بضع دمعات حولَ موكب “واوات” الاستاذ جبره

 


 

 

هل كان يعتقدَنَ احد مهما أوتيَ من علمٍ ومعرفةٍ وخيال أن تمتد واوات الاستاذ جبره المشهوره التي ظلَ يختم بها مقالاتهُ المصادِمه في عهد الانقاذ لتقضي من عمرها الطويل الممتد ، بإذن الله ! ، سنتين في حكومة ما بعد الثوره ويمضي الأمل بالرجل وبنا ان الواوات لن تتوقف حتى نراهم خلف القضبان؟
ظلَت متعة القراءه للكُتَاب الشرفاء الذين صادموا الإنقاذ لا تعدِلُها متعه فقد كانت تبعث فينا الأمل وتمُدُنا بالوقود وكان الأمرُ خليطاً من الاعجاب المستحق بسيداتٍ وساده استحقُوه وأملٌ في إنقشاعِ غُمه لم نعتقد انها قد تزول ويبقى سؤال الأستاذ جبره يفرضُ نفسهُ حتى الان " هل سنراهم خلف القضبان؟
عندما يحكم الخونة والسارقون شعوبهم تنساق حولهم الفئات التي على شاكلتهم لتصبح عيونهم وايديهم ويتم ضرب كل قلاع المقاومه بشراسه وتُشقُ صفوفها وذلك ما قامت به الإنقاذ التي أتت بقوة بندقيه ظل زنادها مقدوحاً طيلة ثلاثين عاماً وعانى كل الشرفاء معاناةً تقف الكلمات عاجزه عن تبيان ولو جزءٍ يسيرٍ من أهوالها .
عندما حكَمَنا الخوَنةُ والسارقون بعد ثورةٍ قام بها الشعب ودفع فيها ما دفع كانوا قد بدأوا بسرقة الثورة نفسها بيد ضعاف النفوس من المدنيين الذين استأمنهم الشعب بعَقدٍ أخلاقيٍ عظيمٍ كقَسَمِ الله واستمرَت السرقه ليس من وراءِ حجاب ولكنه ظلَ لعباً على المكشوف ونحنُ نرى غرسَنا يُنقَض ومواردنا تُنهب وامالنا تُسرق كالشخص المقيد إلى أغلالٍ من الحديد وتُغتصبُ زوجته او أختهُ أو إبنتهُ أمامَ ناظريه. تداخلت السلطات السياديه مع التنفيذيه وصار الجمبع يعمل على تكبير كومهِ ويتصرف على هواه واستُغِل الضعف البائن للسلطه التنفيذيه وابتعد الجميع عن خط واهداف الثوره.
فَتْكُ العصابات بأهلنا في شوارع الخرطوم وميادينها وأسواقها في وضح النهار وفتك العصابات المسلحه بالسواطير والسكاكين والسلاح " الالي " الناري ليلاً بهم في منازلهم لَمَا يتقازمُ أمامَهُ ما يقومُ به سارقوا دولة الإنتقال " نفس " الفعل الإجرامي مع اختلاف حجم المسروق ونفس الحمايه للسارِقَين فجانبٌ تحميه قوَتُهُ " قوَة السلطه " أما الاخر فتحميه نفس قوَة السلطه بِغَلِ يَدِ السُلطه وهو ما يُسمَى " الإمتناع المخالف للقانون ".
ظلَ هدف الشرفاءُ موحَداً وهو يُصَوِبُ إلى سُلطةِ الإنقاذ إذ أنها كانت هدفاً واحداً رغم تعقيداتها وتمددها وتمكنها من مفاصل الدوله ورغم إتيانها بكلِ ما يمكن من أجلِ البقاء. خرج الشعب مُوَحَداً بعد ملحمةٍ عظيمه سرعان ما أعمَلَت سلطة الإنتقال التي أوجدها الشعب بيده وتضحياته كل أسلحتها لشقِ صفِهِ والتنكيل بوحدته والعمل الجاد ضد إرادتِهِ وتفويضه . وجرى كلُ ذلك على المكشوف بكلِ صمتٍ وبرود.
ما الفرق بين تسليم الإنقاذ أراضينا لدولٍ أخرى وبين تسليم الإنتقاليه أراضينا لدوَلٍ أخرى وماذا لو كانت إحدى هذه الدول تؤوي أشخاصاً مطلوبين لنا وتستثمر أموالنا التي نهبوها وتسبغ عليهم الحمايه وما الفرق بينهم جميعاً وبين من يهاجمونا على الطريق أو يتسوَروا منازلنا ويسرقوا أموالنا و ممتلكاتنا؟
ما الفرق بين الإنقاذ وهي تُعيِن من تُريد للقضاء والنيابه والشرطه والتعليم.. الخ ونفس الإنقاذ تُعين مَن تُريد لنفس المناصب في حكومة الإنتقال؟ وبِنَفَسٍ طويل لا يهُمُ إن شغَر المنصب لبقية فترة الإنتقال إن لم يجدوا الشخص المناسب بمقاييسِهم طبعاً.
