بعد اقتحام الفلول لدار المحامين…هل ينحرف مسار السلمية؟

 


 

 

هل يحوّل اقتحام فلول النظام (البائد) لدار المحامين مشروع الثورة السلميّة إلى ثورة مسلحة مقتلعة لجذور التمكين الحزبي الذي أسس له الجبهويون؟، هذا السؤال تجيب عليه ظاهرتان عايشناهما في العهد المظلم الذي جثم فيه الاخوان المسلمون – الجبهة الاسلامية – الاتجاه الاسلامي – على صدر الوطن والشعب لثلث قرن من الزمان، الظاهرة الأولى كانت في منتصف تسعينيات القرن الماضي بالجامعات والمعاهد العليا، في أوج ازدهار صلف وغرور الجماعة المتخذة من الدين وسيلة للسيطرة على الحكم، كان طلاب هذه الجماعة يتسلحون بالسيخ، وبالعنف يحسمون معاركهم السياسية مع مناوئيهم من الطلاب الموالين لأحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي والبعث، ما اضطّر هؤلاء الأخيرين لأن يتسلحوا بأبيض السلاح توازناً للقوى، فكانت أن دارت معركة حامية الوطيس بين منسوبي الحزب الحاكم و(التجمعيين)، ففر جمع الطاغية وتم تحرير ميادين الجامعة من أولئك النفر الذين تاجروا بآيات الجهاد، وقدموا محاضرات مشهودة تتحدث عن عواقب التولي يوم الزحف، والظاهرة الثانية هي الهزيمة الكبيرة للحركات المسلحة بدارفور أمام جحافل قوات الدعم السريع، في معركتي قوز دنقو ووادي البعاشيم، بعد أن ملأت تلك المليشيات المتمردة الدنيا زعيقاً ببطولاتها.
الشاهد في الظاهرتين المذكورتين في الفقرة أعلاه أن تحدي الرجال له ثمن نفيس يدفعه المتحدي يوماً ما، وأكبر خطأ يرتكبه الموالون للحزب (المحلول) هو محاولة تجريب آلية العنف في حسم صراعهم السياسي بعد الانقلاب الأخير لقائد الجيش، هذه المرة سيكون فلول المنظومة (البائدة) قد وضعوا انفسهم على كومة الرمل التي يضع عليها هدّاف ميادين (الدافوري) كرة (الشرّاب) على قمة ذلك التل الرملي المكوّم، لتسهيل عملية ركل وقذف الكرة القماشية إلى أبعد مسافة ممكنة، خاصة وأن العلاقة بين العسكر وحليفهم الرئيسي بطل معركتي (قوز دنقو) و(وادي البعاشيم) لم تعد كسابق عهدها، هذا فضلاً عن نمو تيارات شبابية ناهضة ترى في حسم المعركة ميدانياً أقصر الطرق لإزالة تمكين رموز الحزب (المحلول)، وفي كل الاحتمالات هنالك ضوء أخضر قد أخذ في التشكل يستقصد الدخول في المواجهة الكبرى بين الحق الثوري والباطل الفلولي الآيل للسقوط والانحدار، فالتبجح الاخواني والصلف الكيزاني قد بلغ منتهاه، واستفزاز الفلول لمنجز الثورة الديسمبرية القيمي وصل مرحلة لا تسمح بالتسامح، وقد بلغ السيل الزبى، فلو قامت الجماهير المليونية الخارجة بعد الإعلان عن كل حراك ملياري بالالتفاف حول رقاب هذه الأغنام القاصية من الفلول، لحسم الأمر الذي يستفتي فيه الناس.
لا يعلم الآملين في عودة القمر الاسلاموي الآفل أن الغلواء الهائجة في نفوس أصدقاء الشهداء قد اقترب موعد خروج حممها البركانية اللاهبة، وأن الزمان الذي اختال فيه البائدون زهواً وتكبراً وعزّة بالأثم قد ذهب إلى غير رجعة، وجاء زمان الجيل (الراكب راس)، وما أحداث (قرطبة) ببعيدة عن التذكار، تلك العظة والعبرة التي كان من الأحرى أن يرعوي من مغبة خوضها مرة أخرى هؤلاء الفلول، ومن ظلام الروح والنفس أن لا يرى الانسان الارهاصات المؤدية إلى حتفه برغم بروز علاماتها في الأفق ذي الفضاء الواسع، فأي من رجل حباه الله بنور البصيرة لن يخوض معركة خاسرة يحيط فيها أعداؤه به من كل حدب وصوب، فسلوك الفلول ليلة أمس بدار المحامين لا ينم عن رؤية بصير ولا حمكة سياسي قدير، وأبلغ ما يمكن أن يوصف به ذلك السلوك هو الانتحار ولا شيء غير الانتحار مع سبق الغباء والاصرار، ومن لم يتعلم الدروس من التروس فقد غفل عن فصول من كتاب ديسمبر المجيدة، التي علّمت الكبار والصغار والعدو والصديق ما لم يكونوا يعلمون، فنصحنا لبقايا الفلول الذين تفرقوا أيدي سبأ أن ارعووا وعودوا إلى رشدكم إن كان بينكم رشيد، لكن!!..، كيف يرشد من كان عاقاً لمرشده الأكبر في المفاصلة الشهيرة لأولئك الذين رفعوا كلمة الدين انتهازاً فحبطت أعمالهم بنهبهم للثروات الوطنية من إيرادات البترول؟.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
2 نوفمبر 2022

 

آراء