الوقواق الأمريكي والوقواق السوداني!! .. فيصل علي الدابي/المحامي/الدوحة\قطر

 


 

 

الوقواق أخبث طائر في مملكة الطيور على الإطلاق بل هو ملك الخبث بلا منازع!! أنثى الوقواق تنصب كميناً لطائر من جنس آخر يحتوي عشه على بيض مماثل لحجم ولون بيضها وتظل رابضة في مكمنها الخفي بصبر وقواقي عجيب حتى إذا ما غادر الطائر عشه كي يتناول ما يسد به رمقه تسارع برمي بيضة واحدة من عش الطائر وتضع بدلاً منها إحدى بيضتيها حتى لا يلاحظ ولا يفهم الطائر صاحب العش ما جرى!! ثم تكرر أنثى الوقواق نفس السيناريو الخبيث مع طائر آخر وعش آخر وتضع بيضتها الثانية!! ثم تحلق بعد ذلك مع الوقواق الذكر في سماء الحرية بعد أن تخلصا معاً من واجبات الامومة والأبوة الثقيلة المتمثلة في حضن البيض وإطعام الفراخ التي لا تشبع تاركين هذه المهام الشاقة للطائر صاحب العش الذي يتمتع بقدر من السذاجة والغفلة بحيث لا يفطن لتلك المكيدة الوقواقية المحكمة!!

ولعل فرخ الوقواق أخبث من والديه بمراحل كثيرة!! فما أن يخرج الفرخ الوقواقي الشيطاني من البيضة وقبل أن يتمكن من الإبصار يقوم بزحزحة البيضة الأخرى بمؤخرته وإسقاطها من العش حتى ينفرد وحده بالغذاء!! وبعد مرور أيام قليلة من الأكل الانفرادي الشره يصبح فرخ الوقواق أكبر بكثير من أمه الوهمية لكنها لا تلاحظ ذلك فتواصل إطعامه بمجهود أكبر وأكبر وما أن يشتد جناح الفرخ الوقواق الحرامي حتى يغادر عش أمه الوهمية ليعيد دورة الخبث الفطري الشديد من جديد بشكل أكثر خبثاً وأشد دهاءً!!

هذا السلوك الوقواقي الذي يقوم على سرقة مجهودات الآخرين الغافلين منتشر جداً جداً بين الدول وفي المجتمعات البشرية، فهناك بشر وقواقيون وهناك حكومات وقواقة!!

هناك دول غنية وقواقة يعتمد ثراؤها على فوائد الديون المفروضة على الدول الفقيرة فهي تحقق رفاهية شعوبها على حساب جوع ومرض وجهل الشعوب المدينة فتخترع صناديق وبنوك نقد دولية تقوم بالتبرع ببعض المساعدات الدولية الضئيلة ثم تضخم ذلك التبرع بأكبر الأبواق الإعلامية العالمية ثم تقدم الديون المفخخة للدول الفقيرة التي تتراكم عليها فوائد ديونها حتى تفوق المبالغ الأساسية للديون التي استخدمتها حكوماتها غير الرشيدة بتوصيات وقواقية في مشاريع وهمية لا تغني ولا تسمن من جوع ثم تنقض الدول الوقواقية على موارد الدول الفقيرة بدون رحمة وتستنزفها شيئاً فشيئاً دون أن يرمش لها هدب!!

هناك وقوقة سياسية منتشرة بكثرة في دول العالم الثالث حيث تقوم بعض الأحزاب الحاكمة بتحين الفرص والانقضاض على قواعد وكوادر أحزاب المعارضة الضعيفة ومن ثم تقوى مراكزها على حساب تشرذم وتفتت تلك الأحزاب التي وقعت فريسة للوقوقة الحزبية!!

هناك وقواق عسكري سوداني يرتدي الكاكي يأخذ كل مرتباته وامتيازاته من عرق المدنيين السودانيين ومع ذلك ينقلب على حكومتهم الديمقراطية ويشكل حكومة عسكرية انقلابية طمعاً في كل السلطة وكل الثروة ثم يستأسد على المدنيين السودانيين بالتصريحات العنترية وبقتلهم الجماعي بالجملة والقطاعي ثم يدعى أمام العالم كله أنه حامي حمى المدنيين إلى يوم الدين!! وهناك وقواق أمريكي يدعي حماية شعوب العالم الثالث وينادي بنشر الديمقراطية في العالم فيقوم بفرض العقوبات المالية على الشركات العسكرية الانقلابية المنتشرة بكثرة في دول العالم الثالث وبالذات في أفريقيا، فيصفق المعارضون السياسيون في تلك الدول لتلك الخطوة الأمريكية لكن الواقواق الأمريكي يقوم بسرقة كل تلك الأموال الأفريقية ويودعها في الخزانة الأمريكية الهائلة التي كلما تم صب الأموال الدولية الضخمة المسروقة في جوفها تصيح: هل من مزيد!!

هناك أمم مفككة تسمي نفسها الأمم المتحدة على رأسها مجلس وقواقي يسمى مجلس الأمن وبداخله خمسة دول وقواقة تملك كل واحدة منها حق النقض وهو صوت وقواقي واحد يستطيع أن يهزم وحده أي قرار يتخذه جميع سكان الدول الأخرى في العالم!! ومع ذلك يتحدث كل وقواق دولي بأعلى صوت عن العدالة الدولية وما أدراك ما العدالة الدولية!!

هناك وقوقة وظيفية شائعة، فكثير من الموظفين، من ذوي الجهالات المقيمة، يسرقون مجهودات زملائهم الغافلين ويرتقون سلم المجد والشهرة دون بذل أي مجهود!! هناك وقوقة عاطفية، فالرجل الوقواق أو المرأة الوقواقة يقومان بالتربص بالشراكات العاطفية الناجحة ثم ينقضان على الضحية الغافلة في لحظة الصفر وينجحان في اصطيادها ثم يستمتعان بفوزهما الدنيء غير عابئين بدموع وآهات الضحية المكلومة، وهكذا يتعدد الضحايا والوقوقة واحدة!!

الأغرب من ذلك أن الوقواق الطائر أو الوقواق البشري أو الوقواق الحكومي لا يشعر أبداً بتأنيب الضمير ولعله يؤمن بالمنطق الوقواقي الذي مفاده أن الضحية الغافلة أو الساذجة أو المغلوبة على أمرها تستحق الافتراس لأنه لا أحد يستطيع أن يستغفل أحداً إلا إذا كان مغفلاً وفوق ذلك لأن القانون لا يحمي المغفلين بأي حال من الأحوال!!، ولهذا فإن التوقوق على الضحية يصبح فعلاً مشروعاً لا غبار عليه بل أنه يدل على الفهلوة التي تثير أقصى درجات الإعجاب لدى الآخرين الذين انطلت عليهم الحيل الوقواقية!!

أخيراً يجب أن أقول لجميع الوقواقين ولجميع ضحايا الوقوقة: ما أقبح هذا العالم حين تصبح الوقوقة سلوكاً شخصياً أو اجتماعياً أو دولياً سائداً!! ما أفظع هذه الدنيا حين يصبح سارقو مجهودات الآخرين أبطالاً ويصير الضحايا الطيبين مجرد حفنة من المغفلين والمغفلات الذين لا يثيرون شيئاً سوى الرثاء الممزوج بالسخرية!!

فيصل على الدابي/المحامي/الدوحة/قطر

menfaszo1@gmail.com
////////////////

 

آراء