بل ثالوث العسكر والحركات والفلول من يبشر بتفكيك الدولة !! 

 


 

 

- ، على من يخوض في الشأن الوطني العام أن يتعامل مع الحقائق بعقلانية ومسؤولية وتجرد، وأن يكون صارماً مع أهواء نفسه ورغائبها !.

- لم أتحزب قط، ولكني مسلم، أتبَّع – سياسياً – مِلة السودان حنيفاً !.

عزالدين صغيرون

تساءلت: هل كان جاداً وبكامل وعيه عندما جعل الدكتور فراج الشيخ الفزاري "الشيوعي والحلو وعبد الواحد: الثالوث غير المقدس المعطل لمسيرة الفترة" عنواناً لمقاله ؟(1).

وسألت نفسي: هل حقاً يعني ما يقول ؟.

هل يعيش في كوكب آخر غير الذي يجري فيه تفكيك الدولة بإصرار ومثابرة من قِبل قوى خارجية وداخلية، يعلمها الصغير قبل الكبير، ويحكي عنها القاصي قبل الداني ؟.

فالأشياء لم تعد بهذا الغموض، والحقائق واضحة لا تحتاج لمن يدل عليها، فكيف عميت عنها بصيرة الدكتور ؟؟!!.

لا نريد أن نحكي عن الماضي من تاريخ السودان الحديث، ولكن دعنا في محطة تاريخنا اليوم المعاش الآن، ونسأله:

- من الذي فض الاعتصام بمجزرة ارتكبت فيها كل المحرمات من قتل ورمي في النيل واغتصاب وضرب بالهراوات وخراطيم المياه بدم بارد، بل وبتلذذ، تمهيداً لانقلاب عسكري يعيد عقارب الساعة للوراء ؟.

ألم يكن هو "نفس الزول الحاكمك؟!.

- من الذي التف على الوثيقة الدستورية – رغم عيوبها – وأعطى نفسه الحق في تجاوز سلطاته المنصوص عليها في الوثيقة، فصار – بضعفٍ من الحكومة والحاضنة – تنفيذياً وتشريعياً وسيادياً  متربعاً في عرش السلطة وحده لا شريك له، يفعل ما يريد؟.

هل قام الثالوث الملعون بذلك؟.

- من الذي استأثر وحده بمسؤولية الأمن كمبرر لشراكته في السلطة الانتقالية، ثم ترك حبل الفوضى والانفلات والجرائم على غاربه حتى عادت الغابات أكثر أمناً من شوارع العاصمة المضاءة، دع عنك حمامات الدم في قرى الغرب الكبير والشرق؟.

هل يُسأل الثالوث غير المقدس عن ذلك؟!.

- من الذي احتكر – سطواً – ملف السلام، ووقع مع شركائه في الإثم اتفاقية جوبا، وقام في حملة محاصصة حاتمية بتوزيع المناصب على من شاء، واقصى منها من شاء. وفتح جرحاً في الشرق صار مهدداً للأمن القومي؟.

هل فعل "الحزب الشيوعي ونور وعبد الواحد " ذلك ؟!.

- من الذي وتحت غطاء السلام جعل حدائق ومتنزهات ومقرات ومجمعات الشرطة السكنية في العاصمة ساحة مستباحة لحملة السلاح، الذين توافدوا إليها من مواقعهم في ليبيا وتشاد بما يشبه الغزو، وينشروا الخوف والرعب في قلوب المدنيين، بينما استقر قادة هذه المليشيات في الفنادق خمسة نجوم وبعضهم في مناصب سيادية ينعمون ؟!.

هل ثالوث الشر هم من فعلوا ذلك؟!.

- أعلن الحزب الشيوعي موقفه السياسي من الوثيقة، وأوضح نقاط تحفظه عليها، إذن ما الذي أشعل نار الخلاف بين حملة السلاح من جيش ودعم سريع وحركات مسلحة وهم الشركاء، ثم بين فرق وطوائف الحاضنة السياسية في قوى الحرية والتغيير ؟.

هل نور وعبد الواحد هما من فعلا ذلك ؟ّ!.

- من ذا الذي يمتلك من الإمكانيات المالية من يستطيع التلاعب بسعر العملة، وتهريب الذهب والدولار وكل العملات الأجنبية. ومن ذا الذي يستطيع احتكار السلع التموينية وإخفائها، أو تهريبها لتجفيف السوق بالندرة المفتعلة وخنق الناس وتجويع المواطنين؟.

هل يملك الثلاثي المرح هذه الإمكانيات؟.

- ما هي الجهة التي تمتلك أكثر من 85% من موارد الدولة الاقتصادية منفردة، بشهادة التقارير الدولية وتجنبها لصالحها بعيداً عن الخزينة العامة للدولة دون وجه حق، و"جيب" الحكومة خالٍ، نسج العنكبوت خيوطه فيه؟.

