بعض من الحرج والحزن

 


 

 

 

 

يجتاحني حرج وحزن يملآن أقطار النفس ويحاصران زوايا الروح في محاولات يائسة لطرد التفاؤل والثقة في مستقبل هذا الوطن وهذا الشعب، فأنا رغم تأييدي غير المحدود ولا المشروط لحكومة الثورة المدنية ورئيسها وكادرها صرت أجد حرجاً وصعوبة بالغين في الدفاع عن الأداء، والقرارات التي لا تشبه الثورة ولا الثوار بعد أن ملأ الانتهازيون والمتسلقون كل مفاصل الدولة والشوارع والإعلام.
المشهد السريالي الراهن يعج بما لا يصدق من السلوكيات والمواقف ولكنها لا تحدث فعلياً، فأنا لا أصدق أن يقرر رئيس الوزراء إقالة مدير المناهج ويجبر وزير التربية على الاستقالة رضوخاً لصرخات هستيرية لتجمعات من المهووسين والمشعوذين ضد قضية علمية يقيمها الخبراء والمختصون.
ويفتح رئيس وزراء الثورة الباب واسعاً لكل أشكال الابتزاز الديني والمزايدات التي توظف الدين ضد كل قضايا الناس الحيوية. لذلك كان من الطبيعي أن يكبر ويهلل محامو الفساد داخل حرمة المحكمة، وأن ينظم الفاسدون وسارقو قوت الشعب إفطاراً جماعياً جهاراً نهاراً ولا يتصدى لهم النائب العام ولا جهاز الأمن ولا الشرطة، بل لجنة إزالة التمكين الجسورة المقدامة. الثورة يجب أن تكون حالة هجوم واقتحام ومطاردة للجبناء والفاسدين باستمرار ودون توقف ولا توجد ثورة في الدنيا وبعد انتصارها الساحق تقف في حالة دفاع، فهم ليسو قضاتنا ولا يعقل أن يكون الفاسدون والسارقون والمجرمون قضاة الثوار النبلاء والشرفاء. وأن يتجرأ أمثال أحمد البلال الطيب بأن يعنف وكيل وزارة الإعلام والثقافة بأنه الرشيد الرعديد. ولا يجد الرشيد بسبب أدبه وديمقراطيته، وهكذا تتفشى وقاحة الإسلامويين وقوة عينهم والا اختشوا ماتوا فعلاً، فهم لا يستحون ولا يحترمون الناس إلا تحت الخوف وهذه هي أخلاق السفلة.
ومن المؤكد أن لأداء الحكومة والخدمة المدنية عموماً دوره في جرأة الإسلامويين. فنحن تحكمنا حكومة الوزراء والمسؤولين أصحاب الهواتف المغلقة على الدوام، وهذا الهاتف مغلق حالياً ولا يمكن الوصول ويمكنك ترك رسالة. “وبعد ذلك لا يرد المسؤول على الرسالة ولا المحادثة. لذلك فهم بعيدون عن المساءلة والمحاسبة ولا يمكن الاستنجاد بهم أو إسماعهم النصائح والوصايا من الحادبين على الوطن والثورة. هذه حكومة الهواتف المغلقة والآذان الصماء والقلوب الباردة. فالمسؤولون -بالتأكيد- يطلعون على نقدهم في الصحف ولكن لا يكلفون أنفسهم بالرد أو إصدار البيانات أو عقد المؤتمرات الصحفية. هذه حكومة مكتفية ذاتياً لسمع نفسها فقط ولا تحتاج صوت الشعب فهو لم يعد يهمها في شيئ.
وتضم حكومة الثورة عبقريات نادرة تحسدها عليها الشعوب المجاورة. فالسيد والي الخرطوم وجد حل مشكلة النفايات في الشكوى لدى بعثة الأمم المتحدة في السودان عندما طرح المشكلة في لقاء مع مندوب البعثة الذي التقاه من أجل قضايا كبرى خاصة بالتحول الديمقراطي. كان على الوالي أن يفتح تحقيقاً حول أين ذهبت العربات الضخمة المجهزة بقلّابات تبرعت بها الحكومة اليابانية ومعها قرض حوالي 16 مليون دولار لنظافة العاصمة.
تقوم نظرية توينبي في قيام الحضارات على مبدأين: التحدي والاستجابة. وهذا يعني أن الشعوب تواجه تحديات معينة وحسب طريقة الاستجابة ومواجهة هذه التحديات تنجح أو تفشل الشعوب في تقديم الحلول وبناء الحضارات. نجح الشعب السوداني في هزيمة تحدي الاستبداد والفساد بإسقاط الاسلامويين وهدم النظام القديم. ولكن الاستجابة ممثلة في حكومة الثورة من مجلس سيادة ووزراء وخدمة مدنية وقطاع خاص، جاءت هزيلة وضارة بالبدايات الرائدة وتكاد تطيح بهذه الثورة المجيدة والعظيمة.

hayder.ibrahim.ali@gmail.com

 

 

آراء