بعد حقبة من وفاته: شخصيَّة يوسف كوَّة مكِّي 2-4
shurkiano@yahoo.co.uk
ميلاده، نشأته ووفاته
وُلد يوسف كوَّة مكِّي في موسم مطير في الفاتح من كانون الأول (يناير) 1945م في قرية الأخوال بمنطقة ميري بجنوب كردفان في أسرة متواضعة باركها الله بثلاثة أبناء وابنتين.(4) وفي ذلك الحين من الزمان كان يعمل والده جنديَّاً في قوة دفاع السُّودان (نواة القوات المسلحة السُّودانيَّة حاليَّاً)، أي قبل استقلال السُّودان العام 1956م، حيث اشترك في معركة كيرين الشهير بإريتريا.(5) ولم يكن والده حاضراً ميلاده، لكنه حضر ومكث قليلاً قبل أن يغادر مرة أخرى ليعود بعد عشر سنوات، أي العام 1956م. إذ بدأ يوسف حياته التعليميَّة في مدرسة ميري الابتدائيَّة العام 1952م، وأكملها في مدينتي ود مدني والدَّلنج. وفي العام 1957م غادر يوسف ملكال – حاضرة مديريَّة أعالي النيل، حيث كان يعمل والده – وذهب إلى كسلا لمواصلة تعليمه، ومن بعد انتقل ليتلقى التعليم في المرحلة المتوسطة بمدينة سنكات بشرق السُّودان. وفي العام 1962م التحق بمدرسة الخرطوم التجاريَّة، حيث جلس لامتحان الشهادة السُّودانيَّة، ولكنه قرَّر أن يلتحق بمهنة التدريس العام 1969م بدلاً من الدخول إلى الجامعة، وعمل معلماً لمدة ثمان سنوات في نيالا والضعين بغرب السُّودان. هكذا أصبح يوسف معلِّماً بعد أن كان متعلَّماً، وأصبح مقرئاً بعد أن كان قارئاً.
وفي الضعين أهدى يوسف كتاباً لطالب، وأخذ الطالب الكتاب بقوة، ولعلَّ ما في ثنايا الكتاب كان جديراً بهذا الأخذ والاهتمام. فما اسم الكتاب؟ وعمَّ يتحدث؟ ومن ذا الذي كتب ذلكم الكتاب؟ يقول محدثي الذي كان طالباً يومئذٍ، وهو ذلكم الطالب الذي أهداه يوسف الكتاب، إنَّ اسم الكتاب لهو "كيف تكسب الأصدقاء" ل"ديل كارنيجي"، وكان أول نسخة من الكتاب في الأسواق بتأريخ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1936م، وبيعت منه ملايين النسخ في أقل من سنة، وتمَّ نقله إلى 14 لغة، وبقي الكتاب الأكثر مبيعاً في لائحة النيويورك تايمز مدة عشر سنوات. واليوم - وبعد كل هذه الأعوام - ما يزال يبيع حوالي 250.000 نسخة في السنة، وبلغ عدد المباعة حتى العام 2010م 8.400.000 كتاب.(6) وهذا الكتاب يمكن أن يُقرأ مع كتاب آخر ليس أقلَّ منه شأناً أو أيسر قدراً، وهو كتاب "كيف تكون مؤثراً؟ وكيف تتقن فن التحدث والإقناع؟" للكاتب عاطف عمارة. وفي هذا الأخير أورد الكاتب الوسائل والطرق والشروط باعتبارها الطريق التي لا بد من سلوكها لكي نكسب الآخرين. كما أنَّ في الكتاب هدف آخر، هو هدف الوجود الذاتي، هدف تحقيق الذات.(7)
وإنَّه لفي خلال انشغاله بمهنة التدريس في هذه الفترة، إذا تعرَّض يوسف لمعترك الحياة، وتعرَّف على أشكال معاناة الناس في حيواتهم، وشرع يفكِّر في أزمة أهله بيأس عميق دفعه إلى أتون السياسة في بادئ الأمر، وإلى حومة النضال المسلح في آخر الأمر. ففي تلك السنوات تشرَّبت روحه نسيم الحريَّة، وتكوَّنت قناعاته، وارتسمت أولوياته بوضوح لا يقبل الشك. وفي سبيل بحثه الدؤوب عن حل للمشكلات التي واجهت – ولا تزال تواجه - أهله المهمَّشين المسحوقين، عكف يوسف كوَّة على إجراء بحث مستفيض في أزمة اتِّحاد عام أبناء جبال النُّوبة، والذي كان يقوده الأب فيليب عباس غبوش. وفي العام 1975م أسَّس يوسف الناشط الجسور، مع نشطاء آخرين من جبال النُّوبة، تنظيماً سياسيَّاً لشباب منطقة جبال النُّوبة سُمِّى "كمولو".(8) إذ هدف هذا التنظيم – فيما هدف – إلى اختلاق أرضيَّة مشتركة لأبناء النُّوبة تهتم برعاية وتنمية لغات وثقافة وهُويَّة النُّوبة. إذ ابتنى التنظيم فلسفته على قاعدة مفادها أنَّه إذا أُعطيت اللغات والثقافات والهُويَّات السُّودانيَّة فرصاً متساوية فإنَّها لتزدهر في وئام، ومن ثمَّ تتكوَّن أرضيَّة مشتركة لبروز هُويَّة سودانيَّة مقبولة للجميع.