هل للحزب الشيوعي والحركتين "المارقتين" علاقة بذلك ؟!.


كثيرة هي الأسئلة على هذه الشاكلة والتي تفصح بوضوح عن الثلاثي الحقيقي الذي يقود إلى تفكيك الدولة:

- قيادة المكون العسكري (ولا نقول الجيش)...

- والحركات الموقعة على اتفاق جوبا..

- وفلول عصابة النظام المندحر.

وبما أنهم بلا حاضنة اجتماعية سوى اللصوص والقتلة الهاربون من العدالة من قيادات النظام المندحر، فقد وجدوا بين من شايعهم من الأحزاب، ومن بعض (الأرزقية) في الحاضنة السياسية – التي لم تعد إطلاقاً تمثل الثورة، وقوى الثورة الحيِّة – حاضنة، لقوى الشر الذي يحيق بالسودان (كدا بالواضح).


وبعد.

للدكتور فزاري أن يكره ويبغض الحزب الشيوعي (وكل اليسار) كما يحلو له. فهذا حقه الذي لا ينازعه فيه أحد.

وله أن يسيء الظن بنور وعبد الواحد ما شاء له ظنه، وهو حرّ أن يظن كما يشاء.

أما إذا أراد أن يخوض في شأن وطني عام، جدي ومصيري، يتجاوز خواطره الشخصية، وميول قلبه، وأهواء ورغائب ذاته، فعليه أن يتجرد ويتعامل مع الحقائق بعقلانية ومسؤولية، وأن يكون صارماً مع أهواء نفسه ورغائبها. فمصير البلد وشعبه ليس (محل لعب). وإلا صار محل سخرية حين يطلق نكتة كبيرة تليق في حجمها بحرف(الدال)الفخيم الذي يسبق اسمه، وهو يقول بأن الحزب الشيوعي هو السبب في " حال الفترة الانتقالية الحالية وما يحيط بها من مكر وخبث ودهاء لم تسلم منه الفترات الانتقالية السابقة فعجلت برحيلها قبل اكتمال (نموءها؟!) عقب ثورة أكتوبر 1964، كما حدث عقب انتفاضة أبريل 1985" (2).

يا إلهي، هذي إما كذبة بلغاء، وإما جهل مطبق بتاريخ لا زلنا نشهد بعض فصول صفحاته التي لم تطوى بعد !!.

دع عنك ثورة أكتوبر ودور الأحزاب التقليدية الثلاث الأمة والاتحادي والإخوان في إجهاض مرحلتها الانتقالية واستعجالهم الاستيلاء على السلطة، التي ولفرط تنازعهم على مقعدها فيما بعد، خرجوا على أحكام الدستور والقضاء، وجاء الخلاص على يد الانقلاب العسكري الثاني. دع عنها تلك الفترة، رغم أن بعض شهودها والمشاركون فيها كتبوا شهاداتهم.

ولتأت إلى ثورة مارس/ أبريل 1985 القريبة، من الذي أجهضها وحال دون التوافق على مؤتمر دستور يضع الأسس الصحيحة للدولة السودانية المستقرة؟ ألم يكن الإخوان، والذين توجوا مأثرتهم بانقلاب 1989، وبالتالي هم من نالوا هذا "الشرف" بتعطيل الفترة الانتقالية بالخبث والتآمر، ثم هم من قاموا بتقويض النظام الديمقراطي بعد ذلك؟!.

فلماذا ينزع إكليل غار هذا "الشرف" عن رؤوس الإخوان وعسكر سوار الدهب ليضعه على رأس الحزب الشيوعي؟!!.

(خلاصته)

على كل حالٍ،

فلنختلف سياسياً وفكرياً ففي الاختلاف خيراً كثيراً. وهو الطاقة التي تتحرك بها عجلة التاريخ والتغيير والتطور. وأزعم بأنني كثيراً ما اختلفت وانتقدت مواقف وسياسات الحزب الشيوعي، مثله في ذلك مثل غيره من الأحزاب، ولكني حاولت جهدي أن أكون موضوعيَّاً.

وإذن، فلنختلف، لا بأس في ذلك.

على أن نلتزم بأخلاقيات وآداب الاختلاف.

وإذا كان ضرورياً أن أعلن فإنني لست شيوعياً ولم انتمي لأي حزب، ولكنني مسلم، أتبَّع سياسياً مِلة السودان حنيفاً.

(مراجع ومصادر)

(1) د. فراج الشيخ الفزاري، "الشيوعي والحلو وعبد الواحد الثالوث غير المقدس المعطل لمسيرة الفترة الانتقالية"، موقع صحيفة سودانايل الإلكترونية، بتاريخ، 21 سبتمبر, 2021.

(2) السابق.




izzeddin9@gmail.com

 

آراء