سلسلة من الأسئلة الحارقة تبرق فوق رؤوس الشباب المتدافع حتى الموت عبر المدن، ربما يعتبرها البعض أسئلة محرّمة في التوقيت الراهن. نعم المجتمع السوداني فتي يشكل الشبان مجوعاً غالباً في قوامه لكن مع تجاوز الحراك الثوري عتبة الأربعين من الأيام لا تزال المجاميع البشرية فوق سن الأربعين غائبة عن مظاهرات الغضب. فمن أصل نحو أربعين مليون نسمة تشكل الكتلة البشرية بين الخامسة عشر والخامسة والستين نحواً من ثلاثة وخمسين بالمئة. أعمار ثلاثة وأربعين من تلك الملايين تحت سنة الخامسة عشر .
بعد مضي أكثر من شهر تكاد بالكاد تستبين ملامح وجه أربعيني أو أكثر، خاصة من جنس الرجال! فكما تشكل الفتيات الموجات العالية عبر الطرق تشغل النساء فوق الأربعين حضوراً شاخصاً. من غير المنطقي تبرير ذلك بعاطفة الأم وحدها. وقفة المهندسين أمام دارهم يطرح سؤالاً حاذاً عن موقف المهندسين بعد سن الأربعين. من هذا الغياب الفاضح أو لنقل الحضور الهزيل المتأخر تتناسل أسئلة موجعة. هي أسئلة تستقصي حال الغائبين من كتلة ما فوق الأربعين، خاصة الرجال.
هل أفلح النظام في ترويض كتلة ما فوق الأربعين إذ تعرضت شريحة منها لحرب في الرزق، بعضهم للمطاردة والتضييق وعدد للتعذيب؟ أم هل كسر القنوط شوكة هؤلاء فأمسوا يائسين أزاء إمكانية القدرة على مقارعة عنف النظام دع عنك فرص تفكيكه بعدما تغنوا زمناً باقتلاعه. إجابة غير عميقة تعزو المفارقة إلى بعد القيادة السياسية التقليدية عن فعاليات الثورة الشبابية.
تلك الإجابة تطرح حلقة كبيرة في سلسلة الأسئلة الحارقة. أين القيادات الحزبية في مشهد الثورة المفتوح على الشارع في كل المدن. الكلام عن تكتيك يضع قيادات الصف الأول خارح بؤرة العرض االيومي يدين القيات ولا يبرئها. الحديث عن غياب كبرياء رد فعل على تجاهل بل إستعلاء مع سبق الإصرارمن قبل قيادة الشباب حجة لا يستثقيم منطقها في وهج الثورة. خسر الشارع قياديين إلتقتطهم أزرع الأمن من منازلهم خسارة مزدوجة. حتما لكان ربحاً مضاعفاَ فيما لو تعرضوا للإعتقال من الشارع وذلك أضعف الإحتمالات. ألا يزال أؤلئك على نمطيتهم البالية أيهم يقبص على المقود ليس فقط من يكون في كابينة القيادة؟
مشهد مسجد ود نوباوي كان إستثناء فاقعا من حيث كتافة حضور ما فوق الأربعين فهل إستنفر الإمام أنصاره في إستعراض للقوة؟ لماذا لم يتجاوز حشده صحن مسجده إلى الشارع الطويل؟ فلم تعجل الإنطلاق في سيارته مخلفا الأنصارالمشاة؟ هؤلاء إن لم يكن همو فإنهم بالتأكيد أحفاد رجال يتسمون بالطاعة وأشد ما يكونون حين يغضبون. الشارع يموج بالغضب وفيه من مخزون الأمة.
على الضفة المقابلة هل يعقل ألا يخرج من معسكر النظام رغم مرور ثلاثين عاماً في السطة رجل دولة يمتلك القدرة على مخاطبة الشعب بروح قومية، رؤية وطنية وصوت وقور هادئ النبرات ومنطق جاذب للإصغاء والتفكير إن لم يكن للإقناع!؟ لماذا كل الخطب والأحاديث ثفضح فقراً فادحا في المهارات السياسية!؟ لم كل المتحدثين يثيرون حنق المستمعين إن لم يكن سخريتهم؟ لماذا كل الخطب تهرب من الواقع إلى الخيال؟ كيف يقنع سياسي محنك نفسه باتساع قاعدة شعبية نظام لم تخرج مظاهرة تأييد تلقاءية واحدة في مدينة واحدة طوال أكثر من شهر بينما موجات الإحتجاجات الشعبية الطوعية تغمر الشوارع في المدن؟ كيف لرجل دولة في موقع صانع الإسترتيجية إقناع نفسه بتحقير شأن مظاهرات الغضب حتى في حالة استمرارها شهوراً ستة أو يزيد؟ ألأ يضع في موازينه استراجيته إنعكاس هذه المظاهرات على الصعيد الخارجي؟ أما توصف مثل هذه الحال في سياق العلاقات الدولية بعدم الإستقرار!؟
إلى متى يمارس النظام الجفول عن مجابهة الواقع المدقع؟ أي يظن حقاً أي قدر من العون العيني أو المساعدت النقدية كفيلة بتفكيك الأزمة المستحكمة؟ ألا يدرك عباقرة النظام عمق الهاوية السحيقة حيث تستحيل محاولات الإنتشال الساذجة!؟ ألم يقتنع هؤلاء بخطاياهم ومسؤولياتهم سلسلةعن الفرص الضائعة والمجهضة بغية تحقيق تسوية وطنية حقيقية وما في الإمكان إعادة عقارب الزمن؟
هل هؤلاء هم جادون بالفعل في الرهان على نفاد وقود الجماهير الساخطة وانطفاء جذوة الغضب العارم؟ لم إذاً كل هذا العنف البربري المفرط في مطاردة الشبان المتشبثين بالسلمية حد الموت؟ أيعقل ان ينهال جنود الوطن ضربا على الصبية والصبايا حتى القتل كأنما هم وهن حيوانات ضالة؟ أين هؤلاء القتلة المتوحشون من سماحة التربية الإسلامية إن لم تكن الإنسانية أوالوطنية؟؟ ألا يدرك إلى أي منزلق وحل يغوص المتلسطون على الشعب مع كل هذا التوغل في التوحش؟
هل نضبت كياسة أهل النظام على هذا النحو البائس فلم يعد لديهم أي قدرة على طرح أي مبادرة سياسية للدفاع عن مكاسبهم إذ لم يعد من سبيل للدفاع عن النظام؟ لماذا كلما برقت أمام أحدهم بارقة فرصة لإثبات الجدارة يمحقها كأنما يتنافسون على الفشل!؟ هل لايزال هؤلاء ينتظرون فرجاً من السماء!؟؟
أين الجيش جند الوطن حارس الشعب؟ هل تناسى الضباط من ذوي الرتب العليا والمتوسطة إنحيازأسلافهم إلى الشارع في المنعطفات المشابهة بل أقل حدة؟ هل يزدرد الإلتزام الأيديولوجي الإنتماء الوطني؟؟