على أيَّة حال، ففي العام 1975م التحق يوسف كوَّة بكليَّة الاقتصاد والعلوم السياسيَّة في جامعة الخرطوم، وذلك بعد أن جلس لامتحان الشهادة السُّودانيَّة من منازلهم في كادقلي. وهنا يجدر الذكر أنَّ يوسف فصيحاً كان ثم نشطاً وقائداً للطلبة، وهو الذي سعى لنشر أفكاره ورؤيته بالنثر والشعر. أولم يكن يوسف هو الذي قرظ الشعر في قصيدته "إفريقيتي"؟ بلى، وسنتلو عليكم أبياتها بعد حين. ففي جامعة الخرطوم انكب يوسف كوَّة على القراءة وشرع ينهل مما كُتِب عن النُّوبة وحضارته بمكتبة جامعة الخرطوم، وأنَّهم كانوا في تأريخهم التليد قوة تتحدَّى الصِّعاب، وتطاول اطلاعه كثراً من القضايا الاجتماعيَّة والسياسيَّة والأثنيَّة، وأدرك أنَّ يوم اعتمادنا على غيرنا، وتتلمذنا الطويل على علم كتبه الآخرون عنا – أو لم يكتبوه أصلاً – يقترب من نهايته؛ وأنَّ الملايين من حولنا، والتي تندفع نحو الحياة، لا تستطيع أن تعيش دوماً على الفضلات الذابلة للمحصول العربي. وفي الماضي القريب كان النُّوبة رعاعاً، لا يقيم الإنسان منهم لإنسانيته وزناً، ومنهم من تقمَّص هُويَّة الآخرين لباساً وسروالاً له كمثل الذي لم يتعلَّم أن يلزم داره ليتواصل مع محيطه الداخلي (الإفريقي)، بل يتوجَّه شطر الخارج يطلب كأس ماء من أوعية الآخرين، مع أننا ينبغي أن نسير في سبيلنا الوطني كيفما نكون وحالما نكون. ولقد آن الأوان أن نقرأ التأريخ بلسان أهله، ومن بعد ذلك يمكن أن نعقد المقاربة الثقافويَّة على قدم المساواة.
أيَّا كان الأمر، ففي العام 1980م نال يوسف إجازة البكالوريوس في الاقتصاد السياسي من كليَّة الاقتصاد والعلوم السياسيَّة في جامعة الخرطوم، وذهب ليعمل معلِّماً بمدرسة كادقلي الثانويَّة بنين (تلو) العام 1981م. وبرغم من أنَّ مهنة التدريس قد منحته فرصة سانحة للتفاعل مع الشعب، إلا أنَّها عرضته للمضايقة وللإزعاج باستمرار من حكومة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري (1969-1985م) بهيئاتها التنفيذيَّة وأجهزتها الأمنيَّة وبيروقراطيَّتها العتيقة. وفي أيار (مايو) 1981م انتخِب يوسف نائباً برلمانيَّاً إلى مجلس الشعب الإقليمي، والذي كان مقرَّه في مدينة الأبيض، حيث تقلَّد منصب نائب رئيس البرلمان، وكان ذلك إيذاناً له بولوج دهاليز السياسة بصورة أشرس مما كان، ومن باب أوسع. وبعدئذٍ فإذا يوسف يغادر الخرطوم، ويلتحق بالحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان في تشرين الثاني (نوفمبر) 1984م، وذلك برتبة نقيب، حيث كان لنشاطه السياسي في الخرطوم قبل الالتحاق بالحركة الشعبيَّة وزناً في منحه هذه الرتبة العسكريَّة. وكان هذا الانخراط في العمل المسلح تجربة لا يقوى عليها من الشجعان إلا ذوو بأس شديد وعزم أكيد. وفي 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1985م ابتعث النقيب يوسف كوَّة إلى كوبا لأخذ كورسات في مجال العلوم السياسيَّة، وذلك بعد تخرجه من مدرسة الجيش الشعبي الحربيَّة في إثيوبيا. ثمَّ عُيِّن يوسف عضواً مناوباً بالقيادة السياسيَّة والعسكريَّة العليا للحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان في آب (أغسطس) 1986م، وفي أيلول (سبتمبر) من ذلكم العام أُرسل يوسف في بعثة دراسيَّة ثانية إلى كوبا لدراسة العلوم العسكريَّة.
