بين الصحافة وجهاز الأمن: بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة سدني 3 مايو 2020م

 


 

 

 

حفزني الذين أشادوا بما كتبته عن بعض محطاتي المهنية في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة ومطالبتهم لي المزيد من الكتابة عن الصحافة، كي أواصل الكتابة من الذاكرة وامل أن يصوبني الشهود أوأن يضيفوا ما يعرفونه لمزيد من التوثيق.

لن ألتزم بإيراد التواريخ كما طلب مني صديق عزيز خاصة وأن الذكريات تكشف جانباً من تاريخ الحقبة التي كانت فيها الوقائع المذكورة وهي ليست بعيدة عن ذاكرة شهودها، والتي سأوردها كلما جادت ذاكرتي بها.
أبدأ بموقف لاأنساه إبان إجتماع مدير جهاز الأمن المبعد صلاح عبدالله "قوش" مع رؤساء تحرير الصحف ضمن الإجتماعات "التنويرية" - التي درج الجهاز على عقدها مع بعض الرموز الإعلامية والسياسية والثقافية والفنية - لإطلاعهم على خطهم الإعلامي وموجهاتهم الجديدة.
بعد التنوير الذي قدمه قوش في ذلك الإجتماع طلب من الحضور التقدم بالإسئلة أو التعليق، فما كان مني إلا أن تقدمت و بدأت في سرد واقعة حدثت معي من مسؤول لإعلام بالجهاز
إبان عملي في صحيفة الصحافة.
قلت أننا كنا قد أبرزنا في الصفحة الأولى من صحيفة الصحافة خبراً عن ضحايا النزاعات في دارفور جاءت به المحررة البرلمانية، إتصل بي مسؤول الأمن في اليوم التالي وطلب مني نفي الخبر لكنني رفضت نشر النفي لأنه من مصدر برلماني من نواب دارفور.
في اليوم التالي إستدعاني مسؤول الأمن بمكاتب الجهاز وبعد أن أوضحت سبب عدم نشري النفي، طلب مني أن أحضر لهم أسماء القتلى والجرحى، خرجت مهموماً بإمكانية الحصول على هذه التفاصيل لكنني طلبت من المحررة البرلمانية سؤال النائب البرلماني عن الأسماء وفعلاً أعطاها الخبر على ورقة مروسة من ذات المنطقة تحتوي على أسماء القتلى والجرحى. صورت الخبر المستند ثلاث صور أعطيت صورة لرئيس الأخبار وصورة حفظتها في مكتبي وصورة حملتها لمسؤول الأمن الذي ما أن إطلع على المستند إلا وهب واقفاً ودخل به على رئيسه.
بعد فترة من القلق والترقب عاد مسؤول الأمن ليقول لي : الان يمكنك الذهاب للصحيفة لكن إذا إكتشفنا عدم صحة الخبر لن نتركك أنت والنائب بتاعك وقلت في نفسي "النائب بتاعي ولا بتاع برلمانكم!!".
في مساء ذات اليوم إتصل بي مسؤول الأمن قائلاً لي أكتب هذا التصريح لنشره وعندما جاءت صيغة النفي كالاتي : نفى مصدر بجهاز الأمن الخبر الذي نشرته الصحافة ....إلخ، قلت في نفسي هكذا يمكنني نشر النفي لأنه منسوب للجهاز وليس منا.
بعد أن سردت هذه التجربة العملية مع الجهاز لرئيسه في ذلك الوقت في لقاء مشهود لم يعلق مباشرة إنما اكتفى بقوله ضمن تعليقه على الأسئلة والتعليقات : إننا عنما نمنع نشر الأخبار عن دارفور ينبغي الإلتزام بذلك المنع، وطبعاً الرسالة وصلت .. وها أنا أنشرها للذين يروجون لدور ما ل"قوش" في إنجاح ثورة ديسمبر الشعبية، وأقول لهم هذا هو دور قوش الحقيقي وهو مازال حياً وله حق الرد وعلينا النشر.

 

آراء