل سياسات عشوائية راكمت ما يمكن تصنيفه ضمن جرائم في حق الشعب. الشواهد لا تستدعي السرد إذ هي شاخصة على امتداد خارطة الوطن يدركها كل أمي .
طاحونة "الوفاق الوطني" لم تفرز طحينا يكسب النظام منعة، بل تبناً زاده ترهلاً. بعض الجانحين للمكاسب فقدوا التوازن حتى صاروا ملكيين أكثر من أهل النظام. بعض ارتضى من الحقوق والواجبات مكاسب بخسة. النظام أسبق تفضيلاً لذوي الأطماع على أهل الأطماح فاتسقت الحصيلة كما لا نوعاً.
عندما تضيق مساحة النقد المبني على الحرية تقارب الدولة الموات لا محالة.
تلك حقيقة لا يلغيها إستغلاظ الحلول الأمنية. عندها لا تجدي المحاولات البائسة لجهة تسويق القائد من أجل إنقاذ مؤسسات الدولة المتهالكة أو الصورية. كلها فاقدة القدرة على الإبداع أو العلاج. منتقدواللجان الرئاسية الخمس من منطلق تجريد رئيس الوزراء بعضاً من صلاحياته يغفلون عدم حصول الرجل نفسه على تفويض دستوري يحدد سلطاته. من حق رئيس الدولة الإستعانة بمن يرى في وسعه الإعانة. اللجان ليست غير بضع متناثر من مجلس الوزراء نفسه. ما الفرق بين رؤية أحدهم في القاعة المشارفة على شارع الجامعة وتلك المطلة على النهر؟ هذا إتساق إسلامي لرؤية ماركس "البيئة تشكل الوعي"!!
ربما جاءت اللجان أكثر جدوى لو أصبح قوامها عدد رشيق من أهل الإختصاصات حسب تنوع مجالاتها. كما تصبح أكثر نفعاً فيما لو تم اختيار أعضائها من خارج مواعين الحزب والدولة وشركائها. ليس المستهدف تحقير هؤلاء بقدرما هو الحرص على تباين الرؤى.
بعد زهاء عقود ثلاثة لا تستدعي أزماتنا تشكيل لجان وزارية أو رئاسية. نحن مطالبون بإعادة النظر في بنانا الإجتماعية التحتية أولاً؛ البيت، المدرسة، الجامعة، المسجد. محور خلافاتنا الأساسية ليس فقط السياسة بل أكبر من ذلك جوهر القيادة. كما قال الخميني "داخل كل منا شيطان إن لم نكافحه أفسدنا خطوة خطوة" على عدد خطواتنا في غضون العقود الثلاثة توغل بنا الشيطان في الفساد.
الوطن لن يتقدم في غياب الوعي والحرية. مدن عاصمتنا المترهلة بكثافة عشوائية متخمة بالتخلف، بالبطالة، الأمراض كما هي بالفوارق الإجتماعية والقهر. تحت عصي العنف الغليظة المفرط انحسرت ممارسات أنصار الخير امام جلبة أداء حركة التقدم إلى الأمام. لكن الحكمة المذهبية لا ينبغي لها الذهاب بنا حد الإهتداء بقول علي بن أبي طالب "لم يحدث كثيرا إنتصار الخير عندما يتحول الناس إلى الباطل" إذ الإمام علي نفسه القائل "من المألوف ان يعلو الباطل ومن النادر ان يعلو الحق لكن النادر يستطيع ان يحقق النصر".
عند المنحنى الزماني الراهن لا يبدو النظام فقط أكثر إرتباكا من أي وقت مضى بل أكثر تأهبا لارتكاب حماقات إذ أنه في الوقت نفسه أكثر عجزاً من أي وقت مضى بفعل سياساته الظاهرة وتناقضاته الباطنة. في الظروف المشابهة لاتكون المشكلة كما قال سقراط " في النجاة من الموت بل في النجاة من الجريمة" لهذا من غير المنطقي إنتظار جثة النظام طافية عند منعرج النيل.
هناك أكثر من سيناريو لمراوغة الضغوط العلنية والتناقضات المكتومة.
عوضاً عن إخرج مسرحية للتهدئة آثر ناسجو الدراما استعراضاً للمناورة. من شأن أي لقاء مع ولو بعض من قيادات المعارضة على خلفية تظاهرات الغضب إسباغ قدر من العقلانية. لكنما النظام إختار تغييب ذلك البعض خلف الأبواب المغلقة. بغية إضفاء مزيد من الغلظة على وجه النظام جرى تسريب إستقواء الرئيس بثلاثمئة من الضباط الإسلاميين. التسريب ينطوي على ضعف أكثرمما يستعرض منعة. هو يفصح عن تقسيم متعمد داخل المؤسسة العسكرية. الحديث عن دموع الرئيس ينم عن ضعف لا يليق بمن تسنم السلطة عقوداً مع الرهان عليه ليس للصمود في وجه الإعصار فحسب، إنما كذلك لعبور بحر الأزمات. النظام برمته يسند ظهره إلى جدار المؤسسة العسكرية. هو في غنى عن الإفصاح بالإستقواء بشريحة منها.
السيناريو الأقرب للمخيلة حدوث إنقلاب على "ملكية " الحزب المشقق. من اليسير الإستعانة بفئة من الموالين الموثوق قبول الرأي العام سيرهم غير الوالغة في الفساد. لكنما البطولة في السيناريو الجديد لن تكون خالصة لهؤلاء. ربما تسند إليهم أدوار ثانوية. وجود مثل هذه الوجوه يفرضه الحرص على الإحتفاظ بسياق الدراما على نحو يجهض مسبقا أي محاولة مضادة محتملة من قبل متربصين داخل الحزب المشقق. من شأن نوعية وعدد الوجوه المستجلبة من خارج فناء الحزب التقليدي أضفاء مسحة قومية تصلح للرهان عليها. أو ربما إمتصاص نوبات الإحباط الغالب كما موجات الغضب العارم ولو مؤقتاً. هذه حماقة أو مغامرة لا يهم. الأهم أنها تشغل المتعاركين حول التمديد والترشيح.
aloomar@gmail.com