وبعد سقوط نظام الرئيس جعفر محمد نميري عقب الانتفاضة الشعبيَّة في نيسان (أبريل) 1985م شارك يوسف كوَّة في مؤتمر منتجع كوكادام في إثيوبيا بين الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان من جانب، والتحالف الوطني لإنقاذ الوطن من جانب آخر. وقد وصَّى المؤتمر – فيما وصَّى – على ضرورة حل المشكل السُّوداني في إطار المؤتمر الدستوري القومي. وقد كتبت الصحف "الخرطوميَّة" يومذاك أنَّ يوسف كوَّة كان أكثر أعضاء الحركة الشعبيَّة تشدُّداً في المواقف السياسيَّة.
وبعد جهده الجهيد في تجنيد أبناء وبنات النُّوبة في الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، تمَّت ترقيته إلى عضويَّة القيادة السياسيَّة والعسكريَّة العليا في الحركة الشعبيَّة، وتعيينه قائداً لمنطقة جبال النُّوبة العام 1987م. وحينما كان حاكماً وقائداً لإقليم جبال النُّوبة، أرسى يوسف معايير السلوك التي ينبغي على أعضاء وقيادة الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان الالتزام بها؛ فإذا هو لم يحتمل التجاوزات في حقوق الإنسان، حتى أصدر أحكاماً رادعة ضد أفراد الجيش الشعبي الذين اقترفوا جرائم بعينها؛ وإذا هو يؤسِّس إدارة مدنيَّة فريدة، مما بات قادة التمرُّد في الأقاليم الأخرى بالسُّودان يحتذون بها ويقبلون عليها تطبيقاً في مناطقهم؛ وإذا هو يخيِّر أبناء وبنات النُّوبة في الاستمرار في النِّضال أو الاستسلام لحكومة الخرطوم؛ ثمَّ إذا أهل النُّوبة يصوِّتون بأغلبيَّة ساحقة في الاستمرار في المقاومة حتى آخر رجل نوبوي أو امرأة نوبويَّة.(9) وفي ذلكم الاجتماع، الذي فيه أصر النُّوبة في أشدَّ ما يكون الإصرار على مواصلة النِّضال المسلَّح، قرَّر يوسف أن يفوِّض بعض سلطاته إلى غيره لتجنُّب تكرار بعض الأخطاء التي حدثت في الماضي، وكذلك ليساعد في عمليَّة انتقال السلطة، وكان ثمار هذا الاجتماع إنشاء المجلس الاستشاري في جنوب كردفان تحت رئاسة النقيب موسى عبد الباقي، حيث كان الهدف الرئيس منه هو الإشراف على التطور السياسي في المناطق المأهولة بالسكان المدنيين. وبهذه الطريقة صار المواطنون قادة النِّضال، وباتوا مسؤولين عن كل شيء. ودون مغالاة أو تزيُّد أو افتراء على الحق، يمكن أن نقول إنَّ يوسف ليمثِّل مستودع القيم والأخلاق النوبويَّة في السماحة السياسيَّة والدينيَّة، وقد بثَّت فيه الحركة الشعبيَّة قدراً من الثقة لخوض تحدِّيات التحرُّر وغمار المستقبل. وهو الذي تبنَّى نهضة النُّوبة الثقافيَّة، وهو الذي غرس فيهم الثقة بأن يكونوا نوبة ويعتدوا بأنفسهم، وكانت هذه الثقة وهذا الاعتداد بالنفس سلاحاً قويَّاً حين أعلنت حكومة الخرطوم الجهاد ضدهم في نيسان (أبريل) 1992م، وفي سنوات العدوان الصفيق اللاحقة.