الولاة المدنيون والوضع الاقتصادي الحرج

 


 

 

 


لا شك في أن الواقع الاقتصادي المتدهور الذي يعاني منه السودان و الذي أورد البلاد و العباد موارد المعاناة الحقيقية يشكل عقبة كؤود في طريق الولاة الجدد، و هم يتلمسون طريقهم لإنفاذ برامج عملهم الولائية التي يأتي على رأسها تحقيق الأمن و الإهتمام بمعاش الناس. لذا فقد وجد السادة الولاة أنفسهم في وضع غير مؤاتٍ للوفاء بالوعود ذات الصلة بالمشاريع التنموية و الخدمية الكثيرة التي وعدوا الجماهير بإنجازها في الولايات، ما يحتم عليهم إبتداع وسائل أو آليات ما تعينهم على إنجاز القدر المعقول أو حتى الحد الأدنى من الأهداف المرسومة، مع العمل بالشفافية المطلوبة لتمليك الجماهير المعلومات و إحاطتهم علماً بواقع الحال و الإمكانات المتاحة.
و في إعتقادي أن أنجع وسيلة لإبتداع الوسائل أو الآليات آنفة الذكر تتمثل في إتباع النهج المؤسسي في إدارة شؤون الولاية و ذلك من خلال العمل بمبدأ المؤسسية الذي يفسح المجال لمنظومة الحكم بكل كوادرها القيادية و غيرها من خبراء الإدارة العامة و خلافهم من خارج المنظومة، ليشكلوا، جميعا، خزانة فكر Think Tank يناط بها إعمال العقل الجمعي من أجل إدارة الشأن الولائي في ظل ظروف إستثنائية معيقة للأداء المعياري أو المعقول الهادف لتحقيق الغايات بالقدر الذي يلبي الطموح.
و يعد هذا النهج المؤسسي، بلا شك السبيل الأنجع، إذا لم يكن الأوحد، لبلوغ الغايات و تلافي أسباب الفشل.
و لكي تقوم خزانة الفكر المشار اليها بالمهام و المسؤوليات المناطة بها، بالفاعلية المنتجة و المحققة للأهداف فان ثمة حاجة لأن تضم كل من يمتلك القدرات و المهارات ذات الصلة بإجتراح الحلول للمشكلات الاقتصادية و الإدارية التي تواجه الولاية. فليس ثمة أداة فعالة و ذات مردود ايجابي عظيم الأثر في مواجهة و حلحلة المشاكل و الازمات، اكثر مضاء من إعمال العقل و التوسل بالفكر . يقول عالم الاقتصاد الباكستاني محبوب الحق أنه لا يؤمن بأرض جرداء أو صحراء لا موارد فيها بقدر إيمانه بعقل يستطيع إخراج الكنوز من هذه الأرض. و يحدثنا التاريخ الحديث عن دول تعوزها الموارد غير أن قادتها و مفكريها استطاعوا، عبر الفكر و التخطيط الواعي السليم فضلا عن التجرد، إنتشال بلدانهم من وهدة الفقر، فاستطاعت تلك الدول أن تستشرف واقعا إقتصادياً و حضارياً لم يكن ليتأتى لها بلوغه لولا الفكر و الاخلاص و التجرد. و من هذه الدول، على سبيل المثال لا الحصر، سنغافورة و ماليزيا و رواندا و غيرها.
غني عن القول أن الضباط الإداريين و التنفيذيين يمثلون، بحكم إداركهم لطبيعة و واقع الحكم المحلي، إسنادا مقدراً من جهة إمكانية الاستعانة بهم في العديد من القضايا و اتخاذ القرارات الولائية.
و مما يجدر ذكره أن السودان، و كما هو معروف، بلد غني بالموارد المتنوعة التي يمكنها أن تجعل منه دولة غنية يشار إليها بالبنان، إذا ما أحسنت إدارة هذه الموارد و توافر الحس الوطني و الإخلاص و التجرد في المسؤولين و أصحاب القرار.
غني عن القول ان كل ولايات السودان تزخر بموارد مقدرة و كافية تسد حاجتها و تزيد.
و بالقطع فإن ثمة واقع موضوعي بكل ولايات السودان يجب أن يؤخذ في الإعتبار عند محاولة تفكيك مشاكل و أزمات كل ولاية، يتمثل في التدهور و الإنهيار الواسعين اللذين حاقا بكل مناحي الحياة جراء سياسات و ممارسات العهد البائد.
و تبعا لذلك فإن خزانة الفكر آنفة الذكر سوف تمهد طريق النجاح عبر الادارة الجماعية للشأن الولائي من خلال الدفع بالأفكار و الآراء و المقترحات المختلفة و تلاقحها سعيا وراء الرأي الأصوب و إتخاذ القرار المناسب في الوقت و الزمان المناسبين. و يتعين، في هذا الصدد، إدراك حقيقة أن الوضع العام بالولايات يعد إستثنائيا و بالتالي يحتاج الى ترتيبات استثنائية. كما يجب إدراك حقيقة أن حل أزمة السودان السياسية هو المدخل لحل المعضل الإقتصادي و غيره و بالتالي تمهيد الطريق للولاة لإنفاذ برامج عملهم كما ينبغي.
و بالمقابل فإن إعتماد الوالي على الادارة الفردية المحتكرة للحكم و المتجاهلة للمؤسسية سيكون محصلته الفشل و البوار و من ثم سيواجه الوالي برأي جماهيري سالب في حكومته.
لذا فإن إتباع النهج المؤسسي المتكيء على الفكر و إعمال العقل الجمعي في إدارة شأن الولاية يمثل عاملاً مفتاحياً و حاسماً في بلوغ الغايات، و بالذات في الظروف الإقتصادية الراهنة لبلادنا التي تجعل من الحكم أشبه بإدارة أزمة.

al3akeed1@hotmail.com
////////////////

 

آراء