بلاغ جديد من (نفس الزول) !!
أحد أعمامنا وهو رجل أمي طيب القلب كانت لديه (نزعة حقوقية) ومحبة فطرية للتقاضي، وكان يحب فتح البلاغات كلما وجد إلى ذلك سبيلاً.. بل كان يحث الآخرين على توكيله لتقديم بلاغاتهم إلى محكمة شندي الابتدائية..ويبدو أن جنرالات مجلس السيادة في حاجة لمثل هذه الرجل حتى يتفرّغوا لحماية المدنيين من هجمات المليشيات..! ومن غير الدخول في تفاصيل شطب بلاغ قيل إن البرهان تقدم به ضد أحد رجال الجيش بالمعاش..فإن أي شخص يطالب بإعادة الاعتبار للجيش السوداني يكون قد وقف في الجانب الصحيح من السكة، بينما يكون خصمه اختار السير في (طريق المزلقان)..! خاصة عندما يكون الشخص من المُنتسبين للقوات المسلحة والغيورين على انضباطها والداعين إلى منع تسرّب الفوضى إلى مفاصلها.. لأن فساد الجيش لا عاصم بعده.. فكيف يكون الحال إذا فسد الملح..؟! كل من يدعو إلى عودة انضباط الجيش وقوميته وتنظيف صفوفه من كوادر الإنقاذ وعدم هتك نسيجه (بإدخال ما ليس فيه إليه) هو على حق…فما ينبغي أن يكون عليه الجيش السوداني هو الحال المُتبع في كل جيوش الدنيا من تقاليد وأعراف وثوابت وانضباط لا يسمح بتسرب جرثومة الانحلال والفساد إلى نسيجه الحي.. هكذا كان تاريخ الجندية السودانية، وهكذا كل جيوش الدنيا لا تتهاون في قوانينها وتركيبتها المهنية التي تقوم على قاعدة صارمة من الضبط والربط وتسلسل الأوامر ووحدة القيادة والالتزام بدستور البلاد وشرف الجندية..ومتى ما ضرب التساهل والتهاون و(الرخرخة) هذه القواعد الراسخة دخلت البلد كلها في (حيص بيص) وأصبح كل شيء جائزاً بما في ذلك أن توضع مصائر البلاد أمام تصرف مجهولين أو معتوهين لا يعرف الناس حقيقة مرجعيتهم الذهنية ومسؤوليتهم العسكرية ومؤهلاتهم القيادية ومنطلقاتهم الخفية..!
ومن حق أي شخص أن يدعو إلى إصلاح القوات النظامية متى ما رأى فيها خللاً يخالف دورها ومهامها أو يشير إلى تقاعس العاملين فيها تجاه واجباتهم أو ما يخل بتركيبة الجيش الوطني عبر السماح بأن تكون المليشيات العشائرية جزءاً منه أو رديفاً له..بل حتى أن تتسيّد عليه..! ومن المعلوم أن الإنقاذ خلّفت فساداً عميماً في جميع مؤسسات الدولة وأوجه الحياة؛ وخلقت أوضاعاً دعت الناس إلي حمل السلاح.. كما أن للإنقاذ مليشياتها المسيّسة التي قصدت بها أن تكون بديلاً للجيش.. ويمكن معالجة هذا الواقع الفوضوي من خلال برنامج معلوم للإدماج عبر القواعد المعلومة والاستيعاب الذي يقوم على شروط الانتماء ومداخل الاختيار وضوابط شروط الخدمة ومطلوبات التأهيل للجيش والقوات النظامية وليس بالكلفتة والتلاعب وفرض المليشيات على الجيش بالقوة و(حُمرة العين) فلا بد لمن يريد أن يكون ضابطاً في الجيش أن يمر على شروط اعتماد الضباط كما هي مقررة في قوانين الجيش وليس عن طريق (اخنق فطّس)..!
كان الانضباط عنواناً للجيش السوداني عند نشأته ولكن الانقلابات العسكرية هي التي بدأت الخلل الذي وصل إلى مستوى الكارثة عقب انقلاب الإنقاذ الذي أخلّ بكل القواعد ونصّب قادة المليشيات جنرالات في الجيش… وإذا كانت هناك مواقف صميمة لما تم السماح بهذا الوضع الشائن.. ولكن المشكلة أن يحل في بعض المواقع التي لا تحتمل التلاعب أصحاب نفوس خائرة لم يستطيعوا أن يرتفعوا إلى حيث وضعتهم الأقدار.. أشخاص يفتقرون إلى الشجاعة في مواجهة كبائر الأمور وبما تستحقه من التصدي فلا ترى منهم غير الانكسار وطأطأة الرأس.. ثم ما أن تلوح (الفارغة) حتى يتصدروها بالنفخة الكدابة وامتطاء خيول الجريد.. أليس من العيب البائن أن يدير الجندي ظهره عن حماية المواطنين وإيقاف سيل الدماء ليملأ وقته بتقديم البلاغات ضد شباب المقاومة.. وضد نداءات الإصلاح.. وضد قصائد الشعر..!!