(10) فبينما كانت المعونات الإنسانيَّة تتدفَّق إلى جنوب السُّودان، اكتفى العالم بالاحتجاجات اللفظيَّة ضد ما يجري في جبال النُّوبة، والتي إذ كانت محترمة بالتأكيد، لكنها كانت مجرَّدة من أي وزن سياسي على الإطلاق. وبرغم من ذلك لم يجد يوسف بدَّاً من المضي قًدماً، ويمكِّن النُّوبة بأن يعتمدوا على أنفسهم، حتى حارب النُّوبة حصار الخرطوم بنجاح؛ فإذا هم يؤسِّسون معهداً لتدريب المعلِّمين، ومدرسة الممرِّضات، برغم من غياب الطبقة المتعلمة. وكان ذلك في زمان أُبتلي فيه النُّوبة ببلاء لم يعادله بلاء، وعداوة لم نر لها حسباً ونسباً أو ديناً. إذ أُبيحت أعراضهم اغتصاباً وسبياً وتقتيلاً، ورتعت في أعراضهم - التي كانت مصونة من قبل – جنود "الإنقاذ" المشائيم وميليشياته الملاعين، ولله در القائل:
بَلاءٌ لَيْسَ يَعْدِلُهُ بَلاءٌ
عَدَاوَةٌ غَيْرِ ذي حسبٍ وَدِين
يُبيحُك مِنْه عِرْضاً لم يَصُنْهُ
وَيَرْتَعُ مِنْكَ في عِرْضٍ مَصُونِ
وفي العام 1992م اشترك يوسف ضمن وفد الحركة الشعبيَّة في محادثات السَّلام في أبوجا – حاضرة نيجيريا. وفي العام 1994م تمَّ تعيينه رئيساً لمجلس التحرير الوطني للحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، وأوكلت إليه مهمة الإعداد للمؤتمر القومي الأول للحركة، وبذلك يكون يوسف قد أدخل الحركة في عهد الدمقرطة. وفي ذلكم العام تم تعيين يوسف بالإجماع في المؤتمر القومي الأول للحركة رئيساً لمجلس التحرير الوطني. وفي العام 1998م أشرف يوسف على إعداد يوم النُّوبة الثقافي في نيروبي – حاضرة كينيا، وكان يوماً ناجحاً بكل ما تعنيه كلمة النجاح. وفي العام 2000م عُيِّن يوسف عضواً في مجلس القيادة بالحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، وفي الآن نفسه بات مشرفاً عاماً على مفوضيَّة الشؤون الإنسانيَّة بالمجلس الوطني التنفيذي للحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان، وهو المنصب الذي تقلَّده حتى لقي ربَّه نتيجة إصابته بمرض السرطان، وصعدت روحه إلى بارئها في مستشفى نوريتش بالمملكة المتحدة في تمام الساعة الواحدة والدقيقة الخمسين مساءاً، وذلك في يوم السبت الموافق 31 آذار (مارس) 2001م، مخلفاً وراءه ثلاث أزواج و14 من البنين والبنات. فبينما كان يوسف يحتضر إذا هو يكتب رسالة، وفي نفسه حسرة لاذعة، إلى الأمين العام للأمم المتحدة – كوفي عنان – فيها يعبِّر عن استيائه من إخفاق الأمم المتحدة في إيصال الإغاثة إلى جبال النُّوبة، وذلك بعد ثلاث سنوات منذ أن وعدت حكومة الخرطوم برفع الحظر المفروض على المنطقة لمدة أثني عشر عاماً.(11) وفوق ذلك، صُدِم العالم وارتعب من موت آلاف المدنيين في جبال النُّوبة.
