ام روابة القاسم المشترك الأعظم

 


 

 

جمال عنقرة

 

          بعض المقالات تكون كتابتها صنعة، ومقالات أخري تصنع نفسها. فالمقال الذي يصنع نفسه لا يأخذ جهداً ولا وقتاً، فهو الذي يقود القلم. والمقال الذي كتبته قبل نحو اسبوع أو يزيد عن عودة الأخ ميرغني عبد الرحمن لمولانا السيد محمد عثمان الميرغني من النوع العفوي الذي يكتب نفسه. وكنت في ذاك المقال فقط أعبر عن حالة أعيشها. ومع ذلك وجدت تجاوباً من القراء مع المقال أكثر من مقالات كثيرة بذلت جهداً كبيراً في صنعتها. ففي يوم نشر المقال اتصل بي (دينمو ام روابة في الخرطوم) الأخ أزهري مكي وأخبرني أن أهلي في ام روابة يتداولون المقال باحتفاء شديد، ثم احتفي به كذلك إتحاديون من الذين سرتهم عودة ميرغني للميرغني. ولكن إحتفال أهل ام روابة كان أشد. وهذا من عبقرية هذه المدينة الرائعة.

 

          وأذكر قبل أيام اتصل بي الخال أبوبكر عثمان محمد صالح من القاهرة وأخبرني أن الأخ عبد الله مسعود أيضاً في القاهرة لأتصل به. وثلاثتنا أجيال مختلفة وقبائل مختلفة ومدارس فكرية وسياسية مختلفة ولكنها ام روابة القاسم الأعظم التي يعلو الإنتماء إليها علي كل انتماء آخر.. ودائماً ما أقول أن ام روابة صنعت لي أخوال من أكثر قبائل السودان. وأقول أخوال وليس أعمام لأن جدي لوالدتي الشيخ جبارة عمر أحد أعمدة هذه المدينة وهو الذي رسخ ما بيننا وبين أهلها القدامي و القادمين. وقدوم جدي جبارة لها كان بعد نهاية المهدية، إذ أتي مع الذين أتوا بعد كرري واستقر المقام بهم أولاً في الجوغان وتزوج هناك من حبوبتنا غنية بت تاور الذي كان رأس مائة في المهدية، ومنها إلي العاصمة آنذاك (التيارة) ثم وصل المركز في ام روابة وعمل باشرطة ثم أحيل إلي التقاعد في العام 1907م فعمل بالغابات وغرس كل أشجار النيم التي صارت تسمى به المدينة (عروس النيم) والتزم الطريقة التيجانية وصار من ألمع مشائخها في المنطقة. أما والدي المهندس عز الدين النور عنقرة فأتت به إليها الوظيفة بعد المعاش ليعمل مهندساً لمياهها الريفية بالمشاهرة فتزوج والدتنا التومة بت جبارة.

           خلال رحلة جدي جبارة هذه والتي امتدت حتي العام 1975م حيث توفاه الله علي عمر تجاوز المائة، صنع إخاء مع مجموعة من أهل المدينة وكنا حتي بلغ بنا العمر مبلغاً معقولاً نعتقد أن ما بينهم رباط دم، حتي أدركنا آخراً أنه لا تجمع بينهم حتي القبيلة التي صارت اليوم تعلو علي الجنسية السودانية، وصار لنا أخوال من الجوامعة أمثال أبناء ود حماد، وأخوال من العمراب هم أبناء الفضل ، وأخوال من الفلاتة هم أبناء أبوكنانية، وأخوال من الهبانية مثل الخال سليمان أديب وأخوال من التعايشة مثل أبناء زاكي الدين. وأولاد حاج عثمان هم أخوالنا الحلفاويين.

          وأذكر عندما اتصلت بالأخ عبد الله مسعود وأخبرته أنني عرفت بمجيئه من أبو بكر ظن أن معرفتي به سطحية ذلك لأنه انقطع سنين عدداً من ام روابة ومن السودان كله، وكان يحسب أنه يعرفني أكثر مما أعرفه لما حزته من شهرة بالإعلام، فحاول تقديم نفسه لي بتفصيل أكثر فسألني إن كنت أعرف فاطنة بت بشير، فقلت له فاطنة بت بشير أمي مثلما هي أمك، فإن كانت هي امك التي ولدتك فهي واحدة من أمهاتي في حي أديب اللاتي تربيت بينهن، وكان عندما يحين وقت السفر للدراسة يدفعن لي مصاريف للسفر كما تدفع الأم لابنها تماماً، وكانت بيوتهن لي بيتاً. وأذكر منهن علي سبيل المثال لا الحصر، فطين بت محمد دودو، وبنات سالم عمر، وستنا ام أولاد آدم إدريس، وهانم بت الأمير حمزة بن السلطان علي دينار، وحواء بت محمد ضو والشول ام أولاد برعي، وحاجة ام بريمة زوجة عبد الله سبيل وست ام سترين بت أحمد، وفاطنة بت ود حماد (نبقاية) وفاطنة بت الشايب وحليمة بت حمدان. وغيرهن كثيرات وكثيرات.

           ومما لفت إليه نظري الأخ أزهري مكي إصلاح أعطال كهرباء المدينة الذي ساهمت فيه شركة دال وفاء لأحد منسوبيها من أبناء ام روابة الذي قدرت تعلقه بأهله وهو الدكتور عبد الرحمن، وساهم فيها كثير من أبناء ام روابة ووقفت معهم وزارة الطاقة الإتحادية وهيئة الكهرباء ووزارة التخطيط العمراني بالولاية فلهم منا جميعا التحية والتقدير. وأشارك أهلي الإحتفاء بابنهم العائد رئيساً لتحرير جريدة الخرطوم الأخ معاوية حسن يسن. وصلتي بمعاوية بصلتنا بهذه الحياة الفانية فبعد الميلاد الذي كان في عروس النيم جمعتنا المدرسة الغربية، وتتلمذنا علي أيادي أساتذة أجلاء، وأذكر أننا زرنا في واحدة من إجازاتنا أستاذنا محجوب محمد جعفر في المدرسة الشرقية التي كان ناظراً لها فجمع الطلاب في الطابور لتحية طلاب له يفخر بهم. وفعل ذات الشيء مرة ثانية عندما زرناه مع الأخ مزمل عبد الله. فالتحية لأخي معاوية رفيقاً وكسباً حقيقياً لأهل الخرطوم الدكتور الباقر والأستاذ فضل الله محمد. وتحية خاصة لأهل ام روابة الخاصين.

 

آراء