انفلات الخطاب الرسمي .. الخارجية نموذجا !!

 


 

 

 

 

لم نكن نصدق اننا قد غادرنا ذلك الخطاب المنفلت الذي تميزت به طغمة (الانقاذ) ، من اعلي قمة لمؤسساتها السياسية وحتي ادني مستوياتها ،من منا لا تحوي ذاكرته عبارات (صرفت ليها بركاوي ) او (تحت جزمتي ) او مقولة كرتي (لبنت ما بناديها للطير) وغيرها من تلك المفردات التي كانت تدور في فضاء الخارجية و التي لا يمكن إحصاءها ، وفوضي التصريحات السياسية التي ضربت المناخ السياسي واعيت كل راصد للتوجهات السياسة .
واقع الحال يقول اننا لم نغادر ذلك المربع الذي وسم سياستنا الخارجية بوجه خاص ، والذي يتمثل في ذلك الخطاب الذي يدير الشأن الخارجي المعبر عن وجدان الأمة وطموحاتها وهي تحتقب تاريخا من التوهان السياسي وضياع البوصلة ، وانفصال الداخل عن الخارج كليا بفعل تلك السياسات المضطربة .
يبدو ان السيدة مريم الصادق المهدي بددت رصيدها السياسي المستلف في بضعة أسابيع وهي تدير ملف وزارة الخارجية ، فقد كانت ضربة البداية تتمثل في تلك الزيارة الأولي للقاهرة بصفتها وزيرا للخارجية ، ففي ذلك المؤتمر الصحفي الذي ضمها و وزير الخارجية المصري سامح شكري كان آداءها مرتبكا وهي تفتح حدودها بأريحية (لاستعمارها) او استثمارها وقد كلفتها تلك الاستعارة كثيرا لم تفلح قواميس اللغة في محوها عن العقل السوداني المتأرجح بين ذلك التاريخ (السودان للسودانيين) الذي نادي به أسلافها و ذلك الانفتاح الاقتصادي الذي يجعلها تقفز علي واقع خارطة متنازع عليها في حلايب وشلاتين في واقع سياسي معقد دفع بها لإدارة الشأن الخارجي الخارج لتوه من عهود الذل والمهانة الذي اتسم به علي مدي ثلاثون عاما .
في حالة اخري تتصل بأداء الخارجية في عهد (المنصورة) ، تتمثل في طلب النائب العام الحبر من جامعة الدول العربية بانهاء انتداب ممثل السودان لدي الجامعة كمال حسن علي وذلك لعلاقته بتهمة الضلوع في مجزرة العيلفون في ابريل 1998 في ذلك المعسكر الذي ضم طلابا للخدمة الإلزامية ، الا ان وزارة الخارجية أرسلت خطابا لجامعة الدول العربية تطلب فيه صراحة تجاهل خطاب النائب العام ، وذلك يذكرنا بحادثة الفتنة الكبري حينما ثبت عمر بن العاص صاحبه وكاننا بها وهي تقول (ها انا قد ثبت صاحبي )وهي تسدد طعنة نجلاء لضمير الشعب السوداني الباحث عن القصاص والعدالة التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة.
لقد وفرت أزمة سد النهضة بدورها فرصة للتعرف علي قدرات الخارجية في التعامل مع ذلك الملف الذي بات يشغل العالم اجمع ، الا انها استطاعت ودون احترافية اختطاف ذلك الملف كليا من وزارة الري والموارد المائية واستطاعت ان تجعل منه شانا سياسيا بحتا وأخضعته لسياسة المحاور الإقليمية والتكتلات السياسية ولم يعد النزاع فنيا تختص به الهندسة والمياه وكنتور الجغرافيا ، ففي نهاية مفاوضات كنشاسا ذكرت وزيرة الخارجية في مؤتمر صحفي قائلة (نحن لانثق في اثيوبيا) هكذا وبتلك الصورة المطلقة ترسم سياستها غير آبهة بإثيوبيا منذ النجاشي وحتي ابي احمد بذلك الفهم المرتبك .
وفي احدي تصريحات الخارجية السودانية بعد محادثات كنشاسا ذكرت الخارجية السودانية ( الحديث عن رفض السودان ومصر لمبادرة جنوب افريقيا لا صحة له). ابت الخارجية الا ان تصبح متحدثا باسم مصر فبدلا عن توضيح موقفها فقط ، ابت الا ان تضيف مصر في ذلك الاندماج الذي لا تبيحه حتي الأعراف الأخلاقية دعك عن الدبلوماسية .
والخارجية السودانية تخاطب مجلس الأمن والأمم المتحدة لسحب القوات الإثيوبية العاملة ضمن القوات الاممية من منطقة ابيي .
مما دفع انطونيو جوتريش لإبلاغ مجلس الأمن بضرورة الحفاظ علي القوة الحالية لقوات الأمن المؤقتة التابعة للأمم المتحدة، وهكذا نحن ازاء خارجية (مزاجية) تتعاطي مع المجتمع الدولي برغباتها الخاصة دون ان تكلف نفسها حتي قراءة مواثيق الأمن والسلام التي تنص علي عمل القوات الأممية والأزمات الدولية .
ولكن خارجيتنا الغارقة حتي النخاع في لعبة المحاور لاذت بالصمت ولم تجود علينا حتي بتصريح (مشاتر )حينما رفضت الأمم المتحدة خطابها الذي تقدمت به بعثتها الدائمة بالأمم المتحدة طالبة فيه رفع العقوبات التي طالت بعض محاسيبها من الحركات المسلحة في دارفور .
وهكذا نجد أنفسنا امام سياسة خارجية متعجلة مرتبكة وهي تندفع علي سطح سياسي ساخن ،بفم مفتوح وعقل مغلق .

musahak@icloud.com
musahak@hotmail.com

 

آراء