باحث من منازلهم !!
د. مرتضى الغالي
6 August, 2021
6 August, 2021
اليوم الخميس.. وقد كان الطيب محمد الطيب (بحّاثة) لا يشق له غبار.. ويقول عبد الله الطيب ان هذا التوصيف من صيغ التفضيل مثل (عالم-علّامة).. وكان من الباحثين الكبار الذين يستصحبون في الرصد والتوثيق المعارف المتداخلة في التنقيب عن الفنون والممارسات والظواهر الشعبية رغم مفارقته للتعليم النظامي مبكراً..! ولم يكن عطاؤه بأقل من حملة شهادات الفولكلور، ولا نتاجه أقل دسامة من أعمالهم إن لم يكن أنشطهم في نقل المعارف والفنون الشعبية إلى الجمهور العريض عبر الإذاعة المسموعة والمرئية والصحف والمنتديات واللقاءات الإجتماعية المنتظمة والتلقائية..! ومن مميزاته أنه لم يكن منكفئاً على عشيرة أو ثقافة أو جهوية وهذه تُحفظ له.. يذهب الى الانقسنا والجنوب وجبال النوبة والبطانة بل يذهب الى غرب افريقيا والشام وبادية الحجاز وديار الشناقيط؛ وكان ذلك ملمحاً متجاوزاً إذا قست خلفية الرجل الريفية القُحّة وإخلاصه في التعرّف على الآخر (بحياد سويسرى) ولكن في ولع وإعجاب ورحابة…!
وقد تنوّع ما نقله أستاذنا الطيب من ثقافة شعبية (مادية وشفاهية) وأفاض في بيان مناخاتها ومضامينها ووظائفها وأدائياتها من دوباي وأشعار وأمداح ومسادير وحكاوي واساطير وأعراف، ومن أغاني الزرّاع وأهازيج الفرح والنداءات المنغومة خلال العمل والفزعة و(المرحاكة) والمناحات والزار وجلسات البرامكة والجابودي والجراري والهوهاي والشاشاي وكرير الطنابرة ودندنات الهدندوة.. الخ دعك من التصانيف التي قام بتأليفها في مثابرة وعلى شظف من العيش؛ مثل المسيد والإنداية وفرح ود تكتوك والدوباي والإبل والهمباته و(بيت البكا) وتراث الحمران والمناصير والبطاحين..إلخ
لو أنصف الناس في جمع مُجمل ما أنتجه هذا الرجل لكان في ذلك نموذج يضاهي (منجزات اليونسكو)..!! فما قدمه تعجز عنه المؤسسات ذات الأذرع الطويلة والفرق البحثية (ذات التمويل الجزيل)..! ومن شواهد ذلك الذخائر التي جمعها عبر العطاء الممتد في برنامج ( صور شعبية).. وليت التلفزيونيات تعيد بث هذه الجواهر التراثية بدلاً من (الثالوث) الذي تتم استضافته كل مرة باعتبار أنهم (ظرفاء المدينة) وهم في ثقل (جبل بيلا)..!! أنت لا تتجاوز الحقيقة إذا قلت إنه من شاكلة المثقفين العضويين الذي يمشون بين الناس ينقلون إليهم ويأخذون عنهم، وينتجون بذلك أثمن ما يمكن جمعه من رصيد معرفي في مثل بلادنا التي تقوم معارفها في أغلب الأحيان على المشافهة و(الشمارات)…!
عندما أفرد الطيب حلقات ممتدة عن (القطار) كشأنه في كل مفردة الحياة السودانية، جعل منه جسراً للتنوع الثقافي والتضامن الوجداني والتآخي الإثني ومعرضاً للفنون والأنس والحكاوي، واستعراضاً للتاريخ والجغرافيا والفنون والمُلح والطرائف.. وكذلك عندما تناول مجتمع الإنداية أو مجتمع الهمباته أو الخلوة..الخ إن الطيب في خدمته للتمازج الوطني القائم على التنوع هو المقابل الموضوعي للمناهج التعليمية الراشدة التي يمكن أن تخدم هذه الغاية..!
