الهلاك سليل الفساد ولاية الخرطوم نموذجاً .. د. الفاتح الزين شيخ ادريس

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يمكن القول بداية أن الهلاك سليل الفساد وأن العمود الفقري للفساد هو الفقر الذي يؤدي إلى الكفر وأبواب الشرور كلها بحيث لا توجد آية في القرآن الكريم تتحدث عن الفساد إلا وتليها أية تتطرق إلى الهلاك والعاقبة الكبرى للمفسدين. والأمثلة على ذلك عديدة أهمها: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فدمرناها تدميرا" (الآية 16 من سورة الإسراء) وأيضا الآيات التالية "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد(الآية 205 من سورة البقرة" فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"( الآية 14 من سورة النمل)،و" الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ،فصب عليهم ربك سوط عذاب،إن ربك لبالمرصاد "( الآيات 11 ـ 14 من سورة الفجر).

وكان الفساد بعمومه،لا سيما المالي منه أول المظاهر الاقتصادية السلبية التي عالجها الإسلام منذ بداياته، فشن حرباً لا هوادة فيها على الاستغلال والاستعباد وتطفيف الميزان والغش والاحتكار والسرقة والرشوة والربا والسرقة والاغتصاب، ومن ثم التعدي على المال العام وغير ذلك، واستمر في محاربة الفساد بكل أشكاله وألوانه وقد وضع التشريعات القانونية التي تمنع كل مظاهر الفساد المالي، فحرم السرقة، فقال تعالى:" السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق ، فلهم النار يوم القيامة"، وهناك الكثير من الأدلة الشرعية المحرمة للغش والرشوة والاحتكار والاختلاس وغيرها ولا مجال لذكرها هنا.

هذه الإدانة القاطعة للفساد في الينابيع النقية للثقافة العربية الإسلامية لا تنفي أن بعض البنى  الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية التي تتغذى على العصبية والولاءات الاجتماعية الضيقة ،في غياب مؤسسات المجتمع المدني الصالحة وضيق المجال العام بسبب التضييق على الحريات ،وخلل الحكم تكون بيئة خصبة لانتشار الفساد وتحوله إلى وباء يفتك بالبنى التكوينية الشاملة لواقع المجتمع والحؤول دون تطوره مستقبلاً.وبالتالي تنهار المجتمعات ثم الشعوب وتنعدم الثقة بين الافراد ويصبح كل منهم يكيد الدوائر يتحرك بحذر وهدوء حتى يحقق مبتغاه  .

قرأت رؤية وآلي الخرطوم وعلمت أن الأمن الاقتصادي أخبره بما يحدث في مكتبه ولكنه حسب قوله أنه يثق في الذين اختارهم للعمل بمكتبه وهذا يعني أن الأمن الاقتصادي غير موثوق فيه وهذه معضله ، لذلك كانت النتيجة تزوير واختلاس من داخل مكتب الوالي ، حدث ولا حرج ، والطبيعي محاسبة الكل بما فيهم الوالي نفسه لأنه لم يدرك ما يدور داخل أروقته خاصة أن المفسدين توفرت لهم الحماية تحت مظلته بعلمه أو بدون علمه فالمقصد مكتب الوالي . وهذا قمة الفشل الاداري . وعليه اخلاقياً أن يرحل من هذا المنصب طوعاً أو كرهاً ، وليعلم أصحاب القرار أن عمر بن الخطاب عزل وآلي البحرين بعد أن ثبتت براءته لمجرد الشبهه ، وهذه اصول الدين الاسلامي  .

سؤال آخر هل كل من يتم تعينه في منصب يأتي ببطانته وحاشيته ؟ وماقيمة لجنة الاختيار إذن ؟ كل الذين تم تعينهم وجاء بهم أصحاب المناصب كانوا كارثة ويبدأ منهم الفساد والتسلط والغرور ، السلك الاداري في البلاد كان أكثر احتراماً وانضباطاً جميعهم تم تعينهم عبر لجنة الاختيار كل حسب مؤهله ، أما ما يحدث الآن صوره غريبة أدت لهذا الانهيار الاخلاقي المدمر ، مسألة أخري تتعلق بالقوانين التي أصبحت تحمي المفسدين بالقول أنهم تتحللوا ودفعوا ما أخذوه  لذلك أطلق سراحهم ، عجب هؤلاء زوروا وباعوا وأفسدوا يجب محاسبتهم علناً وبسرعة بدون ابطاء ليكونوا عبره لكل فساد ،  المهم هذه ولاية الخرطوم فما بالك بالمحليات فهذه صوره لمجموعة من السماسرة  لهم سمات معينة وادوار معينه يؤديها كل منهم من الصباح حتي المساء.  ذهب الحياء عن الوجوه  وضاعت هيبة الموظف المحترم ومعهما ضاعت هيبة القانون ، هنالك مشاكل ومصائب كثيره يقف عندها المرء خائفاً ذليلاً من هول ما يحدث مشكلة الاقطان والله عندما قرأتها وفهمتها مسلسل درامي لمشهد فساد من اساسه ، والنتيجة دون حساب ، استقالة النائب العام لماذا ؟

المخلصون يتعرضوا لضغوط كثيرة واضحة من تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم، ومصيرهم ترك العمل وهذه غاية المفسد، يتحرك يقتل ويبعد كل من يعترض سبيله ، أين قانون من أين لك هذا ؟ والله لو طبق نشوف العجب ، الصورة محزنة ومشكلتنا ليست في الحروب وليست في الاتفاق وليست في كثرة الاحزاب مشكلتنا في ضمائرنا التي ذهبت وذهب معها الحياء وهذه مشكلة ، الحروب تُعالج والفتن تُزول ولكن فساد الاخلاق ينمو بضعف النفوس وضعف الايمان يصيب الافراد  والجماعات ومن الصعب علاجه ، لذلك انتشر الفساد في وضح النهار على عينك يا تاجر . القادم اخطر والمصيبة اكبر والغريب الساسة في انتظار قانون الانتخاب ليحكموا، والسؤال هل الشعب مقتنع بهم ؟ كفاية  ، كفاية ....والله المستعان.

eidris2008@gmail.com

/////

 

آراء