ما الفرق والإنقاذ تُحَلِل وتحمي من تريد في عهدها ونفس الإنقاذ تحمي من تُريد في عهد الإنتقاليه وتزيد على ذلك بعرقلةِ تنفيذ الاحكام التي أصبحت نهائيه وبتهريب المطلوبين وأموالهم وتُفاصل بالصوت العالي لفرض مصالحه وتُبقي المحكومين دون تنفيذ لحين المصالحه حتى لا يفوتهم هذا المولد ذو الإرادة الفوقيه؟ نتساءل أيُ عدلٍ هذا الذي يُبقي قتله إستعملوا أقسى الطرق في جريمتهم تلك بإغتصابٍ بالحديد إلى دُبُر مُعَلِمٍ وزوَروا في سبب وفاته. أيُ عدلٍ وقد استقرَت أحكامُنا منذ الإستقلال على أن السلوك القاسي العنيف الذي يقوم به الجاني أثناء وبعد القتل لهوَ سببٌ لتغليظ العقوبه وأنَ سرعة التنفيذ لهو من إقامة العدل بعد استنفاذ كافة فرص التقاضي.
لماذا نُسَوِد صفحات الصحف بإعلانات عن متهمين هاربين ونحن نعلم أنهم إذا كانوا موجودين ربما كان قد تمَ تهريبهم ولو كان قد قُبض عليهم فلن يُحاكموا وإذا حوكموا فلن تنفَذ فيهم الأحكام فنحنُ منذ بداية الإنتقال لم " نَقرَع الواقفات ". لماذ لا تزال قوانين الإنقاذ ساريه حتى الان؟ ولماذا يتم الصرف على جيوشٍ جرَاره من القضاة والنيابات والشرطه وجميعهم في متاهاتهم وإمساكهم الذان طالا عامين من زمن الإنتقال الحامض والموغل في برودِه.
نعم قمنا بثوره فمن استبدلنا بمن؟ فريقٌ بفرقاء جميعهم أولاد حفرةٍ واحده بل هؤلاء من صُلب ذاك ثم ضحكنا على أنفسنا وأتينا برجلٍ مدني من داخل كذبةٍ كبيره ضخَمَها أعلامٌ ذو مصلحه عملوا جميعاً من أجل مخططٍ مرسوم لهم بدقه فوضعوا برود الرجل ولا مبالاته في الواجهه ونفَذوا أجندتهم خلفهُ خروجاً عن إجماع الشعب وتوجهات ثورته والتفتوا لكل ما يخدم مصالحهم الحزبيه بلا أدنى مواربه. وصارت الإحتجاجات تقابل بالبرود وعدم الخروج لمقابلة المحتجين والإكتفاء بإرسال المعاونين الكُثُر في سلوكٍ ينتهي بتدخل الشرطه وتفريق الثوار.
ما الفرق بين الإنقاذ وهي تُنشئ جهاز أمن يدين لها ويبقيها لثلاثين عاماً بكل الطرق المجرمه وبين سلطة إنتقال تُبقي على نفس الجهاز " بي ضبانتو " وفي أُفُقِهِ تدورُ كل أفلاك الأمن الأشدُ فتكاً وضراوه وهي بكامل تسليحها وجبروتها من شعبيه وطلابيه و تُعَطِل في الوقت نفسه تطهير القوات النظاميه وإعادة مفصوليها وإنشاء جهاز للأمن الداخلي بأيدٍ شرطيه مشهودٌ لها بعيداً عن المحاصصات؟
وفي ظل هذه الحكومه لن يحاكم قتلة فض الإعتصام وستبقى لجنة التحقيق تراوح مكانها لأن هذه هي إرادة السيد رئيس الوزراء بالتوافق التام مع بقية الكيانات الحاكمه وسوف تستمر المحاكمات المهزله التي نراها وسوف يمضي بهم الحال حتى إستكمال المخطط الذي يعملون عليه.
تبقى " واوات " الأستاذ جبره كمثالٍ حي لم يمتدَ ليشمل كل السقطات المرئية الواضحه. تبقى شاهداً ودليلاً على أننا ، ليس لم نتعثَر فحسب ، بل لم نُغادر محطة الإنقاذ ولكن زدنا عليها بالوجع الذي اعترانا بعد كل البذل والتضحيات التي قُدِمَت منذ العام الأول للإنقاذ. تبقى الواوات شاهداً على أننا الان نُحكم بواسطة عصابه تعملُ في وضحِ نهاراتِنا البئيسه تنفيذاً لأجندةٍ تُملى من خارج الحدود.

 

melsayigh@gmail.com

 

آراء