إذ كتبت عنه الصحافيَّة البريطانيَّة جولي فيلينت قائلة: "إنَّ موت يوسف قد سلب إفريقيا واحداً من قادته من أصحاب الرؤية، وقد سلب الموت النُّوبة رجلاً وهبهم فخراً جديداً وثقة في إفريقيَّتهم، وسلب الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان قائداً برهن أنَّ النِّضال المسلح مواز لاحترام حقوق الإنسان والمجتمع المدني."(12) إزاء هذا المفهوم وذلك المنطق كان يوسف أول قائد في الجيش الشعبي لتحرير السُّودان يسمح لمنظمات مراقبة حقوق الإنسان أن تعمل في إقليم جبال النُّوبة الواقع تحت إدارته. ووصفته جيميرا رون – الموظَّفة بمنظمة هيومان رايتس ووتش بواشنطن – بأنَّه "رجل حالم، مطَّلع ومفكِّر؛ وقد أخذ التحرير بجد، مدركاً أنَّه يتضمَّن احترام حقوق كافة الناس؛ وإنَّ رجلاً بهذه الصفات لا يستطيع أن يعيش طويلاً."(13) حقاً، كان قائدنا الراحل يوسف كوَّة – رجلاً نادراً، عنيداً في الدعوة إلى الحق في عناد أشبه بأبطال الأساطير. وإنَّ فقده ليُنقذ في اليوم الذي فيه يحقِّق شعبنا النُّوبة أحلامه الشرعيَّة؛ ثمَّ إنَّ يوسف كوَّة لبطل، أو هكذا لسوف نتذكَّره.
وما أنَّ فارق يوسف الحياة الدنيا حتى أصدر الدكتور جون قرنق البيان التالي إلى كل أقسام ووحدات الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان:
(1) إنَّه ليحزنني جداً، وبقلب ثقيل جداً، يؤسفني أن أحيطكم علماً بأنَّ الرفيق القائد يوسف كوة مكِّي قد فارق الحياة يوم أمس – 31 آذار (مارس) 2001م - بمستشفى نوريتش ببريطانيا، وذلك بعد صراع طويل ضد المرض، ونضال بطولي ضد سرطان البروستاتة. وقد طُرِقت كل السبل لإنقاذ حياته؛ إذ أشرف على علاجه أربعة أطباء مختصون في السرطان، بجانب الدكتور شول داو دينق وأخيه كامل كوَّة، إلا أنَّ الطبيعة أخذت مجراها القاسي. وسوف يُنقل جثمانه إلى نيروبي في بحر أسبوع وبمجرَّد إكمال الإجراءات الإداريَّة، ولسوف تتم مواراة الجثمان في داره بجبال النُّوبة حسب رغبته ما أمكن ذلك.
(2) كان القائد يوسف كوَّة معروفاً لدي الجميع في الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، وإنَّ موته في غير ميعاده ليعد خسراناً عظيماً ليس لشعب النُّوبة فحسب، بل لكل شعوب السُّودان الجديد وسكان السُّودان كافة. وسيفتقده الجميع والنضال التحرُّري، وبالطبع، أسرته المباشرة المحبوبة والمكلومة.
(3) إنَّ شعب النُّوبة - وشعوب السُّودان الجديد - لمرن المراس، وإنَّني لعلى ثقة بأنَّهم لسوف ينجبون كثراً من أمثال يوسف كوَّة، والذين لسوف يستمرون في النِّضال إلى خاتمته المنطقيَّة كما تمنَّى الرفيق يوسف أن يراها. فعلى الضباط وصف الضباط وجنود الجبهة الرابعة وشعب جنوب كردفان – نتيجة لما حلَّ بهم – أن لا تهبط روحهم المعنويَّة، وعليهم أن يشكروا الرب القادر لأنَّه وهبهم يوسف كوَّة في المقام الأول، ومنحهم الخدمات ذات القيمة الثمينة، التي أسداها هذا الشهيد لنضال التحرُّر وشعب السُّودان الجديد.
(4) أصالة عن نفسي، وبالإنابة عن مجلس قيادة الحركة الشعبيَّة وكل الحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان، أتوقَّف وأطلب من الجميع وقفة حداد وتحية وداع لمدة دقيقة للرفيق يوسف كوَّة.(14)
ومن هنا أعلن ثلاثة أيام حداداً في جميع أنحاء السُّودان الجديد لتكريم رفيقنا البطل الشهيد الراحل. وبالإنابة عن الجميع أحمل التعزية القلبيَّة إلى أسرة الرفيق يوسف كوَّة المباشرة، وأقاربه وأصدقائه. وإذ نتضرَّع إلى الله القوي أن يسكن روحه في السلام الأبدي، ونتمنى دوماً أن تكون ذكراه إلهاماً ودليلاً للأحياء والأجيال القادمة." هكذا لم يسع القائد جون قرنق إلا أن يقف حداداً على روح يوسف، وإنَّ رحيله لعظيم، ويطبطب على الحادين من أهل السُّودان عامة وأسرته خاصة، مسرياً عنهم.