نتذكّر أن من أخريات ما قرأناه له في زاوية صحفية كان يكتبها كل جمعة، كان تسجيلاً لواقعة تؤكد أن المرأة السودانية كانت ترصد عبر الشعر بعض الوقائع التاريخية التي ربما لم تسجلها كما ينبغي ملفات التاريخ الرسمي.. كان يحكي عن شاعرة كباشية معنية بشأن مجتمعها يُقال أنها “اللينة بنت عبد الخير” احتجت في شجاعة على قرار المفتش البريطاني (مور) الذي منع رعي الإبل في بعض الأراضي مما تضرّر منه الأهالي.. فقالت للمفتش ما معناه إن هذه الإبل سوف ترعى”غصباً عنك” ولو على رأسك: (إبلاً فوقها الجدعه/ فوق الصي منجدعه/ قول لي مور أب صلعه/ فوق مدّاغتك ترعى!!..)
وقد تنوّع ما نقله أستاذنا الطيب من ثقافة شعبية (مادية وشفاهية) وأفاض في بيان مناخاتها ومضامينها ووظائفها وأدائياتها من دوباي وأشعار وأمداح ومسادير وحكاوي واساطير وأعراف، ومن أغاني الزرّاع وأهازيج الفرح والنداءات المنغومة خلال العمل والفزعة و(المرحاكة) والمناحات والزار وجلسات البرامكة والجابودي والجراري والهوهاي والشاشاي وكرير الطنابرة ودندنات الهدندوة.. الخ دعك من التصانيف التي قام بتأليفها في مثابرة وعلى شظف من العيش؛ مثل المسيد والإنداية وفرح ود تكتوك والدوباي والإبل والهمباته و(بيت البكا) وتراث الحمران والمناصير والبطاحين..إلخ
لو أنصف الناس في جمع مُجمل ما أنتجه هذا الرجل لكان في ذلك نموذج يضاهي (منجزات اليونسكو)..!! فما قدمه تعجز عنه المؤسسات ذات الأذرع الطويلة والفرق البحثية (ذات التمويل الجزيل)..! ومن شواهد ذلك الذخائر التي جمعها عبر العطاء الممتد في برنامج ( صور شعبية).. وليت التلفزيونيات تعيد بث هذه الجواهر التراثية بدلاً من (الثالوث) الذي تتم استضافته كل مرة باعتبار أنهم (ظرفاء المدينة) وهم في ثقل (جبل بيلا)..!! أنت لا تتجاوز الحقيقة إذا قلت إنه من شاكلة المثقفين العضويين الذي يمشون بين الناس ينقلون إليهم ويأخذون عنهم، وينتجون بذلك أثمن ما يمكن جمعه من رصيد معرفي في مثل بلادنا التي تقوم معارفها في أغلب الأحيان على المشافهة و(الشمارات)…!
عندما أفرد الطيب حلقات ممتدة عن (القطار) كشأنه في كل مفردة الحياة السودانية، جعل منه جسراً للتنوع الثقافي والتضامن الوجداني والتآخي الإثني ومعرضاً للفنون والأنس والحكاوي، واستعراضاً للتاريخ والجغرافيا والفنون والمُلح والطرائف.. وكذلك عندما تناول مجتمع الإنداية أو مجتمع الهمباته أو الخلوة..الخ إن الطيب في خدمته للتمازج الوطني القائم على التنوع هو المقابل الموضوعي للمناهج التعليمية الراشدة التي يمكن أن تخدم هذه الغاية..!
نتذكّر أن من أخريات ما قرأناه له في زاوية صحفية كان يكتبها كل جمعة، كان تسجيلاً لواقعة تؤكد أن المرأة السودانية كانت ترصد عبر الشعر بعض الوقائع التاريخية التي ربما لم تسجلها كما ينبغي ملفات التاريخ الرسمي.. كان يحكي عن شاعرة كباشية معنية بشأن مجتمعها يُقال أنها “اللينة بنت عبد الخير” احتجت في شجاعة على قرار المفتش البريطاني (مور) الذي منع رعي الإبل في بعض الأراضي مما تضرّر منه الأهالي.. فقالت للمفتش ما معناه إن هذه الإبل سوف ترعى”غصباً عنك” ولو على رأسك: (إبلاً فوقها الجدعه/ فوق الصي منجدعه/ قول لي مور أب صلعه/ فوق مدّاغتك ترعى!!..)