بازارايات أسطنبولّي

 


 

 


برنامج التسوق والذهاب الي السوق مجملا ، لا يدخل أبدا ضمن إهتماماتي ، أقصي ما أستطيع تحمله في ذهابي الي السوق هو درجة إحتياجي الصارم لغرض ما والزمن الذي (يسحبه) مني حتي أحصل عليه .. لأول مرة أستطيع إستيعاب متعة التسوق وربما دون شراء غرض وأزيدكم أنني تعلمت أبجديات (اللياقة) ـ بفتح الياء ــ  باسواق وبازارت أسطنبول ...! مما رسخ لديّ بأن ما يربط بين شبكة التسوق وشبكة النساء وااااااحد . التسوق لدي نساء الأتراك هو برنامج كامل ولا أبالغ إن ذكرت أن أفراد الأسرة كلهم يخرجون للتسوق . بدأت تجوالي من (سوق الأربعاء) ،( أو بازار الأربعاء ) أو (بازار الفاتح ) الذي يقع في شارع الفاتح ويمكن الوصول إليه من موقف أتوبيس (بيازيت) أو أن تتجه مباشرة الي شارع الفاتح ـ مشوار جامد ـ الأمر أيضاً أن الطبيعة الجبلية لتركيا تصعّب عليك المشوار رغم الجو الساحر ودرجة الحرارة المعتدلة ، إلا أننا إعتدنا السير علي الأرض المنبسطة ، (ففجأتن) بين الشوارع النظيفة جدا إما أن تجد نفسك في حالة صعود أو هبوط حتي وصولك السوق بمأمن من (قطعة النفس) ، هذا السوق يبدأ من الساعة7 صباحا وحتي 7 مساء .. حادث لطيف وقع لي أثناء زيارتي الأولي لسوق الفاتح ،فبعد جولة سريعة قررت الي مقر إقامتي بفندق يقع بمحطة (أكساراي) ،فخرجت ، ثم بدا لي أن الشارع الذي إخترته هو الأصح ولم أفكر أن الطرق جميعها في تركيا إستحالة أن تؤدي الي روما وما الطريق الممتد هكذا إلا خادع إنبساطه ، فإن جربت فسينتهي بك الي محطة أخري تماما كما حدث معي ، فبعد (كيلوهات) من السير الإجباري وصلت الي محطة تبعد من مقصدي بثلاث محطات المسافات بينها لا تقل عن 3 كيلومتر.. ورفضت خيار التاكسي ليس بسبب تعريفته العالية ..حسناً .. آ..آ .. بسبب تعريفته العالية ..! أخذت إستراحة قصيرة داخل إحدي المنتزهات المنتشرة بأسطنبول ، وأثناء إستغراقي عميقا في طريقة الوصول ، إقترب مني أحد أبناء البلد ، مبتسما سألني أو يبدو أنه كان سؤالا بالتركية ، فخمنت أنه يسأل عن هويتي ـ عفوا كلمة هوية هذه اكبر ـ ولنقل من أين ؟ هكذا ببساطة ، لم أستطع الإجابة بغير كلمة المحطة فأجبته : (أكساراي) ، فإبتسم ثم هزّ رأسه قليلا وجلس بجانبي بعد أن إستأذن لهذا .. (ياجماعة المشاهد دي كلها تمت بالإشارة ) .. سألني من أين ؟ وهم يسألونك بصيغة فيها كلمة (مملكة) ..! فتجيب بأنك من مملكة السودان مثلا ..؟! أما إن دخلت في شرح طويل وممتد عن  أن الملكية إنتهت منذ قرون والسودان الآن هو جمهورية ..و .. و.. فتخيل هذا الشرح بالإشارة فلكسب الوقت و(الراس) معاً ، ستجيب بأنك من أي مملكة تقع علي أي جنب من الأرض ، المهم تفهم الرجل موقفي المختصر في الشرح ، ثم سألته عن عمله فذكر كلمة واحدة وتظاهرت بهزة رأس دلالة علي الفهم طبعا ، وبالطبع كان سؤاله المتوقع عن ماذا أعمل ؟ لم أستطع أن أتخيل يوما أنني ساحتاج الي هذا القدر من إمتحان القدرات لكل إيماءة وصوت ولفتة وحركة لأشرح مهنة (طبيب بيطري) ، فإضطررت للمأمأة والمعمعة والنونوة ، ثم حركة الإمساك بالسماعة ، والرجل مابين (مطــيّر عيونو) و(كاتم ضحكو) .. المهم أننا وصلنا الي نقطة شرح أنني تائهة عن مكان الفندق في المحطة المذكورة .. بإختصار ساعدني (نور الدين) وهذا إسمه  ، حتي الوصول سالمة الي الفندق ولم ينس أن يشتري ــ ربما هي عادة عندهم ــ لي معه (الحجل بالرجل) ... علبة سجاير ، حاولت الشرح مرة أخري  ـ مع الشكر هذه المرة ـ أنني لا أدخن ولكنه إبتسم وأصرّ ،  وربما تذكر حركة الأصوات إياها وردّد في نفسه ..( ما بتدخن ..؟! إحتمال سجايرنا ما ياها ...!) .
zizetfatah@yahoo.com

 

آراء