بين صرحين تعليميين تربويين تركا في خريجيهما اثرا بارزا مضيئا

 


 

 

بين صرحين تعليميين تربويين تركا في خريجيهما اثرا بارزا مضيئا ( حنتوب الجميلة وملك المعاهد بخت الرضا ) .
ابنتنا الأستاذة الفاضلة ثريا الفاضل.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
عشت مع مقالك هذا لحظات من راحة النفس عميقة وقد طوفت بنا بين صرحين تعليميين تركا أثرا بارزاً مضيئا له بريق في كل من نال شرف الالتحاق بهما وأنا والحمد لله و الشكر له وحده والصلاة علي من لا نبي بعده كنت من المحظوظين وقد امتطيت ( البنطون ) عابراً بحر ابيض العريض ميمما شطر ( ملك معاهد السودان التربوية ) وكان ذلك في العام ١٩٧٤ وكانت الدراسة سنة واحدة ( مضغوطة ) بدلا من سنتين وذلك بسبب تراكم ( الدفع ) المراد تدريبها والشيء الجميل أن الشهادة تستخرج واضعين في الاعتبار نفس المدة القديمة للدراسة وهي ( سنتان ) .
في زماننا كان عميد المعهد الأستاذ عصام احمد حسون واذكر من أساتذة اللغة الانجليزية ( استاذ تاج الدين ) وقد كان عندما يتحدث اللغة يبدو وكأنه يعزف موسيقي من اعذب الالحان تأسر القلوب وتسبي الأفئدة وتروي قلة الصادي ، ومع الاغتراب اختطفته ارامكو التي كانت تتصيد اللاليء والدرر النفيسة ممن ينطقون البريطانية كاهلها واحيانا احسن من أهلها كما يفعل ابن عطبرة ( تاج الدين ) .
وفي اللغة العربية شاب اسمه ( سعيد ) تري فيه ملامح ابن الحسين الكوفي ( ابو الطيب المتنبي ) وكان من النابهين في كرة القدم يتعامل معها بطريقة دكتور سقراط نابغة البرازيل الذي لم يكن يستعمل الركل وضربات الرأس والجري واللهاث والعنف سواء كان قانونياً أو غير ذلك بل كان يستخدم دماغه لتخرج الجملة التكتيكية مثل وردة خارجة من جرح أو نبع ماء بارد يروي صحاري ملح .
أما في التاريخ فقد وجدنا الأستاذ ( عبدالله ابو ضفيرة ) وقد اشتهر باستخدام المترادفات الي حد الإدمان وبصوت قوي مثل طبول الحرب ورغم ذلك لايصم الأذان ولكنه كاف لجلب نفر من أهل الدويم ليرابطوا علي الشبابيك ليستمعوا لهذا العاشق الولهان والدرر تتحدر من فيه وهو يلقي علي العطشي شيئا من تاريخ وحضارة السودان .
الراحل ابو ضفيرة ومع الاقتراب الذي يلقي بشراكه للقبض علي النوابغ فازت به كلية المعلمات بالسعودية وقضي فيها ردحا من الزمان الي أن انتقل الى دار الخلود ( جعل الله سبحانه وتعالي الجنة متقلبه ومثواه ) .
وقبل بخت الرضا كنت من دفعة العام ١٩٦٤ التي حظيت بالقبول في حنتوب الجميلة التي كانت للنيل شامة وكان الهدهد لها علامة كما جاء في رائعة عمنا محمد عوض الكريم القرشي ( حنتوب الجميلة ) وقد لحن هذه الدرة الثمينة فنان الجزيرة المعروف الخير عثمان واداها بنغم مفعم باجمل الذكريات تجعل كل حنتوبي يذوب في حالة من الوجد الصوفي وربنا تورورق عيونه بالدموع في تذكر ايام مضت من العصي نسيانها ويالها من لوحة زمنية مضمخة بالعطر والطيب وصدي السنين الحاكي .
كانت دفعتنا التي تخرجت في مارس ١٩٦٨ قد تكحلت عيناها برؤية أساتذة يسدون عين الشمس علما وادبا وخلقا رفيعا وتفاني في إيصال الرسالة التربوية هذا الواجب الذي حملوه علي أعناقهم التي ما كلت ولا ملت وكان هذا ديدن من التقينا بهم منذ البداية الأستاذ ( ونجت برسوم ) وكان وكيل المدرسة وقايما بأعمال الناظر وايضا الأستاذ أحمد حسن فضل السيد وايضا كان وكيلاً للمدرسة وسد خانة الناظر الي أن وصل العملاق عبدالباقي محمد عبدالباقي هذا التربوي الناصع السيرة الذي أدار مدارس البلاد الكبري بكل حنكة واقتدار وصار وزيرا للتربية والتعليم وحتي بعد تركه للوزارة عاد ليقود مدرسة خور عمر النموذجية التي سكب فيها ( ابن الهلالية ) الأستاذ عبدالباقي كل عصارة ذهنه وخبرته المتراكمة مما جعلها لها شأن وأي شأن في ام الشهادات التي كانت تسمي ( الشهادة المدرسية السودانية ) واليوم ( الشهادة السودانية ) .
نذكر من رؤساء الشعب الخواجة الأستاذ ( ماكنزي) ومعه في شعبة الرياضيات ابن المسلمية نابغة الرياضيات الأستاذ ( بخيت عثمان ) وتراس شعبة التربية الإسلامية الاستاذ ( محمود يوسف ) وشعبة العلوم الأستاذ ( بابكر التوم ) الذي تلقي دراسته الجامعة الأمريكية ببيروت مع زميله الأستاذ ( العطا ) .
المهم أن حنتوب علي زماننا وفي ماضيها وحاضرها الي أن تم وادها بقرار بليد لا ندري من أصدره هذا القرار الظالم الذي حكم بالاعدام علي زهرة المدارس حنتوب التي مازالت مكانتها محفوظة في شغاف القلب وفي أغشية الدماغ وفي الخاطر والوجدان وقد ابعدت عنا لغير ذنب جنيناه وسيظل هذا الرباط الذي يجمعنا بها محكم التوثيق إن لم نراه في الحقيقة فهو ضيفنا الكريم علي أجنحة احلامنا نطير به بعيدا بعيداً في سموات الخيال الخلاب عله يجلب لنا من السلوي مانخفف به من معاناة ووحشة صادرت فرحتنا بعدك يا جميلة ياحنتوب وكما قال الزعيم الازهري وقد ابعدوه من العاصمة الي حنتوب :
( حنتوب مش حنتوب ) !!..
شكرا بنتنا الأستاذة الفاضلة ثريا الفاضل فقد فتحت لنا نافذة تسرب منها علينا هوي حنتوب المنعش ابتداءا من مرسى ( اليخت ) وعم عبدو وحتي الداخليات والفصول وكل المرافق التي جعلت من حنتوب مدينة جامعية لبست بأقل من افضل الجامعات في بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس ( شمس التعليم ) !!..

حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي.
معلم مخضرم . خريج حنتوب ١٩٦٨ وبخت الرضا ١٩٧٥ .

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء